كان الطفل ياسين عماد، صاحب السنوات الأربع، فرحًا بفوز فريق الناشئين لكرة القدم بنادى الشرقية للدخان، الذي يلعب به شقيقه الأكبر «ريان»، على فريق نادى الطالبية بالجيزة، كانت أم الطفلين تتوسطهما، وتمسك بيديهما، وتغنى معهما احتفاءً بالفوز، فجأة سقط «ياسين» بـ«بالوعة»، عمقها 15 مترًا، فتحول الفرح إلى مأتم، والفوز لهزيمة مُدوية، بوصف أسرة المجنى عليه.
الأحد الماضى، قررت الأم اصطحاب نجلها «ياسين» لنادى الطالبية، القريب من منزلها: «تعال شوف أخوك.. النهارده هيلعب مع مباراة ودية مع فريق الطالبية»، رفض «ياسين» طلب والدته في البداية، مبررًا: «عاوز أنام في حضن بابا.. بابا واحشنى قوى».
عقدت الأم العزم على اصطحاب ابنها الأصغر، وقابلت طلبه بالرفض، بوعده إياها: «ياسين يا حبيبي.. إحنا هنروح النادى، وهتلعب في الملاهى».
استجاب «ياسين»، ونزل مع أمه، بعد احتضانه والده، والذى جاء متأخرًا من عمله بعد رحلة سفر استغرقت أيام عدة: «اليوم ده ابنى الله يرحمه.. حضنى وجاء للنوم جنب منىّ، كأنه بيودعنى».
يشعر والدا الطفل، المجنى عليه، بـ«غصة وندم»، كما وصفا حالهما: «لو كان ياسين فضل في البيت يمكن مكانش حصل اللى حصل».
يتنهد «عماد»، والد ياسين، وهو يقول: «ابنى لما وقع في بالوعة فدا أمه وإخوه.. كان الثلاثة هيروحوا منىّ.. أطالب بمحاكمة رئيس حى العمرانية والطالبية، والعاملين بالحى، لأنهم بالإهمال أزهقوا روحا بريئة».
عندما خرجت الأم من بوابة النادى، كان الظلام دامسًا، مسكت بيد الصغيرين، والخوف يملأ قلبها عليهما، فوجئت بتقدم الابن «ياسين» عنها بخطوة واحدة، حدقت بالأرض وحوله منها، لم تعثر له على أثر: «كان فيه قدامى بس بالوعة.. صرخت وقلت أكيد وقع فيها».
لم يكن هناك ما يدل على وجود بالوعة بالمنطقة، فقط كانت الـ«البالوعة»، بجوارها قطعة «أبلكاش» صغيرة للغاية: «لقيت نفسي وابنى ريان.. قدام البيارة، وياسين كان وقع داخلها»، هكذا قالت الأم المكلومة.
بصوت مرتعش، ودموع تسبق كلامه، روى «ريان»، 11 سنة، شقيق المجنى عليه: «أخويا وقع داخل البيارة.. ومكانش عليها غطا، أخويا راح منىّ وكنت عاوز أنزل أجيبه بنفسي، بس البالوعة كانت غويطة قوى».
وجد ريان نفسه ووالدته وحيدين أمام نادى الطالبية، لم يجدا وسيلة للاستغاثة، سوى بصراخهما عاليًا: «إلحقونا.. إلحقونا.. ياسين نزل البالوعة».
تذكر ريان بأسى منظر أخيه الصغير، وهو يشجعه قبل دقائق من خروجهما من النادي: «كان عمال يشجعني ويقول لى العب ياريان، وسجلت هدفين، وكان فرحان.. أخويا ساب الملاهي وفضل يشجعنى».
تذكر الأم أن كل المتواجدين بالنادى خرجوا إليهما طالما هالهم شدة الصراخ: «اتصلوا بالنجدة ليحضروا فريق إنقاذ من الحماية المدنية.. وحضروا بعد ساعة من الحادث».
اتصل «ريان» على والده، الذي حضر على الفور بعد إخباره إياه: «يا بابا ياسين وقع بالبالوعة.. ومحدش جه لنا ينقذنا»، ودارت الدنيا بالأب، الذي لم يتصور أن يفقد فلذة كبده و«دلوعة البيت»، هكذا بسهولة، أن تبلعه مياه المجارى وتنهى حياته.
جن جنون «عماد»، كما يصف حاله، فبوصوله إلى مكان الحادث، وجد «غطاسًا» يخشى النزول إلى البيارة التي غرق بها الطفل، وكان مرعوبًا من عمق البالوعة: «الراجل لبس ملابس الغطس، وقال البالوعة عمقها 15 مترًا.. وهنزل إزاي».
ورغم حضور 5 غطاسين آخرين إلا أنهم لم يفعلوا شيئا، لانتشال جثمان الصغير، وكان «عماد» يتصور أن باستطاعته إنقاذ ياسين، فتوجه لـ«بالوعة» داخل نادى الطالبية: «قلت هيّ الأقرب للبالوعة التي سقط بها ياسين أمام النادي».
لم يعثر على جثمان الصغير بتلك البالوعة، لكن والد المجنى عليه، يؤكد: «هناك إهمال من الغطاسين والعاملين بالنادى.. مياه المجاري التي سقط بها ياسين جرفته بالبداية لتلك البالوعة.. ولم يتحرك أحد لانتشال جثمان الطفل، كان ممكن يتم إنقاذه».
«جمال»، وهو جد الطفل لأبيه، كان في عزاء، عندما تلقى اتصالاً مفاده: «حفيدك ياسين غرق في البالوعة أمام نادى الطالبية».
أغرقت الدموع عيني الجد، وشريط ذكرياته مع الصغير يمر أمامه: «ياسين كان فكهانى كلام.. على طول بيهزر معايا.. أقول له هات لي طلب من السوبرماركت، يروح جرى مش يمشى.. يا حبيبى».
ووجد الجد بوصوله لمكان الحادث عاملين بالنادى وقد ركبوا أعمدة إنارة بمحيط المكان، وعاملين بالحى يحضرون غطاءً حديديًا لتغطية البالوعة التي سقط داخلها ياسين.
استوقف إبراهيم خلف، رئيس نيابة الطالبية والعمرانية، وهو يُعاين مكان الحادث، عاملي الحى، وسألهما: «إيه غطا البالوعة ده؟»، فأجابوه: «ده بتاع البالوعة لكنه كان بعيد»، لكن «خلف» أمرهم: «اقلبوا الغطاء كده؟».
تبين أن الغطاء كان جديدًا، وأن العاملين أحضروه للتوه عقب الحادث، كى يتنصلوا من الاتهام بـ«الإهمال»، ويقولون إن غطاء البالوعة رفعه مجهولون، يذكر جد المجنى عليه.
بعد نصف كيلو متر من بالوعة الطالبية، وجدت أسرة ياسين جثته داخل محطة الصرف الصحى الرئيسية بفيصل، إذ انتشل الجثمان محمد نبيل، ومصطفى رجب، وهيثم جمال، من أقرباء الطفل المجنى عليه: «مسكوا بإيد بعض حتى انتشلوا الجثمان اللى كان طافي على المياه».
بحسرة قال والدا ياسين: «ربنا ستر، وإن مفرمة الصرف الصحى مكنتش شغالة، كان زمانه بقى أشلاء».
نعت مدرسة أحمد أبوالفتوح، الطفل المجنى عليه، وتدمع عينا والد الأخير، وهو يقول: «قدمت لابنى يدخل كي جي وان، ودفعت المصاريف.. وأمه يوم الحادث كانت هتشترى له شنطة المدرسة».
كانت والدة ياسين تتمنى أن تراه في المستقبل مهندسًا، وأبوه تمنى أن يراه لاعبًا مثل محمد صلاح: «كان موهوبًا.. وقدمت له بنادي الطالبية، وكان بيلعب أحسن من أخوه ريان اللاعب بنادي الشرقية للدخان»، قضى الحادث على طموح الوالدين.
من جانبها، بدأت النيابة تحقيقاتها، واستدعت كلا من: رئيس حي العمرانية ومدير إدارة المرافق ومدير إدارة المتابعة ومدير إدارة الطرق ومدير إدارة الإنارة بالحي، إضافة إلى مدير هيئة الصرف الصحي بمحافظة الجيزة لسماع أقوالهم حول الحادث، وبيان مسؤوليتهم حول وفاة الطفل والمتسبب فيها.