x

4 سيناريوهات لتشكيل الحكومة الإسرائيلية تحكم مصير نتنياهو

الثلاثاء 24-09-2019 00:04 | كتب: أحمد بلال |
حزب نتنياهو قدم مشروعاً لحل الكنيست لحرمان جانتز من تشكيل الحكومة  - صورة أرشيفية حزب نتنياهو قدم مشروعاً لحل الكنيست لحرمان جانتز من تشكيل الحكومة - صورة أرشيفية تصوير : آخرون

بدأ الرئيس الإسرائيلى، رؤوبين ريفلين، الأحد، فى عقد لقاءات مع زعماء الكتل البرلمانية الجديدة، لاستطلاع آرائهم حول الشخصية التى سيقرر تكليفها بتشكيل الحكومة، فى ظل حالة من الترقب الشديد والتخوف من الذهاب إلى انتخابات ثالثة فى أقل من عام.

وأظهرت نتائج الانتخابات تقدم تحالف أزرق- أبيض بزعامة بينى جانتس بـ 33 مقعدا، مقابل 31 لحزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو، فيما تحل القائمة المشتركة التى تمثل أصوات العرب فى الداخل فى المركز الثالث بـ 13 مقعدا، يليها حزب شاس الدينى 9 مقاعد، وحزب يهودوت هتوراة 8، حزب إسرائيل بيتنا ٨، حزب يمينا 7، حزب العمل 6، والاتحاد الديمقراطى 5. ويتطلب تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحصول على 61 مقعدًا فى الكنيست من أصل 120، وفى حالة عدم حصول أى حزب على هذه النسبة، يجرى الرئيس الإسرائيلى مشاورات مع زعماء الكتل البرلمانية للحصول على توصيات بتسمية الشخص القادر على تشكيل أوسع ائتلاف حكومى.

التغيرات الكبيرة التى شهدتها انتخابات سبتمبر 2019 فى إسرائيل غيرت التركيبة السياسية للكنيست حتى عن التركيبة التى أسفرت عنها انتخابات إبريل من العام نفسه، والتى لم تسفر عن تشكيل أى حكومة، ما جعل سيناريوهات تشكيل الحكومة ضعيفة ومحدودة بل ليس عندها القدرة على إكمال دورتها.

كلمة السر فى هذا التغير ترجع للمشاركة الهائلة لعرب 48، والتى وصلت إلى 60% بعدما كانت تزيد قليلًا على 40% فى انتخابات إبريل 2019.

ونجح التغير الكبير فى إسقاط حزب كولانو، ربيب الليكود، والذى أسسه الليكودى السابق موشى كحلون، ما أسفر عن خسارة نتنياهو 4 مقاعد كاملة كانت فى معسكره (من ضمن 5 مقاعد خسرها) فى مقابل زيادة عدد مقاعد القائمة العربية المشتركة إلى 13 بدلًا من 10 لأول مرة فى تاريخهم، ليصبحوا ثالث أكبر كتلة برلمانية، وزعيمها أيمن عودة مرشح لزعامة المعارضة كأول شخص عربى يشغل هذا المنصب لأول مرة فى تاريخ إسرائيل.

وتمسك أفيجدور ليبرمان فى المفاوضات الفاشلة لتشكيل الحكومة فى مايو الماضى بفرض التجنيد الإجبارى على اليهود المتدينين، زاد من قوته فى هذه الانتخابات 3 مقاعد ليحصل على 8 مقابل 5 مقاعد فى إبريل الماضى، ما جعل من العنصرى المتطرف رمانة ميزان أى حكومة مقبلة، إلى جانب أصحاب الأرض، فلسطينيى 48، الذين تمثلهم القائمة المشتركة، كذلك جعل خيارات تشكيل الحكومة محدودة بشكل كبير يهدد بالذهاب إلى انتخابات ثالثة.

«نتنياهو سجينًا»

بحسب تصريحاته المعلنة، يأبى زعيم حزب أزرق- أبيض الفائز بـ 33 مقعدا فى الكنيست، بينى جانتس، المشاركة فى أى حكومة يترأسها بنيامين نتنياهو، وعندما وجه الأخير رسالة له عبر مقطع فيديو لم يتجاوز ثوانى معدودات، بضرورة القبول بحكومة وحدة وطنية، رفض جانتس معلنًا رفضه حتى الجلوس فى أى حكومة يرأسها نتنياهو، كذلك رفض أى مقترح بحكومة وحدة يحمل شروطًا مسبقة.

