x

استقال الحريري.. وبقي المتظاهرون في الشوارع: فما هو المصير الذي ينتظر لبنان؟

الأربعاء 30-10-2019 12:48 | كتب: بوابة الاخبار |
مظاهرات لبنان - صورة أرشيفية مظاهرات لبنان - صورة أرشيفية تصوير : آخرون

استقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، بعد ثلاثة عشر يوما من الاحتجاجات الشعبية في الشارع اللبناني، لينفذ بذلك مطلبا رئيسيا للمحتجين، وليضع لبنان في نفس الوقت، في مواجهة ما وصفه بعض المراقبين بالمجهول.

وكانت وسائل إعلام لبنانية قد تحدثت، عن أن الحريري أجرى اتصالات بالأحزاب السياسية، عبر فيها عن رغبته في الاستقالة، وأشارت إلى أن بعض ممثلي هذه الأحزاب حاولوا ثنيه عن موقفه، لكنه أصر عليه.

ويعتبر مراقبون أن استقالة الحريري، وإن كانت حققت المطلب الرئيسي للمحتجين، وهو استقالة الحكومة فإنها لم تقترن باتفاق على حكومة جديدة، وهو ما يدخل البلاد من وجهة نظرهم في حالة من مواجهة المجهول السياسي.

وتأتي استقالة الحريري، في وقت يواجه فيه لبنان العديد من الأزمات المعيشية والاقتصادية، مع الحديث عن أزمة في الخبز، وأزمة أدوية أخرى تلوح في الأفق، بينما امتنعت المصارف اللبنانية، عن صرف العملات الأجنبية لعملائها، وفي ظل هذه الأزمات المتتالية، وبقاء المحتجين في الشارع، يعتبر البعض أن الحريري قرر الهروب من الأزمة، ملقيا بكل تداعياتها في وجه شركائه السياسيين، وهو ما يتوقع كثيرون، أن يؤدي إلى أزمات بين أطراف العملية السياسية في لبنان.

وفور إعلان الحريري عن تقديم استقالته، انهالت التصريحات والتعليقات، من قبل السياسيين اللبنانيين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث غرد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على حسابه على «تويتر» قائلا إنه و«بعد إعلان الشيخ سعد الحريري استقالة الحكومة بعد أن حاول جاهدا الوصول إلى تسوية وحاولنا معه فإنني أدعو مجددا إلى الحوار والهدوء.»

من جانبه قال رئيس حزب (القوات اللبنانية) سمير جعجع: «حسنا فعل الرئيس سعد الحريري بتقديم استقالته، واستقالة الحكومة، تجاوبا مع المطلب الشعبي العارم بذلك. المهمّ الآن الذهاب نحو الخطوة الثانية والأساسية والفعلية المطلوبة للخروج من أزمتنا الحالية ألا وهي تشكيل حكومة جديدة من أخصائيين مشهود لهم بنظافة كفهم واستقامتهم»

من جانبه اعتبر أحمد الحريري، أمين عام تيار المستقبل أن «سعد الحريري يبقى سعد الحريري، قرأ كتاب الضمير، وليس كتاب الأمير».

وفي الوقت الذي استقبل فيه المحتجون في العاصمة اللبنانية بيروت، أخبار استقالة الحريري بالابتهاج، حذر كثير من المراقبين، من أن أحدا لا يمكنه التنبؤ بالخطوة المقبلة، في وقت أفادت فيه تقارير بأن الحريري، كان قد أجرى اتصالات بفرقاء سياسيين، خلال الساعات التي سبقت استقالته، معربا لهم عن رغبته في الاستقالة وهو ما رفضه هؤلاء الفرقاء في ظل حديث عن أنهم رفضوا طلبه بتشكيل حكومة حيادية.

وتشير تقارير صحفية في لبنان، إلى أن حزب الله الشريك الرئيسي للحكومة اللبنانية، يسعى لدى الرئيس اللبناني من أجل استشارات نيابية عاجلة، تهدف لتشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن، فور قرار الرئاسة بقبول استقالة الحريري.

ويرى مراقبون أن وجود الحريري بحكومته، كان بمثابة حاجز عازل، بين حزب الله والمحتجين اللبنانيين، وأن خروجه سيحول المواجهة إلى مباشرة، بين الحزب والمحتجين، في وقت لا يعرف إلى أي طرف سيميل الحريري بعد استقالته.

وكان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قد توجه في كلمته الأولى لرئيس الحكومة وعموم الطبقة السياسية اللبنانية، محذراً إياهم من مغبة تقديم استقالاتهم استجابة لمطالب المتظاهرين، وهدد بمحاكمة كل من يقْدِم على الاستقالة.

