شهدت حركة التظاهرات والاحتجاجات في لبنان، مساء السبت، زخما كبيرا في كافة الأرجاء والمناطق والمحافظات، على نحو غير مسبوق في تاريخ البلاد، وبما يتجاوز التظاهرات الحاشدة التي كان لبنان قد شهدها عام 2005 في أعقاب اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.
وامتلأت الساحات الرئيسية في البلاد بالمتظاهرين الذين التزموا الطابع السلمي في احتجاجهم، وحملوا أعلام لبنان ولافتات ورددوا هتافات تعبر عن احتقان كبير وغضبهم الشديد إزاء تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد، وتراجع أوضاعهم المعيشية إلى حد غير مسبوق في تاريخ البلاد، وصب المتظاهرون جام غضبهم على معظم العناصر المكونة للطبقة السياسية في البلاد.
وتباينت مطالب المتظاهرين في الساحات ما بين الدعوة لإسقاط أو استقالة الحكومة الحالية ومجيء حكومة اختصاصيين (تكنوقراط) بدلا منها، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وكذا إجراء تغيير شامل في هيكلية السلطة الحاكمة برمتها دون استثناء، وشدد المتظاهرون على أنهم انتقلوا من مرحلة «تسجيل المواقف» إلى مرحلة الإصرار على تحقيق مطالبهم بتحسين الأوضاع.
وقال المتظاهرون إن الفقر المدقع والبطالة قد طالا جميع الطبقات والطوائف في البلاد دون استثناء، وأن الضرائب المتعددة التي وصفوها بـ«المجحفة» إلى جانب تراجع مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة، لاسيما على صعيد الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه وجمع النفايات والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، تعكس فشل الدولة وعدم قدرتها على الاستمرار على ذات النحو.
واختفت اليوم، تماما، كل مظاهر العنف والشغب والحرق والصدام والتلاسن بين المحتجين والقوى الأمنية والعسكرية، وهي السلوكيات والمظاهر التي كانت السمة الرئيسية للتظاهرات والاحتجاجات في عموم البلاد على مدى اليومين الماضيين، في حين لا تزال هناك العديد من الطرق الرئيسية مقطوعة بحشود المتظاهرين أو بعوائق لمنع حركة السير.
وأعرب عدد كبير من المتظاهرين عن رفضهم لما ورد في كلمة الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، والتي ألقاها في وقت سابق من ظهر اليوم، مؤكدين أنها جاءت مناقضة لمطالبهم وحملت تهديدا غير مقبول ضد اللبنانيين، لاسيما حينما هدد نصر الله بنزول حزب الله إلى الشوارع على نحو من شأنه أن يغير كل المعادلات القائمة، مشددين على أن مثل هذا الحديث لا يرهبهم ولن يثنيهم عن التمسك بمطالبهم.
من جانبه، أعرب رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، عن تأييده الكبير للحراك الشعبي الذي يشهده لبنان، مشيرا إلى أن وحدة اللبنانيين في هذه الاحتجاجات غير مسبوقة في تاريخ البلاد، ومعتبرًا أن حزب الله وحركة أمل لا يريدان أن يكتب النجاح لهذا التحرك الشعبي الحاشد.
من جهته، دعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، جميع أعضاء ومناصري الحزب إلى المشاركة في التظاهرات مع التزام الطابع السلمي في الاحتجاجات ورفع العلم اللبناني فقط والابتعاد عن الفئوية الحزبية.
من جهته، قال وزير المالية، على حسن خليل، إنه اتفق ورئيس الحكومة سعد الحريري، خلال اللقاء الذي جمعهما اليوم، على إنجاز مشروع الموازنة للعام المقبل 2020 دون أي أعباء ضريبية إضافية أو رسوم جديدة وإلغاء كل المشاريع المقدمة في هذا الشأن، مع إقرار خطوات إصلاحية جدية بالمساهمة مع القطاع المصرفي، بما لا يطال الناس بأي شكل.
وقال الرئيس اللبناني ميشال عون- في تصريح مقتضب اليوم- إنه سيكون هناك «حل مطمئن لهذه الأزمة التي تمر بها البلاد».
من ناحيته، واصل رئيس الحكومة، سعد الحريري، عقد لقاءات مكثفة مع عدد من الوزراء وكبار السياسيين- بالتزامن مع مهلة الـ 72 ساعة التي كان قد أعلن عنها بالأمس للتوافق حول الإصلاحات الاقتصادية- لوضع ورقة اقتصادية إصلاحية يتم التوافق عليها بين مختلف القوى السياسية والعمل على تنفيذها سريعًا دون أي إبطاء.
من جانبهم، قامت عناصر الشرطة من جهاز قوى الأمن الداخلي بتوزيع المياه على المتظاهرين في الساحات ونقاط الاحتجاج الرئيسية في العاصمة بيروت.