موقف جانتس وأيضًا تطلعاته وطموحه فى أن يكون الشخص الذى أطاح برئيس الوزراء صاحب أطول فترة حكم فى تاريخ إسرائيل، بل كذلك ثأره الشخصى عند نتنياهو، الذى عمد طوال عام على الأقل على تشويه صورته أمام الجمهور الإسرائيلى، يضعنا أمام السيناريو الأول لتشكيل الحكومة الإسرائيلية، وهو سيناريو القضاء على نتنياهو، بل حجز مقعد له فى أحد سجون إسرائيل، باعتباره متهمًا بقضايا فساد ورشوة.

المعادلة التصويتية فى هذا السيناريو هى كتلة برلمانية (قائمة نظريًا) بين حزب أزرق- أبيض (33 مقعدا) وحزب العمل (6) والاتحاد الديمقراطى (5) تعتمد على رمانتى ميزان، الأولى حزب إسرائيل بيتنا بزعامة حليف نتنياهو ثم غريمه فى وقت لاحق، أفيجدور ليبرمان، لترتفع الكتلة البرلمانية للكتلة من 44 إلى 52 مقعدا، ما يجعلها فى حاجة شديدة إلى رمانة الميزان الثانية، وهى القائمة المشتركة التى تمثل 13 مقعدًا عربيًا فى الكنيست، ليصل العدد إلى 65 مقعدا وهو عدد كاف لتشكيل الحكومة التى لا تحتاج سوى ثقة 61 نائبا.

تشكيل حكومة كهذه ليس بالأمر السهل كما قد يبدو نظريًا، رغم اتخاذ خطوات عملية لإنجازها لم تكن متوقعة. فرغم تصريحات أيمن عودة زعيم القائمة المشتركة فى وقت سابق بأنه قد يوصى الرئيس الإسرائيلى رؤوبين ريفلين بمنح جانتس الفرصة لتشكيل الحكومة، بدت كتصريحات تحمل من المناورة السياسية أكثر ما تحمل من الجدية، لكون القائمة المشتركة نفسها ليست حزبًا قائمًا بذاته، وإنما تحالف من 4 أحزاب فلسطينية فى الداخل، هم الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، العربية للتغيير، التجمع الوطنى، الحركة الإسلامية.

التوصية بجانتس لم تكن محل اتفاق بين ممثلى الأحزاب العربية الأربعة، واتضح ذلك جليًا فى لقاء تليفزيونى مع جمال زحالقة، زعيم التجمع الوطنى، الذى أعلن رفض حزبه ترشيح جانتس لتشكيل الحكومة، إلا أن الاتفاق تم على تسمية جانتس مع تغيب ممثل التجمع الوطنى عن اللقاء.

فأيمن عودة، الذى لعبت الجبهة الديمقراطية تحت قيادته دورًا هامًا فى توحيد القوى العربية بالداخل، ما كان ليقامر بهذه الوحدة الثمينة، التى جعلت من العرب فى الداخل أقوى ثالث كتلة فى الكنيست، وجعلت منه شخصيًا زعيمًا محتملًا للمعارضة، وهى المرة الأولى فى تاريخ الكنيست الإسرائيلى، التى يتولى فيها عربى هذا المنصب.

وفى حال تشكيل هذه الحكومة سيتحول النواب العرب فى الكنيست إلى ما يعرف فى السياسة الإسرائيلية بـ«قوة مانعة»، أى أنها ليست شريكة فى الحكومة ولا التوصية برئيسها المحتمل، لكنها فى نفس الوقت تمنع سقوطها وفق شروط معينة يتم التفاوض عليها.

الشروط التى ستتمسك بها القائمة المشتركة ستتمحور حول تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين فى الداخل، وهى شروط يمكن القبول بها خاصة من قبل بينى جانتس ورجله الثانى يائير لابيد، إلا أن ثمة شروطا أخرى تتعلق بعملية المفاوضات مثل استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطينى وإنهاء الاحتلال، هذا إلى جانب مراجعة قانون القومية الذى يعترف بإسرائيل دولة لليهود فقط وليست لجميع مواطنيها، قد يفخخ مثل هذا الائتلاف المحتمل.

حائط الصد الذى قد تنهار عليه أى تفاهمات بين القائمة المشتركة وأزرق- أبيض، سيكون حزب إسرائيل بيتنا، بزعامة العنصرى أفيجدور ليبرمان، والذى سارع فور ظهور النتائج الأولى للانتخابات بالدعوة لحكومة ليبرالية تضم أزرق- أبيض والليكود إلى جانب حزبه، فى مقابل عدم مشاركة أى من الأحزاب اليهودية المتدينة أو العرب فيها، وهو احتمال يبقى قائما رغم تصريحاته اللاحقة التى اتهم فيها نتنياهو بالمراوغة بسبب مسارعة الأخير بإعلان تحالف مع الأحزب الدينية (الحريديم).

ورغم كونه «صانع الملوك» الآن فى إسرائيل، إلا أنه يواجه أزمة حقيقية قد تفقده جماهيره، فمجرد قبوله الوجود فى حكومة تحظى بموافقة الكتلة العربية فى الكنيست، سيخصم كثيرًا من شعبيته، التى يعتمد فى جزء كبير منها على خطابه العنصرى ضد العرب، ناهيك عن أن وجوده فى هذه الحكومة سيجعله يقبل بالضرورة إن لم يكن سيكون شريكًا فى المفاوضات التى ستجريها القائمة المشتركة مع بينى جانتس.

على كل حال، إذا نجح هذا السيناريو فى تشكيل الحكومة الإسرائيلية، ستكون حكومة قصيرة الأمد الهدف الوحيد منها هو إنهاء مستقبل بنيامين نتنياهو السياسى تمامًا عبر إقصائه من الحياة السياسية وجعله يواجه اتهامات الفساد والرشوة دون أى حصانة، وهذا لن يتم سوى بالاتفاق على برنامج مرحلى للحكومة، يحاول قدر الإمكان الابتعاد عن نقاط الخلاف الجوهرية، لحين الذهاب إلى انتخابات مبكرة.

وسيكون العرب فى الداخل هم المستفيدون الأكبر من هذه الحكومة، إذ سيستغلون كونهم كتلة مانعة قادرة على إسقاطها فى أى وقت بحجب الثقة عنها، فى الحصول على العديد من المكاسب السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتعلق بحياة المواطن العربى فى الداخل، ما يجعله يشعر بأهمية المشاركة فى أى انتخابات مقبلة للكنيست، كذلك قد تحقق بعض المكاسب المؤقتة فيما يتعلق بالنجاح فى وقف أى توجه لضم أى مستوطنات فى الضفة الغربية، خلال عمل هذه الحكومة.

«نتنياهو رئيسًا»

وإذا كان سيناريو الإطاحة بنتنياهو مطروحا نظريًا، فإن سيناريو ترؤسه الحكومة مازال مطروحًا هو الآخر، فالرجل المهدد بنهاية حياته السياسية لا يفصل بينه وبين كرسى الحكم والنجاة من السجن سوى موافقة ليبرمان.

فور ظهور المؤشرات الأولى لنتائج الانتخابات، سارع نتنياهو (31 مقعدا) بدعوة زعماء الأحزاب الدينية، شاس (9)، يهودوت هتوراة (8)، إلى جانب حزب يمينا (7)، إلى اجتماع فى مكتبه، أسفر عن وثيقة، يوصون فيها الرئيس الإسرائيلى بتكليفه بتشكيل الحكومة، مؤكدين أنهم سيتعاملون كحزب واحد، وأنهم لن يدخلوا أى ائتلاف حكومى سوى معًا.

كعادته فى التحايل، وهو بالفعل سياسى ذكى، ألقى بنيامين نتنياهو كرة الأزمة فى ملعب الرئيس الإسرائيلى، الذى أصبح الآن فى مواجهة توصية من 55 نائبا بتكليف نتنياهو، فى مقابل توصية فى أفضل الأحوال لن تزيد على كتلة من 44 نائبًا، بتكليف جانتس، ليس هذا فحسب، بل إن حلفاء نتنياهو ربطوا مشاركتهم فى أى حكومة بمشاركة الليكود فيها، وكذلك تعهدوا أنهم لن يخوضوا مفاوضات ائتلافية إلا متحدين، ما يضع ريفلين فى مأزق حقيقى.

ائتلاف كهذا، يضمن التوصية بتكليف نتنياهو لتشكيل الحكومة، وبقائه على رأسها، ونجاته من السجن، لا يحتاج سوى 6 مقاعد فقط فى الكنيست، فيما يمتلك ليبرمان 8، إلا أن الطعنة التى تلقاها الأخير من الأول، والتى تمثلت فى هرولة زعيم الليكود نحو المتدينين للاحتماء بهم، بل عدم اتصاله بليبرمان، جعلت رئيس حزب إسرائيل بيتنا، الذى اقترح حكومة وحدة وطنية خالية من المتدينين والعرب، يشعر بالإهانة.

فعلها ليبرمان فى الانتخابات الماضية، رفض دخول ائتلاف نتنياهو ما أدى إلى فشل الليكود فى تشكيل الحكومة، والاحتمال الأرجح أنه سيفعلها هذه المرة أيضًا. الخلاف الأعمق ليس بين ليبرمان ونتنياهو، وإنما بين الأول الذى يكره المتدينين إلى جانب كرهه للعرب، وبين الأحزاب الدينية حليفة نتنياهو فى ائتلافه.

فى الانتخابات السابقة فشلت كل محاولات نتنياهو لتشكيل الحكومة على صخرة قانون التجنيد الذى لا يستثنى المتدينين، بالطبع رفضته الأحزاب الدينية كرشوة لجماهيرهم، وتمسك به ليبرمان مغازلة لجمهوره العلمانى، ما زاد من عدد مقاعده من 5 إلى 8 فى خلال 5 شهور فقط، هى الفترة بين انتخابات إبريل 2019، وسبتمبر الجارى، وهى الزيادة التى لن يفرط فيها، بل سيسعى إلى تعزيزها، ما يجعل موافقته على الانضمام لمثل هذا الائتلاف أمرا غير وارد.

«نتنياهو شريكًا»

مع بدء فرز الأصوات وظهور المؤشرات الأولى، بث بنيامين نتنياهو مقطع فيديو من مكتبه، أوضح فيه أنه كان يرغب فى تشكيل حكومة يمينية إلا أن نتائج الانتخابات أظهرت أن ذلك غير ممكن، وقال: «لذلك أدعوك يا بينى اليوم وفى أى ساعة شئت لتحريك هذه الخطوة، لأنه ممنوع علينا ولا يوجد أى سبب للاتجاه لجولة انتخابات ثالثة، أنا ضد ذلك وموضوع الساعة هو إقامة حكومة وحدة وطنية اليوم».

خطاب بينى جانتس، لم يختلف كثيرًا، دعا هو الآخر لحكومة «وحدة وطنية»، إلا أنه رفض أى مبادرات ذات شروط مسبقة، بينما احتفظ لنفسه بحق الاشتراط والتشكيل والرئاسة: «أريد أن أشكل هذه الحكومة على أن أتولى رئاستها».

لا يمانع الغريمان أن يكونا شريكين فى «حكومة أمر واقع» يسمونها حكومة «وحدة وطنية»، والحقيقة أن كتلتيهما تسمحان لهما بذلك، حيث تبلغ قوتهما التصويتية 64 مقعدًا، سينضم إليها حزب يمينى لتصل إلى 71 مقعدًا، وفى حالة انضمام ليبرمان، الذى دعى لهذا الائتلاف سابقًا، سيرتفع العدد إلى 79 مقعدا، وهى أغلبية كبيرة تصل إلى الثلثين تسمح لأى حكومة تمرير أى قانون، خاصة فى ظل عدم وجود أحزاب صغيرة قادرة على ابتزاز الحزب الأكبر لتحقيق أكبر عدد من المكاسب مهددة بإسقاط الحكومة فى حال انسحابها.

