عام مر على تونس منذ فرار الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، اختارت فيه البلاد اتجاه «البناء، والتركيز على شرعية، الدستور وسد الفراغ السياسي»، بحسب المتفائلين من المسيرة السياسية على مدار العام الماضي.
في المقابل، يعتبر المنتقدون أن «هذا البناء السياسي كان المفترض منه أن يكون البوابة الأساسية لحل المشاكل الاقتصادية، التي تعيشها تونس اليوم»، فالثورة، كما يؤكدون «قامت أساسا لتقليص البطالة، والحد من التفاوت الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية».
بعد عام من هروب بن علي، مازالت التجاذبات قائمة في الشارع السياسي، المنقسم حول جدوى الاحتفال بالذكرى الأولى لمغادرته البلاد، والتي توافق 14 يناير، كما أن هناك من يختلف حول أولويات تنفيذ أهداف الثورة، ومثلما يجري في الشارع المصري من جدل حول محاكمات رموز النظام السابق ومطالب إحداث طفرة سياسية وبناء اقتصادي، يختلف التونسيون حول أولويات تلك الأهداف.
ويرى الحقوقي سليمان الرويسي أن الاحتفال بذكرى «هروب الطاغية أمر غير مقبول أساسا»، مؤكدا أن ثورة 17 ديسمبر، قامت للحرية والكرامة، قبل أن يتم تهميشها وتحويلها عبثا إلى ذكرى «الشرارة الأولى»، ويضيف أنه بعد عام من الثورة، مازال الوضع الاقتصادي مترديا، ومازالت هناك الكثير من القطاعات التي لا تعمل بكامل طاقتها، بما ألحق أضرارا فادحة.
من جانبه، اعتبر محمد المي، رئيس تحرير صحيفة «الوقائع»، أن مرور عام على هروب بن علي يجب أن يكون وقفة تأمل لكل التونسيين، ليقيموا نتائج الثورة وما تحقق من أهدافها وما لم يتحقق، «حتى نعتبر أن ما حدث ثورة بالفعل».
وأضاف «صحيح هناك انفتاح إعلامي وسياسي وحرية رأي، لكن لم يتم القضاء جذريا على الفساد، ماليا كان أم إداريا».
ويؤكد «المي» أن «بن علي غادر البلاد جسدا، لكن نفوذه لايزال قائما، وما صدر في شأنه من أحكام قضائية، لا يعد سوى تلهية للرأي العام، لأن أمواله المهربة إلى دول الخليج، خاصة لم يتم استرجاعها من قبل المجموعة الوطنية».
بينما لا تكترث رابعة عبد المجيد (موظفة حكومية) بمحاكمة الرئيس السابق، يصر محمد النصيري، الأستاذ الجامعي، على تكثيف الإجراءات القضائية والقانونية لجلب الرئيس المخلوع إلى تونس ومحاكمته أمام القضاء المحلي.
وتقول «رابعة» صارخة بمجرد ذكر اسمه: «عار علينا أننا عشنا 23 سنة تحت حكم هذا الديكتاتور، كم من الوقت سنهدره في الحديث عن جلبه ومحاكمته»، وتضيف «المخلوع يعيش في الجحيم الآن، فليشبع به، لا نريده أن يعود لتونس، ولا أريد حتى محاسبته، ما يهمنا هو استرجاع أموال التونسيين التي نهبها هو وزوجته وأصهاره، اليوم كفانا بكائيات، خاصة وقد نجحنا في انتخاب مجلس تأسيسي سيكتب لنا دستور ثوري. علينا التحرك لإيقاف الاعتصامات وتحريك الدورة الاقتصادية، هذا هو ما يريده التونسي».
ويرى علي البدري (ممرض) أن هروب بن علي ومحاسبته ليس بالأمر الضروري بالنسبة للتونسيين الآن، «نحن بحاجة لعودة الأمن إلى مواقعه كما كان في السابق، الأمن شبه مفقود في الشوارع، وهو ما زاد من وطأة الاعتصامات غير المرخص لها، وتسبب في تعطيل حركة الاقتصاد، ومع استتباب الأمن يمكننا تحقيق استثمارات اقتصادية وسياحية».
على النقيض، يتمسك النصيري باستعادة بن علي، بهدف «محاكمته على جملة الجرائم التي ارتكبها في حق الشعب التونسي، ونهبه لثروات للمال العام، فهو السبب في الوضع الاقتصادي الكارثي الذي تعيشه تونس الآن»، ويضيف «لابد من محاكمته ومن استرجاع كل الأموال المجمدة في الخليج».