عد استقالة الحكومة، تشعبت اللعبة السياسية اللبنانية أكثر، مع فرض الحراك الثوري نفسه مكونًا جديدًا فيها، ومع تمسك حزب الله بتأثيره في الحكومة والشارع.

يقول سياسيون أخرون إن الحريري أدخل البلاد في نفق مظلم باستقالة حكومته، حتى إن بعض المواقع الإخبارية الموالية للسلطة في لبنان تستخدم تعبير «انهار الحريري» أمام الشارع الثائر، ليأتي السؤال: من سيتولى رئاسة الحكومة اللبنانية بعد الحريري؟، يبقى هو الأوفر حظًا، خصوصًا أن عودته إلى سدة الرئاسة الثالثة تعيد مياه التسوية الرئاسية التي أتت بميشال عون رئيسًا للجمهورية إلى مجاريها.

من جانبه، أكد الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أنه مع الحريري إذا قرر العودة إلى رئاسة الحكومة، «ولن نشارك في حكومة لا يترأسها الحريري».

لكن في ظل الاستشارات النيابية الملزمة، لا يكفي رأي جنبلاط. ففي البرلمان 20 نائبًا لكتلة المستقبل، و15 نائبًا لكتلة القوات اللبنانية، و9 نواب لكتلة اللقاء الديموقراطي، و4 نواب لكتلة نجيب ميقاتي، و3 نواب لكتلة الكتائب اللبنانية، وهي الكتل التي ربما تسمّي الحريري رئيسًا للحكومة، فيصل عدد نوابها إلى 51 نائبًا.

في البرلمان أيضًا 27 نائبًا لكتلة لبنان القوي، و3 نواب لكتلة المردة، و35 نائبًا لحزب الله وحركة أمل، و3 نواب لكتلة الحزب السوري القومي الإجتماعي، إلى جانب نواب مستقلين، بينهم سنة يوالون حزب الله، ومعهم النواب إدي دميرجيان وميشال المرّ وفؤاد مخزومي وأسامة سعد وعدنان طرابلسي، وهي الكتل التي قد لا تسمّي الحريري، ويصل عدد نوابها إلى 78 نائبًا.

بالتالي، إن قرر حزب الله وأتباعه من القوى السياسية اللبنانية معاقبة الحريري على استقالته من الحكومة، فيمكنهم حرمانه من فرصة تأليف الحكومة الجديدة.

لكن دخول الحراك المدني الثائر مكونًا جديدًا فرض نفسه في الصيغة السياسية اللبنانية يلغي بعض المعايير، خصوصًا أن آلية الحكم كما كانت في السابق لم تعد مقبولة من الشعب اللبناني، الذي يطالب بتسريع تأليف حكومة مستقلة من الاختصاصيين، تنقذ الوضع الاقتصادي من الإنهيار، وتلبي تطلعات الشعب الثائر بإقرار قوانين استرداد الأموال المنهوبة تحت شعار «كلن يعني كلن».

إن تمسك الحراك الثوري اللبناني بهذا الشعار ربما سيصعب الأمور على الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، والمتمسكة بامتيازاتها من دون الإصغاء إلى صوت الشارع الذي استفاق أخيرًا، وخرج من قيوده الطائفية مطالبًا بمحاسبة عامة لمن سرق 800 مليار دولار من المال العام اللبناني، وأدخل البلاد في مأزق الدين الذي لا يمكن الخروج منه.

يتم تسريب عدد من الأسماء السنية التي دخلت في «بازار» التأليف الحكومي، على رأسهم رئيس الحكومة السابق تمام سلام، خصوصًا أنه يلقى قبولًا في الشارع بفضل سمعته الطيبة.

لا يعير الحراك الثوري اللبناني الأسماء اهتمامًا، ما دام مطلبه الأساس هو حكومة مستقلة من الاختصاصيين، لا تأثير للأحزاب عليها.

وقالت صحيفة «اللواء» اللبنانية في افتتاحيتها إن استقالة الحريري أسقطت «لاءات ثلاث» أطلقها أمين عام حزب الله: عدم استقالة رئيس الجمهورية واستقالة الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة، وهكذا فإن الاستقالة المفاجئة تطرح علامات استفهام حول المواقف التي يمكن أن يتخذها الحزب.

تضيف الصحيفة أن حزب الله في موقف صعب. فهو أعلن منذ تشكيل الحكومة عن نيته شن حرب شعواء ضد الفساد، لكنه شكك في أهداف الإنتفاضة، حيث ذهب إلى التشكيك بها وإتهامها بالعمالة. كما عوّل منذ انطلاق الانتفاضة على احترام خطوط حمراء حددها أمينه العام، وعلى قدرة الجيش والقوى الأمنية على احتوائها وإفشالها بفتح الطرقات وإخلاء الساحات.

بحسب الصحيفة، فشل حزب الله في تقديم المساعدة السياسية اللازمة لإنجاح المساعي التي إضطلع بها الحريري لتعديل الحكومة، والتخلص من بعض الرموز داخل مجلس الوزراء، والتي ساهمت في تكون السخط الشعبي الذي شكل الدافع الأساسي للإنتفاضة.

تضيف «اللواء» أن عناصر من حزب الله حاولت التعرّض لساحات الانتفاضة تكرارًا في محاولة لإحراج القوى الأمنية، ودفعها إلى فض الانتفاضة، ويدفع هذا إلى التساؤل عن الخطوة التي يمكن أن يتخذها الحزب كتدبير احتياطي لاحتواء الهواجس والمخاطر الناشئة من خسارته المظلة الواقية التي كانت تؤمّنها له الحكومة.

ونقلت صحيفة «الجمهورية» عن رئيس البرلمان نبيه بري قوله: «لم نترك شيئًا إلّا وقمنا به في محاولة لاحتواء الموقف، وعدم بلوغ الأزمة الحدّ الذي بلغته. وقد سعيتُ شخصيًا إلى إقناع الحريري بعدم الاستقالة، إلّا أننا اصطدمنا بإصراره عليها».

وعن ماذا بعد الاستقالة، قال: «لا شك في أنّ الوضع دقيق وحساس، وتنبغي مقاربة ما حصل بكثير من التعقل وعدم الانفعال، والحؤول دون حصول أي أمر من شأنه أن يزيد الأمور تعقيدًا. المطلوب هو أن تسود الحكمة ولغة الحوار بين المكونات اللبنانية في معالجة الأمور، خصوصًا أنّ صورة الأزمة ليست طائفية أو مذهبية».

سُجّل في عين التينة وَقع سلبي لاستقالة الحريري، عكسه بري أمام زوّاره الثلاثاء، مشددًا على وجوب اليقظة، ومنع كل ما من شأنه أن يُشعل توترات من هنا وهناك، أو يدفع إلى دَفع الشوارع إلى أن تقف في مواجهة بعضها بعضًا.

الحقيقة الوحيدة الثابته الآن في لبنان هي استقالة الحريري غير مبالي برأي حلفائه الجدد في الحكومة والحكم، مثل حركة أمل وحزب الله، اللذين دفعا بأنصارهما لمواجهة المحتجين الغاضبين دفاعًا عن الحكومة، انقلب عليه إعلام «المقاومة»، لأنه كسر كلمة أمين عام حزب الله حسن نصرالله الذي أكد في خطابين أنه سيمنع سقوط هذه الحكومة.

أولى بوادر هذا الانقلاب قول جريدة «الأخبار»، الموالية لحزب الله، إن الحريري «لم يكُن يعمل على خط واحد، بل اعتمد سياسة اللعب على الحبال. ففي وقت واصل فيه عقد لجان وزارية، رافضًا كل تمنيات القوى السياسية عقد جلسة للحكومة، أقله لإظهار جدية في تنفيذ بنود الورقة المالية – الإصلاحية بهدف تنفيس الإحتقان في الشارع، كانَ يعقُد اجتماعات سرّية يومية مع مجموعات في الحراك للبحث في خيار حكومة التكنوقراط والطلب إليها وضع أسماء مقبولة في الشارع. ويتهم خصوم الحريري رئيس الحكومة بأنه كان يسعى إلى مد جسور مع الناشطين على الأرض، بقصد الظهور أنه إلى جانبهم وأنه يؤيّد مطالبهم تمهيدًا لاستقالة تجعله خارج شعار»كلن يعني كلن«. لكن الأخطر، اعتبار قوى التسوية أن الحريري عمل على تلبية رغبة خارجية في استكمال الإنقلاب الهادف إلى تغيير موازين القوى في السلطة.

أضافت «الأخبار»: «قالت أوساط بارزة في جماعة 8 آذار إن الحريري كان يتذاكى في موضوع الورقة الإصلاحية التي وقعها كل أهل السلطة على بياض، فيما كان هو يستثمر في الحراك مانعًا التعرّض للمتظاهرين وفتح الطرقات، كما أصر على استبعاد باسيل وإخراجه من الحكومة. وهو أكد أمام المعنيين أنه لم يعُد قادرًا على تحمّل باسيل والتعايش معه، وأن شرطه الوحيد للبقاء داخل الحكومة إجراء تعديل يطال بالدرجة الأولى وزير الخارجية قبلَ أي وزير آخر».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية