افتتح الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، صباح الثلاثاء، أعمال «ورشة العمل السنوية المشتركة للتطبيقات وبناء القدرات» لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، التي تقام تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، والتي تستضيفها وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المصرية، بالتعاون مع البنك المركزي المصري، وتنظمها مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا MENAFATF، بالشراكة مع كل من مجموعة مكافحة غسل الأموال لمنطقة شرق وجنوب أفريقيا ESAAMLG، ومجموعة غرب أفريقيا لمكافحة غسل الأموال GIABA.
حضر الافتتاح عدد من الوزراء وكبار المسؤولين، والمستشار أحمد سعيد خليل، رئيس مجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفى مستهل كلمته، وجّه رئيس الوزراء الشكر إلى المستشار أحمد سعيد خليل، رئيس مجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما وجّه الشكر للقائمين على هذه الفعالية وكُلٍ من مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيـــا (MENAFATF) ومجموعة مكافحة غسل الأموال لشرق وجنوب أفريقيا (ESAAMLG)، ومجموعة العمل المالي لمنطقة وسط أفريقيا (GABAC)، ومجموعة غرب أفريقيا لمكافحة غسل الأموال (GIABA) على المُشاركة في تنظيم هذه الفعالية المهمة.
وأشار الدكتور مصطفى مدبولي، خلال كلمته، إلى أن مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب تُمَثل بِحَق أهــم الأخطار التي تُهدد استقرار النظام المالي والاقتصادي العالمي، قائلاً: تَرجع أهمية تقييم تلك المخاطر إلى الحجم الهائل من الأموال المتحصلة من الجرائم التي يتم غسلها، وَتُمثل نسبة لا يُسْتهان بها من إجمالي الناتج المحلي العالمي، هذا إلى جانب درجة الاحتراف العالية التي تتسم بها الجهات التي تقوم بعمليات غسل الأموال والتي أصبحت تتمتع بآليات منظمة تستخدم بشكل متزايد مختلف التقنيات الحديثة والنظم المتطورة للاتصالات.
وأضاف رئيس الوزراء أنه لا يَخْفى علينا جميعًا الضَررُ البالغُ وتهديد الاستقرار الأمني وتعكير صَفْو المجتمعات التي تَطُولُها أيدي الإرهاب الآثمة بأعمالها التي يذهب ضحيتها الأبرياء من أبناء الشعوب، حيث لا توجد دولة بمنأى عن الإرهاب مهما بلغت قُوتها، ولهذا فقد أخذ المجتمع الدولي على عاتقه مُحاربة الإرهاب، وتبدأ أولى خطوات تلك الحرب بتجفيف منابع الإرهاب من خلال قطع الدعم عن الجماعات والمنظمات الإرهابية عن طريق منع وصول الأموال لها، وهنا تتجلي أهمية دراسة مخاطر تمويل الإرهاب على نحو يُمَكِّن الدول من مُحاربة هذه الظاهرة على أساس مدروس وَمُحدد.
وَأوضح مدبولي أن وَحَدات التحريات المالية تُعد في صدارة الجهات المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، حيث تقوم بجمع وتحليل المعلومات من الجهات المُبَلِّغة وغيرها من الجهات المختصة والتعامل مع الطرق المستحدثة التي يستخدمها المجرمون والارهابيون لغسل متحصلات جرائمهم، وكذا جمع الأموال المستخدمة في تنفيذ العمليات الإرهابية، لذا فمن الأهمية بمكان تبادل الخبرات على كل المستويات الاستراتيجية والتشغيلية؛ للوقوف على أوجه القوة والتحديات التي تواجه كلا منهما، والعمل على إيجاد حلول لتلك التحديات مما يؤدي بالنهاية لتعزيز قدراتها.
ولفت رئيس الوزراء إلى أن مسألة مكافحة غسل الأموال تُشَكِّلُ أَهميةً مُتَصاعدة مع اتساع دائرة الإرهاب ومنظماته محليًا وإقليمياً ودولياً، مضيفاً أن تزايد عمليات غسل الأموال ومدى ارتباطها بتمويل الإرهاب أعطى عُمقاً جديداً لهذه الآفة العابرة للحدود التي اتخذت أشكالاً جديدة وَتَنوعَت وتشعبت مُستفيدة من التقنيات الحديثة والمتطورة في وسائل الدفع والخدمات المصرفية الجديدة وأساليب التواصل الالكتروني المتطور من خلال القنوات المصرفية.
