أكد المستشار أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض، أن محاكمة بعض المدنيين أمام القضاء العسكرى ظرف استثنائى لابأس به فى ظل الظروف التى تمر بها مصر، ولكنه إجراء يجب أن يتوقف تماماً مع انتهاء هذه الظروف. وقال إن محاكمة مبارك ورموز الفساد يجب أن تكون علنية، مطالباً بإعطائهم الفرصة للدفاع عن أنفسهم، وقال: «الاتهامات ليست هينة». وأكد «مكى» فى حواره لـ«المصرى اليوم»، أن الذين ينادون بالدستور أولا يسعون إلى إحداث بلبلة وعدم استقرار ويحاولون تشتيت الأفكار وتضييع الوقت، مطالباً الجيش بالتفرغ للدفاع عن الوطن، لذلك يجب إجراء الانتخابات.
ورفض «مكى» وجود أى رقابة خارجية على الانتخابات، ولكن لا يمنع ذلك من وجود إشراف ومتابعة، لأن ذلك يعزز نزاهتها وشفافيتها.. وقال «مكى» إن المرشح للرئاسة يجب أن يقبل آراء القوى والتيارات السياسية، ولا يوجد ما يمنع من ترشح أى مواطن، بصرف النظر عن الدين واللون والجنس..
وإلى نص الحوار..
■ ما رأيك فى الجدل القائم حاليا حول قضية الدستور أولا أم الانتخابات أولا؟
- من يثيرون هذا المقترح يسعون إلى أن ينشغل المواطن فى فرعيات لا هدف منها سوى إحداث البلبلة وعدم الاستقرار، وتجب مراعاة الأولويات، فهذه الآراء تزيد الأمور تعقيداً ولا تقدم حلولاً، وأرى أن إجراء الانتخابات البرلمانية وتشكيل البرلمان المنتخب بإرادة شعبية حقيقية ثم تشكيل لجنة تأسيسية لوضع الدستور الجديد يضمن تحقيق المساواة بين المواطنين، بشرط أن يطرح للنقاش العام ويعرض الموضوع على الجميع، وأقترح تشكيل اللجنة التأسيسية من مائة شخص من أساتذة الجامعات والنقابات المهنية والمحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض، هذا إذا أردنا أن نصل إلى حل واتفاق وليس مجرد إثارة جدل لا طائل منه.
والغرض من كل ذلك أن ننتهى من هذه الفترة الانتقالية أو الاستثنائية فى أسرع وقت ممكن حتى نخفف من الأعباء والضغوط التى يتحملها المجلس العسكرى، لأن هناك مهام أخرى يقوم بها متمثلة فى الدفاع عن أمن الوطن وليست مهمته أن يدير الشؤون الداخلية للبلاد.
■ كيف ترى المواصفات التى يجب أن تكون فى رئيس الجمهورية، خاصة بعد طرح مرشحين بعضهم يحسب على التيار الإسلامى؟
- نريد رئيساً له شخصية تجمع كل أطياف المجتمع ويلتف حوله الجميع ويقبل أفكار العلمانى والإسلامى والمدنى والعسكرى والملحد والسلفى المسلم والقبطى الناصرى والإخوانى والليبرالى وغيرهم من التيارات السياسية المختلفة، وأن يكون عاقلاً يجمع ولا يشتت ولا يصطنع الخلافات ولا يستعدى الخارج، فمن الممكن أن يكون رجلاً عسكريا، ويجب ألا يحسب رئيس الجمهورية على التيار السياسى الذى ينتمى له، ولكن يتمتع بقلب وعقل خاص به، ومن الصحيح أن تتشابه أفكاره مع التيار الذى ينتمى إليه، ولكن حينما يحكم مصر فهو يحكم ضميره، ولا يشترط أن يحسب على تيار معين لأنه سيحكم كل التيارات.
■ ما حدث لجماعة الإخوان المسلمين التى ترفض ترشيح عبدالمنعم أبوالفتوح وهو أحد أهم أعضائها ولكنه خرج عن الجماعة وتحداها، قد يعتبره البعض مراوغة من الإخوان وتشكيكاً فى مصداقيتها؟
- أعتقد أن جماعة الإخوان المسلمين صادقة فى أنها لا تريد أن تحكم مصر، ليس لأنها متعسفة أو غير قادرة على ذلك، ولكن لأن الانخراط فى حكم مصر «مصيبة سودا»، بالنسبة لها، فحركة حماس حينما حكمت خسر الفلسطينيون بسبب هذا الحكم وحدث الخلاف الكبير بين حركتى فتح وحماس، واستغل العدو الصهيونى هذا الخلاف لصالحه، وأتساءل: هل للجماعة أن تفتح معبر رفح أم لا، أو تتخذ موقفاً من إسرائيل أو أمريكا؟
من المتعارف عليه أن منهج الجماعة يحتوى على الكثير الذى لا يتناسب مع حكم مصر فى هذه الفترة الانتقالية، وهى تعلم مدى تقبل المواطنين والعالم الخارجى لأفكارها، خاصة أمريكا التى لا يجب معاداتها فى الوقت الحالى، ولذلك فهى صادقة فى عدم طرح مرشح للرئاسة، لأن هذه ليست مرحلتها ويكفى أنها تنظم وترتب للتمثيل فى البرلمان وسوف تحصد بالتأكيد مقاعد لا بأس بها، وتكون بذلك قد شاركت فى حكم مصر من خلال التأثير تحت قبة البرلمان.
■ إذن كيف تفسر موقف أبوالفتوح الذى شتت نفسه وأصبح لا يضمن أصوات الجماعة بعد فصله منها، وفى نفس الوقت لا يضمن تأييد رافضى فكر الجماعة؟
- عبدالمنعم أبوالفتوح إسلامى معتدل، وأرى أن طرح نفسه كمرشح للرئاسة ليس من الغباء، فهو بالتأكيد له حساباته ويعلم جيداً ماذا يفعل، وكثير من الإخوان سيصوتون له، فهو أكثر الإخوان المسلمين اعتدالاً ووسطية، فقد كان يزور نجيب محفوظ وله صداقات ببعض رموز الحزب الوطنى المنحل مثل الدكتور حسام بدراوى، وله أصدقاء من الناصريين مثل حمدين صباحى، وفى نفس الوقت فهو شخصية محبوبة داخل الجماعة ويحظى بقبول لدى معظم التيارات السياسية، وما فعله أو تفعله الجماعة أموراً خاصة بهم وأعتقد أنه قد درس الأمر جيداً فهو رجل شديد الذكاء ولن يجرؤ على هذه الخطوة دون حساب.
■ كيف ترى ترشيح المرأة للرئاسة؟
- بالطبع لها الحق فى ذلك، وليس للمرأة فقط حق الترشح للرئاسة، بل يجوز للملحد أن يرشح نفسه وأى شخص له الحق فى ذلك بصرف النظر عن دينه أو جنسه أو لونه، وهذا حق لكل مواطن ولا نريد استبعاد الآخر، نريد دولة مدنية يسمح فيها للقبطى أو اليهودى أو المرأة أو الإخوانى أو العلمانى بأن يرشحوا أنفسهم.
■ أكدت من قبل أنه يجب تطهير القضاء من الفساد.. من تقصد؟
- نعم أطالب بتطهيره من الذين أفسدوا الحياة السياسية وأقصد التطهير على نحو يلائم الوضع الحالى، حيث أسهم القضاء فى فترة من الفترات فى إفساد الحياة السياسية، ألم يكن التزوير الذى حدث فى 2005 قد تم على يد قضاة، فإما القاضى قد ساهم فى التزوير أو قصر فى أداء عمله وأتاح التزوير، ألم يكن ذلك فساداً فى القضاء، وأيضاً الذين كانت تؤثر عليهم السلطة التنفيذية، فعلينا أن نتطهر من التبعية للسلطة التنفيذية، وأعتقد أن توافر الإرادة السياسية الحقيقية هو الضمانة الأساسية لإجراء انتخابات نزيهة، وقد شهدت مصر على مدار تاريخها 3 انتخابات نزيهة فى أعوام 24 و50 و76 بسبب هذه الإرادة.
■ ما رأيك فى الخلاف القائم بين القضاة ولجوء البعض إلى وسائل الإعلام خاصة المرئية فيما يتعلق بالاستئذان قبل الظهور فى وسائل الإعلام؟
- لا أتصور أن يكون هناك قاضٍ يستأذن قبل أن يتحدث على الإطلاق، ومن يفعل ذلك لا يصلح لأن يكون قاضيًا، فالقاضى حر فى التعبير وعليه أن يحمى حقوق الآخرين من خلال رأيه القانونى، وله الحق فى التعبير عن رأيه وفقاً لنصوص الدستور التى تقول إن كل شخص له الحق فى التعبير عن رأيه، وهذه القضية بسبب عدم الفصل بين السلطات الثلاث فى الدولة «القضائية والتنفيذية والتشريعية» ونسعى إلى استقلال القضاء فى مواجهة السلطة التنفيذية الممثلة فى وزارة العدل التى لا تعطى فرصة لذلك، وبالتالى يلجأ بعض القضاة إلى وسائل الإعلام لعرض وجهة نظرهم وأعتقد أن ظهورهم ليس حباً فى الظهور أو رغبة فى الانتشار ولكنه نوع من القتال ومحاولة لمكافحة الفساد من أجل تحقيق الاستقلال وضمان نزاهة القضاء بعيداً عن أى تدخل، ومن أجل اكتساب ثقة الناس وطرح كل القضايا التى تشغل الرأى العام مثلما حدث فى تزوير انتخابات 2005، فقد لجأنا إلى الإعلام ليس لحساب طرف ضد طرف آخر ولكن لكشف الحقائق، ولكن يجب أن يراعى القاضى الذى يتحدث ما يقوله ولا يسىء أو يجرح أو يتحدث بشكل غير لائق، وأن يحسن التعبير.
■ هل تؤيد الرقابة الدولية على الانتخابات؟
- أرحب بذلك، ولكن أرفض تماماً أن تدار إدارة العملية الانتخابية بالكامل من خلال أعضاء من الخارج، ويجب أن تكون الرقابة فى يد القضاء المصرى، ولكن أن تتابع أو تلاحظ أى منظمة دولية الانتخابات دون إشراف فهذا جيد بل وأطالب أن تتابع تلك المنظمات عملية الانتخابات لأن ذلك يعزز من نزاهتها.
■ هل أنت مع المحاكمة العسكرية للمدنيين؟
- أرفض ذلك بالطبع، ولكننا نعيش فى ظروف استثنائية، فلا بأس من إجراء بعض المحاكمات للمدنيين أمام القضاء العسكرى، ولكن بمجرد انتهاء هذه الفترة وتولى إدارة مدنية شؤون البلاد يجب أن تنتهى المحاكمات العسكرية، ولا يصح أن يمثل المدنيون أمام القضاء العسكرى، ولا نستطيع أو نقبل المقارنة بين القضاء المدنى والقضاء العسكرى، فكل منهما له طبيعة خاصة ونوعية الجرائم التى ينظرها كلاهما مختلفة، أيضا فالقضاء العسكرى قضاء تأديبى له طبيعة الحياة العسكرية، حيث الجرائم الانضباطية، ولم يحدث فى تاريخ مصر أن مثل مدنيون أمام قضاء عسكرى إلا مرة واحدة عام 1966، والرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذى عرف بالشدة فى محاكمة خصومه السياسيين لم بفعل ذلك وأنشأ ما يسمى بمحكمة الشعب أو محكمة الثورة، ولم يترك المؤسسة العسكرية تتحمل مسؤولية المحاكمات السياسية، ولا ننسى مطالب نادى القضاة فى عام 1986 بقصر القانون على العسكريين وعلى الجرائم العسكرية فقط دون المدنيين، وأعتقد أنه مطلب ليس غريباً ومعمولاً به فى كل دول العالم المختلفة التى ترسى مبدأ الديمقراطية.
■ وبالنسبة للأحكام العسكرية التى صدرت بالفعل؟
- يجب أن يعاد النظر فيها بعد زوال الظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد وعودة الدولة المدنية، وأدعو المجلس العسكرى قبل أن يسلم السلطة للرئيس المدنى القادم أن يقوم بتعديل قانون الأحكام العسكرية، وهذا مطلب عالمى.
■ هل تؤيد المحاكمة العلنية لرموز النظام السابق وهل تعتقد ببطء المحاكمات؟
- يجب أن تجرى محاكمة الرئيس السابق محمد حسنى مبارك ونجليه وكل رموز الفساد بشكل عادل وشفاف، ويجب أن تكون المحاكمة علنية وبحضور بعض المواطنين مع إمكانية تصويرها ونشر تفاصيلها بإذن من هيئة المحكمة التى يمثلون أمامها ويجب إعطاؤهم فرصة للدفاع عن أنفسهم، فحجم الاتهامات ليس هيناً والمحاكمة العادلة تقتضى أن يحصل المتهم على فرصته الكاملة وأن تتم إجراءات المحاكمة بصورة سليمة خاصة أن العالم كله يتابع ويراقب ما يجرى من محاكمات، والاختلال فى ميزان العدل بالنسبة لهذه القضايا لن يكون فى صالحنا ولن يمكنّا من استرداد أموالنا المنهوبة، ولذلك أدعو الشعب إلى أن يتحلى بالصبر والاتزان حتى تتم المحاكمات وتنتهى، وأيضا على أجهزة الشرطة تأمين المحاكمات حتى يأخذ المتهم حقه فى الدفاع دون التعرض للترويع أو الترهيب وحتى تكون المحاكمة لائقة بتاريخ مصر.