تنتظر بعثة المراقبين العربية فى سوريا «رصاصة الرحمة» تمهيداً لإعلان فشلها الرسمى بعد توسع الانشقاقات فى صفوفها وتجميد الجامعة إرسال أعضاء جدد لها بعد الهجوم الذى تعرضت له البعثة على الصعيدين الميدانى والسياسى من كل الأطراف، سواء داخل سوريا أو خارجياً من قبل واشنطن وقطر.
وقررت جامعة الدول العربية تعليق إرسال مراقبين جدد إلى سوريا بعد هجوم استهدف فريقها الإثنين الماضى وأسفر عن إصابة 11 من أعضائها بإصابات طفيفة. وجاء القرار مخالفاً لإعلان الجامعة الأحد الماضى بأنها ستعمل على تعزيز مهمتها فى سوريا بإرسال مراقبين إضافيين، وذلك رغم الانتقادات الموجهة إليها لعجزها عن وقف قمع النظام للاحتجاجات الشعبية.
فى الوقت نفسه واجهت البعثة مزيداً من المتاعب بإعلان 2 من أعضائها عزمهما الانسحاب من البعثة بسبب «عدم فاعليتها». ونقلت وكالة أنباء «رويترز» عن الرجلين اللذين رفضا ذكر اسمهما أنهما شعرا بالفزع مما شاهداه من استمرار العنف وأعمال القتل والتعذيب، وقالا إن إراقة الدماء لم تنحسر نتيجة لوجود بعثة الجامعة العربية، ووصف الرجلان معاناة السوريين بأنها «لا يمكن تخيلها».
جاء ذلك بعد يوم من إعلان المندوب الجزائرى السابق أنور مالك انسحابه من البعثة، واصفاً مهمة السلام العربية فى سوريا بأنها تحولت إلى «مسرحية».
وكان انسحاب «مالك» ضربة للبعثة، التى انتقدتها بالفعل المعارضة السورية، معتبراً أن «تقارير المراقبين تقتل السوريين». وحذر مالك من أن «النظام السورى استغل مهمة المراقبين لتحضير نفسه لمرحلة أكثر دموية، وإذا لم تسحب البعثة سيواجه العرب كارثة»، لافتاً إلى أن «سوريا تتجه نحو الحرب الأهلية إذا بقى المراقبون»، ووصف ما يقوم به نظام الأسد بـ«تجاوز لجرائم الحرب».
واعتبر «مالك» أن استمرار بعثة المراقبين لن يأتى بنتيجة، حتى بزيادة عددهم وتخصيص مراقب لكل مواطن سورى، حسب تعبيره، وبرر ذلك بكون البروتوكول «ميتاً ولا علاقة له بالواقع»، ولأن تحريره جاء من جهة «لم تعرف شيئاً عن الوضع الميدانى». وكانت مهمة بعثة المراقبة بدأت فى 26 من ديسمبر الماضى، وهى تهدف للتحقق من امتثال سوريا لاتفاق على وقف الحملة ضد الاحتجاجات المناهضة للأسد التى بدأت قبل 10 أشهر وتقول الأمم المتحدة إن أكثر من 5 آلاف شخص قتلوا فيها.
وفى واشنطن أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلارى كلينتون، أن بعثة المراقبين العرب فى سوريا لا يمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى، ورفضت فى الوقت ذاته خطاب الرئيس السورى بشار الأسد ووصفته بأنه «ينطوى على سوء نية».
وقالت كلينتون «بدلاً من تحمل المسؤولية ما سمعناه من الأسد فى خطابه الذى ينطوى على سوء نية لم يكن سوى انتحال أعذار وإلقاء اللوم على دول أجنبية ومؤامرات».
وأضافت «كلينتون» فى مؤتمر صحفى مع رئيس الوزراء القطرى حمد بن جاسم آل ثان الأربعاء أن «حكومة الأسد لم تف بوعودها بوقف العنف والإفراج عن السجناء وسحب قوات الأمن من المدن». وأشارت «كلينتون» إلى أن واشنطن وحلفاءها سينتظرون التقرير النهائى بشأن بعثة المراقبة بعد انتهاء مهمتها فى 19 يناير الحالى.
من جانبه، قال رئيس وزراء قطر إن الشكوك تتزايد بشأن فاعلية المراقبين، وإنه لا يرى حتى الآن أن البعثة ناجحة. وأضاف أن «التقرير النهائى لبعثة المراقبين يمكن أن يساعد فى تحديد الخطوات التالية بشأن الأزمة». وأعرب حمد بن جاسم عن أمله فى حل الأزمة عربياً «لكن الحكومة السورية لا تساعدهم حاليا».
وأثار خطاب «الأسد» العلنى ونزوله فى الشارع للمرة الأولى منذ بدء الاحتجاجات قبل 10 أشهر الصحف الأجنبية، حيث قالت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية إن خطاب الأسد يبدد أى شك لايزال باقياً بشان النوايا السيئة للنظام السورى، حيث أعلن الرئيس السورى استراتيجيته الوحيدة وهى سحق الانتفاضة الشعبية ساخراً فى الوقت نفسه من بعثة الجامعة العربية.
وشبهت التعليقات فى الصحف العربية وعلى مواقع التواصل الاجتماعى الأسد فى خطابه الميدانى العلنى بساحة الأمويين فى دمشق بأنه جاء على طريقة خطابات الزعيم الليبى الراحل معمر القذافى بجملته الشهيرة «إلى الأمام.. ثورة ثورة»، حيث وعد أنصاره بنصر ساحق على ما اعتبرها مؤامرة قائلاً «إلى الأمام» فيما يرد عليه أنصاره «شبيحة لعيونك» فى إشارة إلى الميليشيا الموالية للحكومة التى تلعب دوراً رئيسياً فى قمع المظاهرات.