نالت الحكومة اللبنانية برئاسة الملياردير نجيب ميقاتي، الخميس، ثقة البرلمان بعد ثلاثة أيام من المناقشات حول بيانها الوزاري تخللتها مشادات حامية بين النواب المؤيدين للحكومة والمعارضين لها، على خلفية المحكمة الدولية المكلفة بمحاكمة قتلة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري والموقف من الاحتجاجات في سوريا.
ونالت الحكومة الثقة بأغلبية 68 صوتا من أصل 128 نائبا في البرلمان. والنواب الذين منحوا الثقة ينتمون إلى حزب الله وحلفائه بعد انسحاب نواب قوى 15 آذار بزعامة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، نجل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، من الجلسة.
واتسمت معظم خطابات النواب في المناقشات بالتصعيد الحاد بشأن المحكمة الدولية المكلفة بالنظر في اغتيال الحريري الأب في عام 2005 والعلاقة مع سوريا التي كانت قد أنهت 29 عاما من وجودها العسكري في البلاد بعد أشهر من الاغتيال تحت وطأة ضغط دولي وشعبي.
وكانت الأغلبية في البرلمان انتقلت العام الماضي إلى فريق حزب الله وحلفائه إثر انتقال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مع عدد من أعضاء كتلته في قوى 14 آذار في يناير إلى الاصطفاف بجانب حزب الله وحلفائه.
وأثار القرار الظني أزمة سياسية أدت إلى الإطاحة بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري في يناير عندما استقال حزب الله وحلفاؤه احتجاجا على رفضه التخلي عن المحكمة قبل أيام فقط من تقديم لائحة الاتهام التي بقيت سرية إلى قاضي التحقيق.
وكانت الحكومة أقرت الأسبوع الماضي بيانها الوزاري الذي يتضمن مواد خلافية فيما يتعلق بالمحكمة الدولية حيث أسقطت الحكومة من فقرة المحكمة عبارة «التزام التعاون» التي كانت موجودة في بيان الحكومة السابقة برئاسة سعد الحريري نجل رفيق الحريري.
ونص اليبان الوزاري «أن الحكومة انطلاقا من احترامها القرارات الدولية تؤكد حرصها على جلاء الحقيقة وتبيانها في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت مبدئيا لإحقاق الحق والعدالة بعيدا عن أي تسييس أو انتقام وبما لا ينعكس سلبا على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي».
واعتبرت المعارضة أن الفقرة «ملتبسة ومرفوضة ولن تجدي نفعا في التحايل على المحكمة وعلى المجتمع الدولي» وطالبت المعارضة الدولة بالتزام تنفيذ مطالب المحكمة التي سلمت السلطات اللبنانية الأسبوع الماضي القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الحريري متضمنا أربع مذكرات توقيف في حق أشخاص.
ولم تذكر المحكمة أسماء المتهمين لكن مسؤولين لبنانيين يقولون إن من بينهم مصطفى بدر الدين وهو قيادي بارز في حزب الله وصهر عماد مغنية القائد العسكري للحزب والذي اغتيل في سوريا وثلاثة أعضاء آخرين في الحزب.
وفي معرض رده على المداخلات التي ألقيت على مدى ثلاثة أيام في مجلس النواب أكد ميقاتي أن الحكومة «إذ تؤكد متابعتها لمسار المحكمة الخاصة بلبنان فهي تنطلق من أن الحكم استمرارية وهي عازمة بالتالي على التعاون في هذا الخصوص تطبيقا للقرار 1757 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي الذي أنشأ المحكمة».
كما أكد حرص الحكومة «على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي لأنها تعتبر أن هذه الجريمة وما تلاها من جرائم مدانة هدفت في الأساس إلى ضرب هذا الاستقرار وتلك الوحدة للنيل من مسيرة السلم الأهلي».
ومضى يقول «عيب أن يقال إن الحكومة تتنكر لدماء الشهداء وفي مقدمهم الرئيس رفيق الحريري وأنا شخصيا أرفض رفضا قاطعا أي مزايدة في هذا الموضوع من أي جهة كانت وأؤكد أن العمل على إحقاق الحق والعدالة هو الهدف الأسمى الذي سنستمر في السعي إليه وفاء للشهداء».
وتابع «لن أقبل بالتراجع عن إحقاق الحق والعدالة أو أن يستغل أي كان استشهاده للنيل من وحدة لبنان وشعبه التي كان يحرص عليها الرئيس رفيق الحريري».
وأدى اغتيال الحريري في 14 فبراير شباط 2005 إلى سقوط لبنان في سلسلة من الأزمات السياسية والاغتيالات والتفجيرات وهو ما تسبب بدوره في اندلاع اشتباكات طائفية في مايو 2008 دفعت البلاد إلى شفا الحرب الأهلية.
وينفي حزب الله الذي يشكل مع حلفائه السياسيين الأغلبية في حكومة ميقاتي الجديدة أي دور له في الانفجار الضخم الذي اودي بحياة رفيق الحريري و22 آخرين.
وهناك مخاوف في لبنان من أن لائحة الاتهام بحق أعضاء من حزب الله الشيعي في اغتيال زعيم سني بارز كان رئيسا للوزراء لعدة دورات بين عامي 1992 و2004 يمكن أن تثير توترات طائفية بين فصائل مازالت تحمل إرث الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990.
ويضع منتقدون للتحقيق في اغتيال الحريري علامات استفهام على التحقيقات بما في ذلك الاعتماد على شهود تراجعوا لاحقا عن إفاداتهم واحتجاز 4 ضباط لبنانيين كبار لمدة 4 سنوات قبل إطلاق سراحهم في عام 2009 لعدم كفاية الأدلة.
وقال رئيس كتلة حزب الله في البرلمان محمد رعد في كلمته قبل نيل الحكومة الثقة «إننا في لبنان نطالب جميعا بالحقيقة وننشد العدالة ونعتبرهما أيضا ضمانة للاستقرار وليس واردا مطلقا أية مقايضة في هذا الشأن لكن هذه المحكمة الدولية لن تكشف حقيقة ولن تحقق عدالة وهي تهدد الاستقرار في لبنان».
أضاف «إن هذه المحكمة الدولية هي محكمة مسيسة مزورة من أساسها نرفض هذه المحكمة وما يصدر عنها ولا نجد أنفسنا معنيين بالتعاون معها. أما بالنسبة للقرار الاتهامي فهو اتهام ظالم وسياسي تمهيدا لشن إسرائيل حربا جديدة على هذا البلد وشعبه».
ومضى يقول «المقاومة برجالها وسلاحها هي في أعلى واتم جهوزية لأداء واجب الدفاع عن الوطن والتصدي لأية حرب محتملة. وأود هنا أن اطمئن شعبنا وأقول له لن تكون فتنة في لبنان لا بين السنة والشيعة ولا بين المسلمين والمسيحيين».