يحتفل العالم يوم 31 أكتوبر، من كل عام، بذكرى الإصلاح الإنجيلى، حيث إنه فى هذا اليوم عام 1517م كتب الراهب الألمانى «مارتن لوثر» (1483- 1596)، خمسا وتسعين قضية تناولت صكوك الغفران والاستغلال السيئ للدين، وعلقها على باب كنيسة وتنبرج فى ألمانيا، وعن هذا الفعل قال أحد المؤرخين: «راحت ترددات صوت مطرقة لوثر وهو يدق اللائحة فى باب الكنيسة تهدر كالرعد، موقظة أوروبا من سباتها الروحى فانتشر إنجيل الإصلاح فيها ومنها إلى كل أنحاء العالم»، وكانت المرة الأولى التى استخدم فيها مصطلح «الإصلاح الدينى»، فى القارة الأوروبية عندما بعث مارتن لوثر خطابًا إلى الدوق جورج طالب فيه بالإصلاح الدينى بقوله: «يجب القيام بإصلاح دينى عام للطبقات الروحية والزمنية»، وقد علق المؤرخ ول ديورانت على ذلك بقوله: «وقد أضفت هذه الكلمة على ثورة لوثر اسمها التاريخى».
والفترة التى ظهرت فيها حركة الإصلاح الدينى فى أوروبا (القرنان الخامس عشر، والسادس عشر)، تعتبر هى الفترة الانتقالية للفكر الدينى الغربى من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، فقبل ظهور حركة الإصلاح الدينى كان الإنسان خاضعًا لسلطة الكنيسة خضوعًا تامًا، فتمكن الإصلاح الدينى من تحريره بصورة كبيرة من السيطرة المزدوجة للكنيسة، ورجال الحكم المدنى، وحقق له كسبًا فى كثير من الميادين، كان أبرزها: الحرية، والفردية، بوصفهما مقدمتين ضروريتين للديمقراطية التى حملها وبَشَر بها العصر الحديث، لقد أحدث الإصلاح الدينى نقلة حقيقية فى حياة الفرد والمجتمع من حالة الهيمنة الكنسية باسم الدين، إلى حالة تحرير الفرد نسبيًا من تلك الهيمنة، وإعادة الاعتبار إلى الإنسان بوصفه كائنًا إنسانيًا وروحيًا ينبغى أن يكون حرًا من الناحية العقائدية والروحية، ولا يخضع لسلطة أحد إلا الله، ولا لمراقبة أحد إلا الضمير، فأصبح الإنسان مركزًا للكون بلامنازع، فمن أهم إنجازات الإصلاح الدينى، الانتقال بالإنسان من سلطة كنسية بابوية أحادية كان الإنسان عنصرًا سلبيًا فيها، إلى سلطة مزدوجة: دينية، ومدنية، أصبح فيها الإنسان طرفًا فاعلًا، والمبادئ الأساسية التى قام عليها الإصلاح الإنجيلى، هى التى «مهدت لترسيخ الديمقراطية والمساواة بين الناس، وكانت العامل الأول فى ازدهار مبادئ الحرية الدينية، فمنذ أن قال نبلاء الإنجيليين عبارتهم المشهورة: «we protest» أى أننا نحتج على الظلم، وعلى وضع القوانين الجائرة التى تعوق تقدم الفكر، منذ ذلك الوقت ظهرت كلمة «البروتستانتية»، التى ترمز إلى القيادة والريادة فى المناداة بحرية التفكير والتعبير، وحرية الاعتقاد، هذه الحرية التى فتحت أمام العالم باب الحضارة والتقدم فى مختلف المجالات العلمية والثقافية والفنية، وأصبحت الحرية منذ ذلك الحين حقًا أساسيًا تكفله دساتير العالم المتحضر، الحرية التى هى حق لكل إنسان سواء كان ضمن الأغلبية أو الأقلية بغض النظر عن دينه، وانتهى زمن المحرمات الثقافية التى تعوق حرية الإبداع، وبدأ عصر الإصلاحات الدينية. ويتفق المؤرخون على أن البلدان ذات الأكثرية الإنجيلية سبقت غيرها فى إنشاء المؤسسات الديمقراطية، ونشر روح المساواة بين المواطنين، وتحقيق العدالة الاجتماعية، كما أن «ميشيل هارت» مؤلف كتاب: «الخالدون المائة الذين لهم أعظم التأثير فى التاريخ» ذَكَر أن العدد الأكبر من هؤلاء الخالدين، جاء من بلاد تعتنق البروتستانتية فى شمال أوروبا وأمريكا، وعزا ذلك إلى الإصلاح البروتستانتى الذى كان له أعظم الأثر فى نشر حرية التفكير الدينى، حيث لم يَعد هناك خوف من مراجعة كل الأفكار والنظريات القديمة والانطلاق فى كل المجالات.
والسؤال: هل تحتاج بلداننا الغارقة فى الدماء نتيجة الإرهاب الغاشم، إلى إصلاح دينى؟!.. وهل تحتاج منطقتنا العربية إلى مارتن لوثر جديد؟!.