في زيارة خاصة بمقر إقامته بأحد فنادق القاهرة، التقت «المصرى اليوم» المهندس هانى عازر، خبير الأنفاق العالمى وعضو المجلس الاستشارى الرئاسى، في حوار كشف فيه عن جوانب خفية في حياته الخاصة والتى ساهمت في صناعة شخصيته. وأكد أنه واجه صعوبات كبيرة في حياته وبدأ مشواره من الصفر، مشددًا على أن مصريته كانت سنده في الغربة. وتطرق «عازر» للحديث عن لحظات تكريمه في ألمانيا، وإلى نص الحوار:
■ كيف بدأت قصة كفاحك منذ أن تخرجت في كلية الهندسة بجامعة عين شمس؟
- بدأتها من الصفر، فعقب تخرجى في كلية الهندسة، والتى طلب منى البابا شنودة الراحل دخولها بعد انتهاء دراستى الثانوية، سافرت ألمانيا لاستكمال دراستى في ظروف صعبة، فلم أكن أسمع صوت أبى وأمى وإخوتى مرة في الشهر؛ إذ لم تكن هناك وسائل تواصل سريعة مهمة مثل الآن، كنت طالبًا لا أملك نقودًا للمكالمات الدولية، والظروف لم تكن حضارية مثل الآن، فأنا كافحت بحيث ذهبت ولم يكن معى ما يجعلنى أقول إننى سأستمر أم لا.. فلم أنظر للخلف مطلقًا، لكن وجدت صعوبات رهيبة فلم يكن معى منحة ولم أحصل عليها، ولذلك حتى آكل لقمة العيش كنت أعمل في الإجازة الأسبوعية، فعملت «جرسون» وكنت أتمنى أن يعطينى الزبائن «بقشيش كتير»، وكنت بائعًا للصحف في وسط الأسبوع كى أتمكن من توفير الأكل وأشترى احتياجاتى وملابسى، كما عملت في مناجم تحت الأرض.. فكنت دائمًا أكافح حتى أصل لهدف معين، وتعلمت لغة جديدة لم أكن أعرفها وواجهت طقسًا باردًا لم أكن معتادًا عليه، فحاولت خلق توازن بين نفسيتى وشخصيتى والمجتمع الجديد الذي أصبحت جزءًا منه.
■ ألم تحن لوطنك الأم وسط كل هذه المشاق التي واجهتهك؟
- طالما حننت لبلدى وأهلى وأصدقائى، لأننى عشت أيامًا جميلة فيه قبل مغادرته، إذ دائمًا ما نشعر بقيمة مصر حينما نبعد عنها، فأنا حينما كنت في ألمانيا كان كل ارتباطى بمصر، فالصحفيون كتبوا عنى، ودائما يربطوننى بوطنى وأهلى، وهذا شىء يدعو للفخر.. فأنا لم يكن لى واسطة أو علاقات في الخارج لكن مصريتى هي التي كانت سندى في الغربة.. ولذلك نصيحتى لكل الشباب: «امش مثل السهم ولا تعد للخلف مرة أخرى».
■ وماذا عن علاقتك بأسرتك وسط كل هذه المتاعب التي عايشتها؟
- حصلت على كل شىء من أبى وأمى لأن فضلهما علىّ كان كبيرًا، فهما تعبا فىّ وأعطيانى كل شىء ولم يحصلا منى على شىء، فالحنين كان موجودًا وكان أبى يرسل لى- دائمًا- خطابات بالبريد الجوى كانت تعطينى دفعة.. وظللت هكذا حتى تخرجت وحصلت على الشهادة العليا، ولذلك أنا مدين لهما بالفضل لما أنا فيه حتى الآن.
■ ما الوقت الذي شعرت فيه بأنك بدأت تضع قدمك على أول الطريق؟
- حينما انتهيت من الدراسات العليا، كان لا بد أن أقدم رسالة في النهاية، فأنا قدمتها وكان يتبقى لى شهر لإعلان النتيجة، فأرسلت للشركات وأبلغتها أننى سأنتهى يوم 31 مارس، ولا أعلم متى سأنتهى ولكن أرغب في العمل لديكم، وأرسلت لهم ما درسته بالجامعة، ففوجئت في مارس أنه من 3 إلى 4 شركات كبيرة قالولى تعال اعمل مقابلة، فذهبت لأول شركة وقلت لهم: «هذه شهاداتى كلها لكن تتبقى شهادة واحدة التي ستمنحنى المسمى الوظيفى»، فقالوا لى: «كل هذا لا يهمنا.. متى ستنتهى من دراستك، فأجبت 31 مارس فقالولى تعال 1 إبريل كى تتسلم عملك حتى لو لم تصدر الشهادة الأخيرة»، وحينما طلبت إجازة بعد الانتهاء من الامتحانات رفضوا وطلبوا منى التواجد يومها، ورغم ما نصحنى به الزملاء الألمان بحضور مقابلات باقى الشركات، إلا أننى لم أطمع، وذهبت للبحث عن سكن آخر وكنت قد حصلت على عقدى وقرأت ما فيه من راتب.. وشعرت يومها بأننى «خلاص مش هتمرمط ومش هبرد في الثلج تانى» ومن يومها بقيت مهندس وبدأ الطموح المصرى لدىّ يزداد كى أصعد سلم النجاح تدريجيًا.
■ كيف تميزت وصعدت سلم النجاح ووصلت للاختلاف والتفوق رغم أن هناك آلافًا بل ملايين المهندسين حول العالم؟
- الراحل البابا شنودة قال لى: حاول أن تتأمل.. فالنجاح ليس الحصول على شهادة أو دكتوراه فقط، فالأهم من ذلك هو الاستمرار في النجاح وألا أقف مكانى، فالأصح هو الدخول في درجات الامتياز بحيث يصبح النجاح مستمرًا، فإسحق نيوتن قال: «كلما ازددت علمًا ازددت جهلًا».. فكلما اكتشف الإنسان شيئًا جديدًا وجد نفسه جاهلًا بأمور كثيرة.. فالنجاح له أعداؤه، والأهم أن يتطور الطموح لدى الشخص حتى يحافظ على نجاحه ويصبح مختلفًا، فالعالم يتطور يوميًا ولا يصح أن نقف مكاننا.
■ وما قصة تفوقك في تصميم محطة قطارات برلين؟
- أنا مهندس مدنى.. شهرتى في أوروبا وألمانيا جاءت بعد تنفيذى أنفاقًا صعبة في منطقة مناجم وتربة صعبة تتحرك فيها الأرض، فبدأت أخترع أنفاق الهارمونيكا أو الأكورديون وبدأت أخترع وأدخل في تفاصيل صعبة، فقمنا بتثليج المياه الجوفية وحولنا نهر برلين وأقمنا أنفاقًا فوق الأرض ثم قمنا بإنزالها تحت الأرض وكل شىء عملته.. نفس الشىء في الكبارى كنا ننفذ حاجات فنية صعبة.. ولما اتحدت ألمانيا الشرقية والغربية وأصبحت عاصمتها برلين، قالوا سنقوم بعمل تخطيط لكل برلين منها خطوط السكك الحديدية وكان منها أنفاق ومحطات وطرق سريعة، وأنا أقمت 4 محطات قطارات كبيرة، وبعدما انتهينا من شبكات الأنفاق كانوا يرغبون في الانتهاء من شبكات القطارات التي فشل زملائى الألمان فيها قبلى بـ5 سنوات، فطلبوا منى تولى المشروع والانتهاء منه في 2006 مع كأس العالم لأنه مستقبل ألمانيا، كما أنه يربط برلين بوارسو وكوبنهاجن وروما، وأنا توليت المشروع في 2001، وعملت أصعب مشروع 4 محطات، وكانت المحطة الرئيسية أمام البرلمان ومكتب الاستشارية فهى 5 أدوار ومكاتبها عبارة عن 25 دورًا، ولذلك بنيت بطريقة ليس لها مواصفات رسمية، فكل مادة كنت لازم أعمل لها مواصفات جديدة وأحصل على الإذن، ثم تُجرى تجارب لها، وهو ما كان يضيّع علىّ الوقت، وكل هذه كانت صعوبات موجودة، وأدخلت بعدها أن كل محطة فيها 5 أدوار و70 محلًا، وكل ذلك كان بتخطيط مسبق، فكنت أشرف على كل هذه الأمور معهم، فضلا عن أمور لخدمة ضعاف البصر، فبعض الإرشادات مكتوبة بالخط البارز وطريقة برايل، وإجراءات الحماية من الحريق، وربطنا المحطات حتى وصلت للمرحلة الأخيرة الخاصة بالبرج فكانت الفكرة أنى أبنيه رأسيًّا وأقلبه أفقيًّا فبنيت الأدوار بارتفاع 70 مترًا ثم أنزلناها بشكل أفقى بحيث لا تتعطل القطارات التي تسير مطلقًا وهذه كانت معجزة.. وحينها منعت كل شخص من أن يقترب من المحطة حتى الإعلام ورؤسائى، لأنى كنت خايف وهو بينزل يكسر حاجة فالمحطة كلها تبوظ.. ولما عملت البرج الثانى كنت واثقًا من نفسى وفتحته للإعلام لمشاهدته عن بعد وعملت احتفال كبير حينها حضره السفير محمد العرابى.. ولما عملت الفكرة عرضتها في كل أنحاء العالم وعرضتها على الرأى العام والإعلام ورؤسائى والسياسيين، بحيث أجعل كل الناس تتكاتف معى.
■ المستشارة أنجيلا ميركل كرمتك بعد الافتتاح.. ماذا شعرت في تلك اللحظة؟
- بعد انتهائى من المحطة كنت أنهكت تمامًا فقد كنت أعمل 18 ساعة يوميا وأنام في الموقع، فالافتتاح كان يحتاج لدعاية خاصة وجوانب لوجستية.. وكان من المفترض أن يكون في يونيو 2006، لكن المخاطرة التي قمت بها هي أننى طلبت أن يفتتح قبلها بـ4 أسابيع في 26 مايو بحيث لو حدث أي شىء أعالجه قبل كأس العالم.. ويوم الافتتاح طلبت المستشارة ميركل أن أصطحبها في جولتها بالمحطة، كما تكلموا عن هانى عازر المصرى، فوقف محافظ برلين وقال: «الدستور الألمانى ينص على أن تكريم أهم الشخصيات الألمانية صاحبة الإنجازات يكون يوم 1 أكتوبر، لكن أنا سأقوم بعمل استثنائى الآن وسأعلن أنك أنت الذي فزت بهذا التكريم، وأنا لم أكن مدركًا، لكن وقفت والناس جميعها كانت تصفق وهو ما فوجئت به.
■ وماذا عن إعلانك كواحد من أهم 50 شخصية على مستوى ألمانيا؟
- كان ذلك قبل افتتاح المحطة ووصلوا لمرحلة الترشيحات حتى اقتصرت القائمة على 50 شخصًا، وبدأوا ترتيبهم فأنا كنت رقم 13 ومحافظ برلين رقم 14 بعدى وميركل رقم 4، وهذا حدث قبل عام 2005.
■ كانت هناك فجوة بين المصريين في الخارج والدولة.. ماذا حدث حتى تقل هذه الفجوة؟
- الرئيس عبدالفتاح السيسى كان دائما يقول: أنا عايز أستفيد بكم جميعا وعايزكم تيجوا وتشيلوا معايا مشاكل البلد كلها، فحينما وجدته فتح قلبه بهذه الطريقة تواصلت مع كل من هم في الخارج ودعوتهم لعمل شىء للوطن، فالرئيس كوّن المجلس الاستشارى لعلماء وخبراء مصر والذى يضم نخبة من العلماء هذا من جانب، أما الجانب الآخر فيتمثل في مؤتمر مصر تستطيع وإنشاء وزارة الهجرة وشؤون المصريين في الخارج بحيث مثلت فرصة جيدة للتعاون مع المصريين بالخارج، وأحضرت العلماء والخبراء من كل أنحاء العالم، وكلهم حنين لهذا البلد الكبير وخدمته.
■ ما رأيك في توجه الدولة بإقامة العديد من مشروعات الطرق؟
- ما حدث خلال 5 سنوات في هذا البلد إنجاز ضخم، فحينما جئت في 2014 كانت الناس كلها تتذمر من انقطاع الكهرباء وسمعتهم يقولون: نفسنا الكهرباء ما تقطعش.. وحاليًا الكهرباء لا تنقطع ولكن لا أحد يتكلم عن هذا الإنجاز، فقناة السويس وتوسيعها توفر دخلاً للبلد بالعملة الصعبة، والطرق التي تم افتتاحها أيضًا توفر الدخل للبلد.. فألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية لم يكن بهما طوبتان فوق بعضهما، وألمانيا أول ما بدأت كان بالبنية التحتية بالطرق والكبارى والمطارات وغيرها بما أهّلها للاستثمار وأن تصبح من أكبر القوى العالمية في الاستثمار.. فما تم إنجازه في 5 سنوات لم يُعمل في هذه المدة في أوروبا، فهناك إنجازات تمت في مشروعات الطرق والسكن وعلاج فيروس سى الذي لم تنفذ أي دولة في العالم مشروعا مثله، وفى المقابل هناك مشاكل أخرى تراكمت وتوارثناها منذ 50 سنة وتحتاج لوقت طويل للتخلص منها.
■ كيف ترى أهمية مشروع العاصمة الإدارية الجديدة؟
- هي مدينة جديدة مثل مدن جديدة تم تشييدها بحيث تقلل التضخم السكانى، فهى تمثل مصر المستقبل، حيث تتضمن جامعات ومدارس ووزارات وبرلمانًا وغيرها، وكل الأفكار الموجودة كمدن جديدة هدفها تخفيض التكدس السكانى، وفى نفس الوقت نربط هذه المدن الجديدة بشبكة مواصلات كالمترو والمونوريل لتسهّل التنقل، فضلا عن أهميتها في توفير فرص عمل جديدة، فهى مشروع المستقبل لمصر.