سيناريو قيام ائتلاف كهذا يعتمد على «نفس يعقوب». كل منهم يعقوب، ولكل منهم حاجة فى نفسه يرغب فى قضائها. جانتس، يرغب فى تشكيل الحكومة ورئاستها لتثبيت انتصاره على غريمه نتنياهو، وكذلك كيلا تكون حكومته رهينة الصوت العربى فى الكنيست. وليبرمان، يرغب فى فرض قانون التجنيد الإجبارى على المتدينين لكسب المزيد من أصوات التيار العلمانى اليمينى فى الانتخابات المقبلة. ونتنياهو يرغب فى قانون يحصنه من الاتهامات بالفساد التى يتم التحقيق معه فيها، كى ينجو بنفسه من السجن.

ورغم أن هذا السيناريو يقضى لكل يعقوب حاجته، إلا أن وجود عربى فلسطينى زعيمًا للمعارضة فى الكنيست، باعتباره أكبر كتلة برلمانية خارج الائتلاف، قد يدفع البعض بإعادة التفكير مرة أخرى فى مثل هذا السيناريو، سواء فى الأحزاب أو فى المؤسسة الرسمية الإسرائيلية نفسها، أمنية وعسكرية، يتم إطلاع زعيم المعارضة فى الكنيست على آخر المستجدات الأمنية، كذلك من حقه تقديم طلبات إحاطة واستجوابات متعلقة بقضايا استخباراتية وأمنية وعسكرية، وهى المرة الأولى فى تاريخ إسرائيل التى سيكون فيها عربى على اطلاع بهذه الملفات.

«نتنياهو شهيدًا»

لا يبدو من كل سيناريوهات تشكيل الحكومة الإسرائيلية، سواء كانت نظرية أو واقعية، أن هناك مستقبلا سياسيا لنتنياهو مرة أخرى فى إسرائيل. كل السيناريوهات تقربه من مقعد السجن أكثر من مقعد رئاسة الوزراء، كل على حسب دور نتنياهو فى كل حكومة أو نجاحه فى مفاوضات تشكيلها.

يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلى اتهامات بالفساد والرشوة فيما يعرف بالقضية 3000، وهو على موعد فى 5 أكتوبر المقبل مع جلسات استماع قضائية يتم إجرائها عادة قبل توجيه الاتهام الرسمى وبدء المحاكمة. ويسعى نتنياهو لتحصين نفسه بتشريع فى حال تشكيله ائتلافا حكوميا معتمدا على أغلبية برلمانية، ورغم ذلك بادر بوضع العربة أمام الحصان، عندما وقع وثيقة تحالف مع الأحزاب الدينية، والتى يعرف مسبقًا أنها لا مكان لها فى أى ائتلاف حكومى.

على مدار عقود، مارس فيها نتنياهو العمل السياسى والدبلوماسى، عُرف الرجل بالدهاء الشديد، لا يتخذ قرارًا أو يعقد تحالفًا أو يعلن تصريحًا إلا ويعرف تمامًا الخطوة بل الخطوات التى تليه. يعرف جيدًا متى يهاجم ومتى يتراجع ومتى يظهر فى صورة الضحية، وهى الصورة التى سعى خلال حملته الانتخابية وقبلها لترويجها بين الجمهور الإسرائيلى، مدعيًا هو وأنصاره أن اتهامه بالفساد والرشوة مؤامرة من اليسار والعرب للإطاحة به.

السيناريو الرابع، وهو سيناريو خارج الصندوق، لكنه يتناسب مع شخصية بدهاء نتنياهو، أن يدفع هو نفسه فى سبيل تشكيل حكومة يكون خارجها هو التيار الدينى، مكونة من أزرق- أبيض، العمل، الاتحاد الديمقراطى، (52 مقعدًا) ولا تحصل على ممانعة من القائمة المشتركة (13 صوتًا). هى خطوة للخلف، يعقبها خطوتان إلى الأمام.

سيخوض الرجل معاركه باعتباره شهيد الصهيونية والدولة اليهودية، والذى تحالف عليه اليسار والعرب من أجل إسقاطه، وسيحول المعركة القضائية التى تخص قضايا فساده إلى قضية سياسية واعتبارها جزءا من مؤامرة تخلص اليسار والعرب منه عقابًا على تشريعه لقانون القومية العنصرى وضمه الجولان والقدس وسعيه لضم أراضى الضفة الغربية.

