26 يوما قضاها الشهيد محمد على عبدالعزيز فى العمل بمديرية أمن القاهرة بعد نقله من السويس.. وترك طفله «على» 10 أشهر وزوجته حاملا فى شهرها الثامن.. ابتسامة وقبلة على جبينى زوجته وطفله هما آخر تفاصيل مشهد وداع الضابط الشهيد لأسرته قبل خروجه من منزله يوم الحادث.
ففى الأسبوع الأخير من شهر يونيو الماضى ارتدى النقيب محمد على عبدالعزيز ملابسه الرسمية.. كان يومها فى كامل أناقته ولياقته ثم توجه إلى مكتب رئيسه العميد أحمد خيرى، رئيس مباحث إدارة سرقة السيارات بمديرية أمن القاهرة.. كان يستعد لتكريم من اللواء منصور عيسوى، وزير الداخلية، لنجاحه فى إعادة سيارات مسروقة.
يوم الثلاثاء الموافق 5 يوليو استدعاه رئيسه بالوحدة وطلب منه تشكيل فريق من الأمناء لضبط مسجل خطر متهم بسرقة سيارة.. تسلم «محمد» ملف القضية وطلب من المبلغ أن يجلس معه ويروى له ما يحدث، وبالفعل هذا ما حدث، كوّن «محمد» فريق ضبط مكوناً من 5 أمناء للقبض على المجهول.. توصلت التحريات إلى أن المتهم مسجل شقى خطر سرقة سيارات. نسق النقيب محمد مع صاحب السيارة المسروقة لإعداد كمين لضبط المتهم المجهول.
وفى الساعة الحادية عشرة من مساء الخميس 7 يوليو تم الاتفاق مع صاحب السيارة والمتهم على التقابل أمام مركز شباب الجزيرة، توجه المبلغ إلى المكان وكان خلفه الضابط يقود سيارة ملاكى، تم «ركنها» بعيدا عن المكان، وعقب انتظارهما فوجئ الضابط بالمبلغ يتلقى اتصالاً هاتفياً من المتهم المجهول ويطلب منه الحضور أمام مبنى وزارة الثقافة، وبالفعل ترجّل صاحب السيارة وعقب توجهه والتأكد من السيارة وكان معه المبلغ المالى المتفق عليه أعطى إشارة التأكيد للنقيب «محمد»، فهاجم النقيب «محمد» والقوة المرافقة له وطالب المتهم بتسليم نفسه والترجل من السيارة، ففوجئ بالمتهم يطلق النيران عليه ويصيبه فحمله زملاؤه واصطحبوه إلى المستشفى حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
النقيب الضحية من مواليد مايو 1985 محافظة السويس نشأ بين أسرة صغيرة مكونة من 6 أفراد، وله شقيقان أحدهما ضابط بالقوات المسلحة والآخر ضابط بالشرطة. تخرج النقيب «محمد» عام 2006 فى كلية الشرطة لتبدأ أولى خطوات سيره فى حياة العمل الشرطى بالالتحاق بقسم شرطة الأزبكية، استمر فيه ما يقارب عامين، ثم انتقل إلى محافظة السويس محل إقامته ليعيش وسط أسرته داخل منزلهم الكائن أمام مقر المحافظة، تم نقله من ضباط النظام إلى وحدة المباحث، وذلك خلال فترة قصيرة من تسلمه العمل، لاجتهاده وموهبته فى فرع البحث، حصل على العديد من المكافآت المادية والمعنوية من رؤسائه، وكان ملفه خاليا من الجزاءات والخصومات والمخالفات، وذلك تم تأكيده عندما اتهم ظلما فى قضية قتل المتظاهرين عقب قيام الثورة، حيث تبين من خلال التحريات والمستندات أن النقيب محمد على عبدالعزيز تم إرساله إلى مأمورية عمل بمنطقة العريش، وذلك قبل يوم 25 يناير بأسبوع ونصف، وتقدم بها إلى هيئة المحكمة فأخلت سبيله. بعد اتهامه فى قضية قتل المتظاهرين حدثت حركة تنقلات وإحلال بوزارة الداخلية، على إثرها تم نقل النقيب محمد إلى وحدة مباحث سرقة السيارات بمديرية أمن القاهرة، منذ 27 يوما حضر إلى القاهرة والتقى برئيس الوحدة وتسلم عمله، وبعد مرور 13 يوما تمكن من ضبط أكبر تشكيل عصابى تخصص فى سرقة السيارات الحديثة، وكافأه وزير الداخلية على مجهوداته وأثناء ذلك الاحتفال حدث حوار صغير بين النقيب محمد ورئيس وحدته العميد أحمد خيرى. «محمد» يا أفندم أنا هصوّر المكافـأة المالية وشهادة التقدير علشان أبعتهم لأبويا ومراتى وأمى.. علشان يعرفوا إن أنا مش متهم، وإنى بحب بلدنا وبشتغل علشان أحمى أهل مصر كلهم وبأدى واجب الوطن».
وشيع المئات جنازة الضحية بعد صلاة العصر، السبت، من مسجد الشرطة وسط صرخات زوجته التى انهمرت فى البكاء، وإطلاق الزغاريد من والدته ودموع العشرات من زملائه وأقاربه وجيرانه. وبكاء طفله «على»، 10 أشهر، الذى لم يتوقف عن البكاء.. داخل السيارة وقفت والدة الشهيد تطلق الزغاريد فى حالة انهيار، واحتضنتها زوجته ثم انهار أشقاءه وأقاربه حتى تم تشييع الجنازة العسكرية.
من ناحية أخرى تكثف أجهزة الأمن فى الجيزة بالتنسيق مع إدارة مصلحة الأمن العام بوزارة الداخلية جهودها للقبض على المتهم والكشف عن هويته، حيث تم تشكيل فريق من رجال المباحث الجنائية ومباحث النفس بقيادة العميدين فايز أباظة ورشاد نجم تحت إشراف اللواء أحمد جمال الدين، رئيس قطاع الأمن العام لفحص المسجلين جنائيا فى القاهرة الكبرى، وناقش ضباط المباحث القوة التى كانت ترافق المجنى عليه، بالإضافة إلى صاحب السيارة المسروقة الذى أدلى بأوصاف المتهم واستعان رجال المباحث برسام لتحديد ملامح المتهم وفحص المسجلين جنائيا، وتم تحديد هوية المتهم وصرح مصدر أمنى بأن المتهم مسجل شقى خطر، وهو مقيم بمنطقة الأعراب. وأضاف المصدر أنه جار البحث عن المتهم فى 3 محافظات، حيث أكدت التحريات أن المتهم فر هاربا إلى محافظة القليوبية ثم عاد إلى منطقة الصف، وجار ضبطه، وخلال ساعات سوف يلقى القبض عليه، كما استمع محمد عبدالمنعم علما، وكيل أول نيابة حوادث شمال الجيزة، إلى أقوال الشهود واستعجل تقرير الصفة التشريحية للجثة لبيان سبب الوفاة، وطلب تحريات المباحث حول الواقعة. جرت التحقيقات بإشراف المستشار محمد ذكرى، المحامى العام لنيابات شمال الجيزة.