اصطحبنا، محمد فاروق، أحد ثوار مدينة السويس، إلى ميدان «الأربعين»، الذى شهد أشرس معارك الثوار مع النظام السابق. وهناك فى الميدان، كان الحزن له شكل ومذاق، كل الوجوه حزينة، بعد صدور حكم بالإفراج عن ضباط وأمناء الشرطة، المتورطين فى قتل المتظاهرين، والجميع يشعر بمرارة الانكسار، «فهاهم قتلة زينة الشباب، والورود اللى فتحت فى جناين مصر، يتمتعون بالحرية». يصمت «فاروق».. ويرتفع الهتاف «يا شهيد نام وارتاح.. وإحنا نكمل الكفاح». وأمام صورة لشاب عشرينى، مكتوب أعلاها بسم الله الرحمن الرحيم «ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون»، توقف «فاروق» ليقول: «دى صورة مصطفى رجب محمود واحد من 3 شهداء سقطوا يوم 25 يناير فى السويس اتقتل على إيد واحد من أفراد الشرطة اللى النيابة أخلت سبيلهم مقابل 10 آلاف جنيه كفالة».
صمت محمد فاروق قليلاً ثم عاود النظر إلى صورة الشهيد وتابع: «للأسف القضاء المصرى خذلنا، هل هذا جزاء الناس الشباب اللى ضحت بأرواحها عشان الثورة؟.. بدلا من تكريمهم والاحتفاء بهم، نرد لهم الجميل بإخلاء سبيل قتلتهم.. طب إحنا نعمل إيه؟ كل الدلائل موجودة واللى حصل كان على مرأى ومسمع من كل الناس».
يستعيد «فاروق»، بذكر «اللى حصل»، ذكريات الثورة، يفترش الأرض، ويحكى: «السويس انتفضت من يوم 21 يناير خرجت فى مظاهرات لنصرة الشباب التونسى وطلبنا خلالها بإسقاط مبارك ونظامه هتفنا بأعلى صوت «الشعب يريد إسقاط النظام»، وبالفعل بدم الشهداء وجسارتهم سقطنا النظام ،لكن بعد حكم إخلاء سبيل قتلة المتظاهرين فمصر محتاجة وقفة». ويقول «فاروق»: «وبعد كل هذا يفلت القتلة بفعلتهم، ويؤكد: قررت والعشرات من زملائى فى «تكتل شباب السويس»، الدخول فى اعتصام مفتوح لحين القصاص من قتلة الشهداء. فى تلك اللحظة قاطعنا صوت شاب يطلب من «فاروق» التوجه إلى أحد جوانب الميدان لمتابعة عمليات كتابة اللافتات، للاستعانة بها فى اعتصام اليوم التالى.. ذهب وكتب: «الشعب يريد ثورة جديدة»، و«القصاص أولاً.. العدل قبل الطعام».
الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف ليل الثلاثاء، والثوار متحلقون فى وسط الميدان، لتناول وجبة من الجبن والخبز، بعد يوم شاق بدأ بالتجمع مع أهالى الشهداء أمام المحكمة، ثم قطع طريق مصر السويس، فالعودة إلى الميدان لمواصلة الاعتصام والمطالبة بالقصاص لدم الشهداء. يحاول أحد الجالسين، إيجاد مبرر لقرار المحكمة، يفكر بصوت عال، يقول «القرار غير متوقع»، يصمت، يحمر وجهه غضبا، يؤكد: «أنا مش لاقى مبرر.. أنا كنت فى المظاهرات من يوم 25 يناير وصورت كل اللى بيحصل صوت وصورة.. صورت أمناء شرطة بيضربوا الشباب بالرصاص الحى.. صورت مدرعات بتدوس على الناس فى نفس المكان اللى إحنا قاعدين فيه دلوقت.. عندى أرشيف كامل للمظاهرات.. الجريمة كاملة الأركان القتيل والقاتل الواقعة كلها متصورة».
يرى المعتصمون، فى السويس، أن ما حدث فى التحرير مع أهالى الشهداء الأربعاء الماضى، وقرار إخلاء سبيل أفراد الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين فى السويس، قبل يوم 8 يوليو، أمور تهدف إلى التصعيد ضد الشعب.