ونوّه بأن الالتزام بالنظم الرقابية الدولية والمحلية يشكل رادعًا كبيرًا لأي عناصر إجرامية، بما في ذلك غسل الأموال والأشخاص الذين يحضرون أو يشتركون أو يُروجون بأي شكل من الأشكال للأعمال الإرهابية، وهو ما يزيد من أهمية التعاون في مُكافحة هذه الظاهرة على النحو الذي يسهم في تعزيز وتقوية الاقتصاديات العربية والأفريقية من خلال استثمارات حقيقية وموارد مَشروعة تعكس الواقع الاقتصادي العربي والأفريقي.
وذكر رئيس الوزراء، خلال كلمته، أن مصر قطعت شَوطا طويلا في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تم وضع الأطر التشريعية والرقابية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، من تشريعاتٍ وقوانينَ ولوائحَ وضَوابطَ رقابية وقواعد للتعرف على هوية العملاء بمختلف المؤسسات المالية، مضيفاً أن هذه الأُطُر تأتي اتساقًا مع المعايير الدولية الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي وضعتها المنظمات الدولية، وعلى سبيل الخصوص الأمم المتحدة ومجموعة العمل المالي FATF ومجموعة إجمونت (الاتحاد العالمي لوحدات التحريات المالية).
ولفت إلى أن هذه الورشة تَأْتي في فترة مهمة للغاية، حيث إننا مقبلون على بداية عملية التقييم المتبادل للنظم المصرية المطبقة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الذي سيتم بمعرفة فريق خبراء من مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF)، في إطار الجولة الثانية لعملية التقييم المتبادل لدول المجموعة، وهو ما يتطلب تَضافُر وتكاتف جهود كل الجهات المعنية للخروج بأفضل نتيجة تليق باسم وسمعة مصر، وتتلاءم مع الجهود المبذولة على أرض الواقع، الأمر الذي يتطلب الاستعداد بشكل جيد ويستلزم عملاً وجهداً وإصرارًا من الجميع لتحقيق الهدف المنشود.
وقال رئيس الوزراء إنه بالنظر للأهمية الكبيرة لعملية التقييم المتبادل للنظم المصرية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فإن الأمر يتطلب تَضَافُر جُهود كافة الجهات لتفادي التعرض لآثار سلبية.
وفى ختام كلمته، تقدم رئيس الوزراء بالشكر لجميع الحاضرين على تعاونهم الدائم والمستمر، وعلى ما بذلوه وما سيبذلونه من جهود خلال الفترة المقبلة، سعيًا نحو تحقيق الأهداف الوطنية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، باعتبارها درعًا تحمى النظم المالية والمصرفية المصرية، وَتسهم في استقرار الاقتصاد المصري، ولكونها عنصراً مهماً في دفع عجلة التنمية للأمام، مؤكدًا ثقته بأن هذا الملتقى سيقوى أواصر التعاون بين الدول المشاركة، وَيُزِيد من فاعلية الجهات العاملة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في مكافحة هاتين الجريمتين.
من جانبه، أكد المستشار أحمد سعيد خليل، رئيس مجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أن تنظيم هذه الورشة المهمة يأتي في إطار الجهود التي تبذلها مصر في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على كافة الأصعدة، واستمرار الدعم لأنشطة مجموعة MENAFATF حيث تتولى مصر منصب نائب رئيس المجموعة خلال عام 2019 ومنصب رئيس المجموعة خلال عام 2020.
وأضاف المستشار خليل أن مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب ليست بالأمر اليسير ولكنها تحتاج إلى جهد دؤوب على المستوى الإقليمي والدولي، ولاسيما في ظل عولمة الاقتصاد ونمو أسواق المال الدولية، ومن ثم باتت عملية مكافحة هاتين الجريمتين من الموضوعات المهمة والمعقدة على مستوى العالم، ويعزى وجه التعقيد إلى درجة الاحتراف العالية التي تتسم بها الجماعات التي تقوم بعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي أصبحت تتمتع بآليات منظمة تستخدم بشكل متزايد مختلف التقنيات الحديثة والنظم المتطورة للاتصالات.
وقال رئيس مجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إن العالم يواجه حاليًا، ولاسيما منطقتنا العربية، الكثير من التحديات التي تفرضها التدفقات المالية غير المشروعة على سلامة النظم الاقتصادية بها في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة والمخاطر ذات الطابع العالمي، مثل الإرهاب والتهرب الضريبي والاتجار بالبشر وغيرها، لافتا إلى أن ظاهرة التدفقات المالية غير المشروعة حظيت في الآونة الأخيرة باهتمام متزايد من جميع الدول؛ وذلك نتيجة لتأثيرها المُدمّر على اقتصاد الدول بوجه عام والدول النامية بوجه خاص، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أن التدفقات المالية غير المشروعة تحرم الدول في طور النمو من موارد مالية هي بأشدّ الحاجة لها نتيجة حرمان الاقتصاد من أموال لو استثمرت لأضافت نموًا مُستدامًا على الاقتصاد.
ولفت المستشار خليل إلى أن بعض الدراسات الصادرة عن البنك الدولي أوضحت أن التدفقات المالية غير المشروعة قُدرت بنحو تريليون دولار سنويا، والتي يقابلها انخفاض في معدلات التنمية المستدامة بنحو 100 بليون دولار سنويا، كما قدرت بعض الدراسات أن كل دولار من المساعدة التنموية الموجهة للدول النامية يقابله 10 دولارات تخرج في شكل تدفقات نقدية غير مشروعة، مشيرا إلى أن حجم الأموال الناتجة عن الاتجار غير المشروع بالأحياء البرية قدر- وفقا للإحصائيات الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة - بنحو 70 إلى 213 مليار دولار سنويًا، ويماثل هذا حدود المساعدات التنموية الرسمية العالمية التي تبلغ حوالي 135 مليار دولار سنويًا، مما يحرم اقتصاديات الدول النامية من مليارات الدولارات من تلك العوائد المفقودة وفرص التنمية الضائعة، في حين تستفيد منها تلك الجماعات الإجرامية.
وأوضح المستشار أحمد سعيد خليل أن جرائم الاتجار بالبشر حظيت في الآونة الأخيرة باهتمام متزايد من جميع الدول؛ وذلك باعتبارها إحدى أهم الجرائم العابرة للحدود الوطنية، والتي تحتل المرتبة الثالثة بعد تجارة المخدرات والسلاح في العالم، فهي تعتبر إحدى الجرائم التي تشكل خرقاً واضحاً لكرامة الانسان وآدميته وحريته وحقوقه، فجرائم الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين بدأت تأخذ مكاناً مهماً على مستوى القانون الدولي والتشريعات الوطنية؛ مشيرًا إلى أن الأرقام والإحصائيات المقدرة بهذا الشأن باتت تفوق التوقع، وهو ما يعني أن هناك مشكلة حقيقية تدعو إلى تضافر الجهود الدولية وتعاونها لمحاربة تلك الظاهرة، والقيام بسن التشريعــات اللازمة لمحاربة كافة الصور والأشكال لتلك الجريمة .
تجدر الإشارة إلى أن جلسات الورشة تتضمن بحث عدد من الموضوعات المهمة ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم الأصلية، منها: عمليات تمويل الإرهاب وكيفية التعرف على المستفيد الحقيقى منها، واسترداد الأصول المرتبطة بغسل الأموال الناتج عن جرائم الفساد، وغسل الأموال من خلال الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، والتدفقات النقدية غير المشروعة المتعلقة بالاتجار في الأحياء البرية، والتعاملات غير الرسمية وغير المشروعة في النقد الأجنبي، حيث من المقرر أن تتضمن الوثيقة الختامية للورشة توصيات تمثل استراتيجية شاملة تساهم في تعظيم جهود دول منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لمواجهة تحديات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وما يرتبط بهما من جرائم.
جدير بالذكر أن أعمال الورشة تستمر على مدار 4 أيام، بمشاركة عدد كبير من الخبراء وممثلي الجهات والمنظمات الدولية والإقليمية، منها مجموعة العمل المالي FATF، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومعهد التدريب التابع لمجموعة العمل المالي (FATF-TREIN)، والمديرية التنفيذية لمكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة، ومجموعة إجمونت (الاتحاد العالمي لوحدات التحريات المالية)، وغيرها من الجهات الدولية ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب ممثلين من عدة دول مهتمة بجهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.