حكومة كهذه إن قامت ستحمل بداخلها عوامل انهيارها فى أسرع وقت، حيث بها من التناقضات ما هو كفيل بإسقاطها فى شهور قليلة، وخاصة التناقضات بين الكتلة العربية وحزب إسرائيل بيتنا بزعامة أفيجدور ليبرمان.

السقوط السريع لحكومة كهذه أمر مهم جدًا بالنسبة لنتنياهو، الذى يواجه اتهامات بالفساد ويسعى لتحصين نفسه، والذى سيسعى إلى تصدير الأزمات لها فى الكنيست من خلال عدد من مشاريع القوانين والقرارات التى قد تلقى قبولًا من نواب حزب ليبرمان، وغيره، فى مقابل رفض النواب العرب، الذين سيسعون هم بأنفسهم إلى حجب الثقة عن الحكومة.

إذا لجأ نتنياهو لهذا السيناريو وارتضى بدور زعيم المعارضة أمام حكومة هشة، ستكون معركته الرئيسية هى إسقاطها (وهذا أمر هين) فى أسرع وقت ممكن والتوجه نحو انتخابات مبكرة، يضمن فيها أغلبية يضمن بها تشريعًا يحصن نفسها ويقلب السحر على الساحر، فجمهور ليبرمان سيعاقب زعيمه فى الانتخابات المقبلة، وجانتز سيظهر أمام جماهيره فى صورة رئيس الوزراء الفاشل، وأصواتهم ستتوجه فى جزء غير قليل منها لنتنياهو فى الانتخابات المقبلة.

«الانتخابات الثالثة»

من بين كل السيناريوهات النظرية والواقعية، يظل سيناريو الانتخابات الجديدة هو السيناريو الأكثر واقعية، وضع كهذا يضع الكل فيه أصبعه تحت ضرس الآخر، سيكون من الصعب أن يصرخ أحدهم من الألم أولًا، سيفضلون جميعًا الصراخ فى وقت واحد، والخروج من اللعبة إلى انتخابات جديدة. والحقيقة أن الجميع يستعد الآن، بل بدأ فى التمهيد لتحميل الطرف الآخر المسؤولية، نتنياهو يحمل جانتس مسؤولية الذهاب لانتخابات جديدة إسرائيل ليست فى حاجة لها، ويائير، لا بيد الرجل الثانى فى حزب جانتس يتهم نتنياهو بالسعى لجر البلاد إلى انتخابات ثالثة، ويعلن متعجبًا أو محرضًا: «شخص واحد يمنع تشكيل حكومة وحدة ليبرالية. شخص واحد».

يخشى كثيرون من أن ذهابا إلى انتخابات جديدة قد يظهر للعالم كله مدى الأزمة التى يعانى منها النظام الإسرائيلى، الذى فشل على مدار عام فى إجراء انتخابات وتشكيل حكومة، والذى يعانى من فقدان ليس فقط الحزب الحاكم بل الحزب القادر على عمل ائتلاف، وليس فقط الزعيم الوطنى، بل الزعيم القادر على خلق مساحة مشتركة بينه وبين القوى السياسية الأخرى، ما يشير إلى ثمة خطورة تواجه هذا النظام فى المستقبل.

فى كل الأحوال، تشير كافة السيناريوهات، وحتى سيناريو الانتخابات الثالثة إلى نهاية عصر بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الذى اعتمد فى فترتى حكمه التى امتدت لـ13 عامًا، وهى أطول فترة لرئيس وزراء إسرائيلى، على التحريض على العرب كخطاب سياسى يسعى من خلاله لكسب حلفاء رئيسيين كالتيار اليمينى سواء كان علمانىا أو متدينا.

بغروب شمس نتنياهو، قد يعرف النظام السياسى الإسرائيلى مزيدا من الأزمات، فالليكود الذى يصوت له أنصاره فى معظمهم بسبب زعامة نتنياهو، سيفتقد للزعامات التاريخية وكذلك الكاريزمية، ما سيفقد الحزب قوته، أما تحالف أزرق- أبيض، الذى انتخبه جمهوره بسبب برنامجه ونكاية فى نتنياهو، فلا يمتلك هذه الزعامة الكاريزمية، فهو زعيم يتلعثم أمام الكاميرات والصحفيين، ما سينعكس على طبيعة النظام السياسى الإسرائيلى بشكل قوى، وسيزيد من أزماته.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية