على غرار استبدال سيارات التاكسى الأسود القديم ليحل محلها «التاكسى الأبيض»، جاء برنامج إحلال «التوك توك» وتسيير سيارات «مينى فان» مرخصة وآمنة بديلا عنه، وهى السيارات التي تحمل نحو 5 ركاب وتنتشر في المدن الجديدة وبعض المحافظات.
وربما لا يعرف المواطنون سيارات الـ«مينى فان» ولكنهم تعرفوا على مثيلتها الأكبر قليلا وهى «الفان» التي تحمل 7 ركاب وتسير برخصة سيارات «ملاكى» إلا أنها في الواقع تسير «أجرة».
لم يغير إعلان الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، لبرنامج استبدال وإحلال «التوك توك» بسيارات آمنة ومُرخصة، في الشارع كثيرا حتى الآن، سواء في الواقع أو الأحاديث، فأمام مدخل مترو أنفاق محطة «عزبة النخل» بمحافظة القاهرة، تكدست العشرات من «التكاتك» بشكل عشوائى، والتى تسببت في إعاقة حركة سير السيارات وأغلقت الطريق أمام المارة، وتسابق أصحابها ونشبت المشاجرات فيما بينهم من أجل الفوز بأسبقية تحميل الركاب، والسير عكس الاتجاه وسط سخط من الركاب والمارة.
صغر حجمه وسيره داخل الأزقة والحوارى، جعل «التوك توك» الوسيلة الأساسية لشريحة كبيرة من المواطنين خاصة في الأقاليم، إلا أنه مع مرور الوقت استغل بعض أصحابه الإقبال عليه ويتخذونه وسيلة لتنفيذ جرائمهم.
عام مضى على حادث قتل الطفل حسين محسن، ضحية السلام، كما أطلق عليه في وسائل التواصل الاجتماعى، والذى لقى حتفه عندما رفض التنازل عن «التوك توك» الذي يشتغل عليه باليومية مقابل 50 جنيها، وتوفى نتيجة جرح ذبحى في الرقبة، بعدما تم استدراجه خلف أحد المبانى، من قبل الشخصين اللذين قد ركبا معه، وعندما رفض الاستجابة لهما قاما بذبحه بسلاح أبيض وتجريده من ملابسه وسرقا متعلقاته والتوك توك وفرا هاربين.
ووفقا لما أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء في دراسة حديثة له العام الماضى، فإن إجمالى عدد «التكاتك» المرخص يصل إلى 99 ألف مركبة، فيما أشار عدد من الإحصائيات غير الرسمية إلى أن عدد «التكاتك» غير المرخصة في محافظات القاهرة الكبرى والأقاليم وصل إلى نصف مليون، بما يعادل 80% من إجمالى عددها.
جاء الإعلان عن تسيير سيارات «المينى فان» في الشوارع بديلا عن «التوك توك»، طوق نجاة لأصحابها الذي يشتغلون بطريقة غير شرعية، فقرار مجلس الوزراء يسمح لهم بترخيص سيارتهم «الملاكى» كسيارة «أجرة» وتفادى المخالفات المرورية، فيما خلق القرار حالة من الجدل بين سائقى «التوك توك» الذين تساءلوا عن وضعهم المجهول.
على بعد خطوات من شارع الأزهر الرئيسى، وقف أحمد جاد، الشاب العشرينى، أمام سيارته فاتحًا بابها الجرار مراقبًا الشارع المزدحم والمارة ويصيح «مترو العتبة»، دقائق معدودة ويغلق جاد باب سيارته بعدما حمل العدد المطلوب من الركاب.
يرى جاد أن قرار إحلال «التوك توك» جاء في مصلحة المواطن الذي كان يجبر على دفع 10 جنيهات في توصيلة واحدة، على حد قوله، وقال: «معظم التكاتك تشتغل مخصوص لأنه لا يستوعب تحميل الركاب مثل السيارات الأخرى، لذلك فإن تسيير سيارات الفان بديلا عن التوك توك سيوفر أجرة على الراكب خاصة أنه سيتم تقسيم الأجرة على 5 بدلًا من واحد أو اثنين».
ما بين مؤيد ومعارض انقسمت الآراء حول حظر «التوك توك».. محمد هارون، أحد المواطنين، انتقد القرار الذي أخرج شريحة المسنين من حسابه، على حد وصفه، وقال: «كيف يتخذ المسؤولون قرارا دون التفكير في المسنين، فهو يعد وسيلة انتقالى الوحيدة إذا أردت الانتقال إلى أحد أبنائى الذين يسكنون في منطقة قريبة منى بعد أن عجزت عن المشى لمدة طويلة، فهو الوسيلة الوحيدة الأنسب لمن هم في أعمارنا».
إيمان عبدالمقصود ترى أن «التوك توك» يفعل ما لا تستطيع سيارات التاكسى أو الملاكى، «فإن سائق التاكسى يرفض بأى حال من الأحوال أن يوصلنى إلى المكان الذي أريده، كما أن تكلفته رخيصة مقارنة بباقى الوسائل وحظره خسارة لشريحة كبيرة من المواطنين».
فيما يرى محمود عبدالله، أحد الأهالى بمنطقة العمرانية، أن «التوك توك» أحد أهم الأسباب في نشر جرائم السرقة والتحرش، فهو غير مُرخص وأضراره أكثر من منافعه حتى وإن كان وسيلة مهمة لنقل كبار السن في الأماكن الشعبية، فبعض أصحاب «التكاتك» اعتادوا استخدام أساليب البلطجة في تعاملاتهم مع أصحاب السيارات.
في الوقت الذي شعر فيه أصحاب سيارت «المينى فان» بالسعادة، من قرار رئيس الوزراء خابت آمال سائقى «التوك توك» الذين عبروا عن مخاوفهم من القرار الذي وصفوه بـ«المفاجئ».
محمد جمال، سائق «توك توك» لم يفصله سوى عدة أشهر قليلة عن شراء مركبته وترخيصه، بعدما نصحه والده بترخيص «التوك توك» الخاص به، من أجل السير بصورة شرعية إلا أنه وقف حائرا لا يدرى المستقبل المجهول الذي ينتظر «التوك توك» مصدر رزقه الوحيد.
وقال جمال: «لا أحد ينكر أن التوك توك تسبب في الكثير من المشاكل المرورية بسبب قيادة الأطفال له، إلا أنه في نفس الوقت يسير في الشوارع الضيقة التي لا تستطيع السيارة المرور بها، وكان من الأجدر على الحكومة منع ترخيص تكاتك جديدة وليس إحلالها وفرض سيارات المينى فان بديلا عنها، ونخشى أن تكون هناك عقبات أمامنا وتكون وعود الحكومة (كلام ف الهوا)».
في تصريحات لها أكدت منى جاب الله، عضو لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، أنها ستتقدم بمشروع قانون خاص بتحويل «التوك توك» إلى سيارة «مينى فان»، وإعطاء مهلة لأصحاب التكاتك للترخيص لاستلام السيارة، واستثناء النجوع الصغيرة من إلغاء «التوك توك».
وأشارت «جاب الله» إلى أن من أبرز الشروط الخاصة باستبدال «التوك توك» بسيارة «المينى فان»، أن يكون «التوك توك» مرخصا باسم صاحبه أو ولى عنه مثل والده أو والدته، مشيرة إلى أن بعد التأكد من هذه الرخصة تقوم الحكومة بإعطاء ضمان البنوك لتقديم قروض بدون فوائد لمدة 3 سنوات.
وأوضحت جاب الله أن البنوك ستقوم بسد الفرق بين سعر التوك توك والسيارة لتسهيل عملية الاستبدال بدون فوائد كما تم ذكره، وأن القانون يسمح للحكومة بالمصادرة الفورية لـ«التوك توك» غير المرخص بعد تطبيقه مع إعطاء مهلة زمنية للترخيص.
وحول شروط ترخيص السيارات «المينى فان» ذكرت جاب الله أن مشروع القانون ينص على معاملة سيارة المينى فان بنفس التعامل التاكسى الأبيض بالنسبة للترخيص وشروطه.
«خطوة جاءت متأخرة».. بهذه الكلمات وصف الدكتور محمد سعد، أستاذ النقل، قرار الإعلان عن إحلال «التوك توك»، مؤكدا أن سلبياتها أكثر من إيجابياتها خاصة أنها ظاهرة غير حضارية ساعدت على التكدس المرورى وخنقت الشوارع المصرية، وقال: «من يدافع عن التكاتك بأنها وسيلة المواصلات التي استطاعت الوصول إلى الحوارى الضيقة، فلابد أن يعلم أن مصر ليست الدولة الوحيدة التي تضم الحوارى والشوارع الضيقة، في الماضى كنا نعيش بدونها في نفس الشوارع وتغير الوضع بعد دخولها في عام 2005، ولم تلتزم بخط سيرها في الأقاليم والنجوع فقط بل خرجت إلى الشوارع الرئيسية في المدن وتسابقت على الطرق السريعة والدائرى، وتسببت في تفاقم مشكلة التكدس المرورى بالمناطق الشعبية لغياب ثقافة الالتزام عند سائقى التوك توك بأدنى قواعد المرور أو على الأقل بآداب الشارع، كما أنها عرضت حياة المواطنين للخطر بسبب رعونة سائقيها الذين لا يمتلكون أي خبرة في قيادة المركبات».
فيما أبدى محمود كمال، الخبير الاقتصادى، مخاوفه من ارتفاع نسبة البطالة بعد تنفيذ قرار إحلال «التوك توك»، مشيرا إلى أنه بالرغم من تسبب «التوك توك» في أزمة مرورية إلا أنه فتح أبواب الرزق أمام الآلاف من الشباب، الذين لم تتح لهم الفرصة للعمل في القطاع العام أو الخاص، لذلك لابد من وضع الدولة خريطة لاستيعاب أًصحاب «التكاتك» وتوفير فرص عمل حتى لا يحدث ارتفاع جديد في نسبة البطالة.
أحمد بهاء، سائق «توك توك»، حاصل على بكالوريوس زراعة، أوضح أنه يعمل سائقا على «التوك توك» بمشاركة 3 من زملائه، ويحصل كل واحد منهم على يومية تصل إلى 200 جنيه، لا توفر لهم جميع احتياجاتهم إلا أنهم ارتضوا بها لأن الدولة لن تستطيع توفيرها لهم، وسيارات الفان لن تخدم الملايين مثما يفعل التوك توك، وتساءل قائلا: «هل ستوفر الدولة لنا يومية مثل التي حصلنا عليها في الماضى»؟.
وأوضح سيد أبوحليمة، الخبير الاقتصادى، أن قرار استبدال «التوك توك» بـ«الفان» جاء في الوقت المناسب، لأنه سيحل أزمة المرور عن طريق تقليل نسب حوادث السير لأنها وسيلة انتقال آمنة وحضارية للمواطن، بجانب سهولة المرور في الطرق الضيقة لأنها تحتوى على معايير الأمان وتنطبق عليها المواصفات العالمية، وسيارة «المينى فان» موفرة ولا تستهلك الكثير من الوقود وقطع غيارها متوفرة وليست غالية وقادرة على الاحتفاظ بسعرها. وأكد أبوحليمة أن حظر «التوك توك» سيعمل على حصر عدد المركبات في مصر لأن السيارات «المينى فان»، ستكون مرخصة من قبل الإدارة العامة للمرور، وستحقق راتبا شهريا جيدا للشباب لمواجهة صعوبات المعيشة، وبالتالى تسد نسبة البطالة التي ستنتج من حظر «التوك توك»، الأمر الذي يساعد على رفع الحصيلة الضريبية للدولة، ومنع عمل أي طفل تحت السن القانونية، وهو ما سيؤدى إلى تقليل نسب جرائم التحرش والاغتصاب التي كان التوك توك يستخدم كوسيلة لتنفيذها.
جدير بالذكر أن المستشار نادر سعد، المتحدث الرسمى لرئاسة مجلس الوزراء، أشار إلى أن رئيس الوزراء وجّه بأن يتم عقد اجتماع قريبًا مع مصنعى «التوك توك»، لبدء تحويل خطوط إنتاجهم لسيارات «المينى فان» على سبيل المثال، خاصة أنه تم التنسيق معهم مسبقًا على تخفيض إنتاجهم من مركبات «التوك توك»، تمهيدًا لتنفيذ برنامج للاستبدال والإحلال.
وقال بدوى النويشى، وكيل لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، إن تحويل «التوك توك» إلى السيارات مينى فان هو قرار صائب، لأن هذه السيارات تعمل بالغاز الطبيعى بما يحمى البيئة ويوفر في استهلاك المواد البترولية ويخفض تعريفة الأجور ويؤمّن المواطنين في مواصلاتهم وانتقالاتهم لأن التكاتك وسيلة غير آمنة.
وحول قرار إحلال «التكاتك» وتسيير السيارات «المينى فان» بديلا عنها، أوضح النويشى أن تنفيذ هذا المشروع من الممكن أن يبدأ بالمدن والعواصم كمرحلة أولى، لأن «التوك توك» في الريف هو وسيلة المواطن الأولى للانتقال، مشيرا إلى أهمية مراعاة البعد الاجتماعى لأصحاب التكاتك والسائقين عليها، لأنه يوفر فرص عمل لقطاع عريض من الشباب.
وأضاف أن ترخيص وتأمين هذه التكاتك وفقا للشروط التي أقرها القانون، بأن يكون هيكل «التوك توك» من الصاج بدلا من الجلد وغلق باب من أحد جانبيه كمعايير للأمان، وتحويل المركبات لتعمل بالغاز الطبيعى في القرى الريفية سيكون حلا عمليا للمناطق والشوارع التي لا يمكن للسيارات الفان أن تدخلها، مؤكدا أن مشروع الحكومة لاستبدال «التوك توك» هو مبادرة إيجابية لتوفير وسيلة نقل آمنة للمواطنين.
لم يكن يعلم هشام السيد، أحد أصحاب معارض سيارات «المينى فان»، بمدينة مايو، أن يتغير به الحال بين يوم وليلة ويستقبل العشرات من أصحاب «التكاتك» ممن يريدون تحويل مركبتهم إلى سيارة «مينى فان»، بعد قرار حظر رئيس مجلس الوزراء تسيير «التوك توك» ودخول سيارات «الفان» بديلا عنه.
يرى هشام أن قرار حظر تسيير «التوك توك» في الشوارع في صالح المواطن المصرى، لأن السيارات «المينى فان»آمنة ولا تسبب إزعاجا مثل «التوك توك» ويقودها أشخاص بالغون، لا يستطيعون قيادة السيارة دون رخصة القيادة، كما أن لها خط سير محددا مثل سيارات الأجرة وهى سيارة صغيرة مغلقة تستطيع أن تسير في الشوارع الضيقة مثل «التوك توك».