x

«حاوي» تجربة شعورية مليئة بالحزن والارتجال

السبت 16-07-2011 18:43 | كتب: رامي عبد الرازق |
تصوير : other


فى تجربته السابقة يشعرك إبراهيم البطوط بحضور مميز وعضوى للمكان الذى يحمل الفيلم اسمه «عين شمس»، بل يتخذ المكان أبعادا دلالية، أما فى «حاوى» فإن الإسكندرية كمكان تبدو كغيمة تخفى جزءا من أفق التجربة، فالمنحى التجريدى الذى يصبغ أغلب الشخصيات ومواقفها وانفعالاتها يتجاوز المساحة الضيقة التى يحصرنا فيها اسم المدينة المصرية! فكل شىء مجرد تقريبا بداية من العنوان، والفيلم لا يستغرق فى الواقع السكندرى مثل تجربة «ميكروفون» لأحمد عبدالله، ولا يتعاطى مع الواقع المصرى من خلال المدينة بشكل ترميزى أو فلسفى مثل «رسائل البحر» لداود عبد السيد، وإنما يتجاوز الواقعية المحلية لتصبح شخصياته وأحداثه أكثر تحررا من أسر المكان.


تعتمد الدراما فى «حاوى» على حبكات انفعالية صغيرة تلتقى فى النهاية لتشكل حبكة شعورية واحدة مغزاها الإحساس بالضياع والحزن والأسى، فالبناء الدرامى مثل نوافذ تطل على نفوس الشخصيات وهو نوع حساس من التجارب يحتاج عادة إلى خبرة طويلة وميزان درامى دقيق فى بنائه، لأن وحدته الأساسية هى الشعور وليس الحدث، فأمامنا «إبراهيم» الذى يعود ليلتقى بابنته التى لم يرها منذ 20 عاما محاولا التقرب إليها عن طريق مقابلة عمل يختارها فيها كمراسلة للقناة التى يعمل بها، بينما يخرج «يوسف» المعتقل باتفاق غامض مفاده أن يسلم الأوراق التى بحوزته، وكانت سر اعتقاله لسنوات، و«يوسف» أيضا له ابنة جميلة لكنها عمياء تراه بقلبها وتمثل جانب الشعر السينمائى فى التجربة، وتتصل أزمة بنت يوسف بأزمة «آية» بنت إبراهيم فى علاقتها بالأب، فبينما لا تنكر ابنة «يوسف» تستدرج «آية» أباها حتى عيادة طبيب نساء لتكشف له عن سر، ويصبح هذا الكشف هو ذروة الحبكة الانفعالية بينهما، إنها سينما المشاعر الدقيقة، حتى فى شخصية الراقصة المثقفة التى ترقص لأنها تحب الرقص وتحاول أن تتسق اجتماعيا مع الانطباع السيئ عنها فى عيون الآخرين، ويركز السرد على أزمتها النفسية أو شعورها بالحيرة بين حرمانية ما تفعله ورغبتها فى إمتاع نفسها والناس دون انحرافات أخلاقية.


تدريجيا تذوب الحبكات الانفعالية فى حالة الفقدان التى تمثل ذروة الحبكة حتى ولو لم تكتمل، فالعربجى «جعفر» أخو الراقصة يفقد حصانه الأثير «ضرغام» بعد قليل، ويحاول الحفاظ على حياته بمعاملته كإنسان حتى إنه يصطحبه ليبيت معه فى غرفته، أما إبراهيم فحين يعثر على مفتاح علاقته بابنته يجدها قد فقدت عذريتها، ربما كرمز لغياب سياج الأبوة الحامى فى مرحلة التكوين، أما يوسف فيفقد حياته كلها نتيجة لموقفه من الجهة الأمنية الغامضة التى تطالبه بتسليم الأوراق.


ويبدو المشهد الأخير الذى تسير فيه الخالة و«فادى» خلف عربة الكارو التى يجرها الحصان «ضرغام» بينما فرقة «مسار إجبارى» تغنى أغنية الفيلم «حاوى» فى مشهد جنائزى فى لحظة الغروب حيث الشمس تأفل والأسى يعم كل شىء، إنها جنازتا يوسف و«ضرغام» وجنازة عذرية «آية»، ورغم كلمات الأغنية (بقيت ناوى فى عز الجرح أنا ما بكيش) التى يرتكز عليها الفيلم تعبيريا إلا أن دموعا كثيرة صامتة تفور من العيون، وتتطابق الانفعالات الكثيرة فى نفوس الشخصيات مع المغزى المباشر للأغنية، فكل شخصية تحاول أن تمارس لعب الحواة نفسيا سواء لمرواغة مشكلاتها أو لمرواغة الآخرين وكل شخصية.


لكن أزمة «حاوى» هى غياب الطبيعية خاصة فى الأداء أو التعبير، والاعتماد على الارتجال بشكل واضح، فالممثلون يفكرون فى الحوار بما يناسب فكرة المشهد أو هدفه، وبالتالى يبدأون جميعا فى حالة تعتعة تعبيرية أو ثقل لسان، خصوصا أن جمعيهم غير محترفين، وبالتالى ليس لديهم تلك القدرة على الارتجال السريع الذى لا يُظهر للمتلقى كواليس التفكير فى الجمل.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية