بابتسامة حتى آخر نفَس، وبأمل ورضا، حافظ الفنان فاروق الفيشاوى على مواجهته مرض السرطان، مانحًا المصابين به أملًا فى التمسك بالحياة، وبقى فى صراعه معه شرسًا فى مقاومته، حتى ودّع الحياة، فجر أمس، مُخلِّفًا حزنًا كبيرًا بين مُحبِّيه وجمهوره، بعد مشوار حافل بالعطاء والتميز لمحمد فاروق فهيم الفيشاوى، الشهير بـ«فاروق الفيشاوى»، الذى وُلد عام 1952 فى المنوفية، وتخرج فى المعهد العالى للفنون المسرحية، وبدأ مشواره الفنى بعدد من الأدوار الصغيرة بالسينما والتليفزيون، حتى جاء فيلم «المشبوه» عام 1981، ومسلسل «ليلة القبض على فاطمة» عام 1982، ليمثلا نقطة انطلاقته الحقيقية، وتوالت نجاحاته فى السينما والتليفزيون والمسرح، الذى كان محطته الأخيرة، حيث شارك فى مسرحية «الملك لير»، ورغم عطائه الفنى ومحنة مرضه، ظل «الفيشاوى» يحلم بالمزيد من الإبداعات والأدوار والنجاحات، التى سطرت نجوميته.
حضور فنى وجماهيرى فى وداع «الفيشاوى»
بحضور أسرته وزملائه ومئات من جمهوره شيّع جثمان الفنان الكبير فاروق الفيشاوى، ظهر أمس من مسجد مصطفى محمود، والذى أعلنت وفاته صباح أمس عن عُمر يناهز67 عامًا، بعد إصابته بغيبوبة كبدية، إثر مضاعفات مرضه بالسرطان، حيث خضع للعلاج منه لمدة تقرب من 8 أشهر، منذ أن أعلن إصابته به فى أكتوبر الماضى خلال تكريمه من مهرجان الإسكندرية السينمائى. وحرص عدد كبير من الفنانين والسياسيين والإعلاميين على الحضور، وشهدت الجنازة حضورا مكثفا من الإعلام والمصورين، ما دفع الفنان أحمد الفيشاوى نجل الفنان الراحل للانفعال على المصورين، كما غادرت الفنانة سمية الألفى - أرملة الفنان الراحل - الجنازة قبل اكتمالها بسبب محاصرتها من الكاميرات، وانهارت الفنانة هالة صدقى، ودخلت فى نوبة بكاء إثر صدمة رحيل الفيشاوى.
وشارك فى تشييع الجثمان د. أشرف زكى، نقيب المهن التمثيلية، ود. خالد عبد الجليل، مستشار وزير الثقافة، والإعلامية بوسى شلبى، والفنانون نبيل الحلفاوى، ورانيا فريد شوقى، ونهال عنبر، وسامح الصريطى، ومحمد ممدوح، ورشوان توفيق، وعمرو يوسف، ودنيا عبدالعزيز، والمخرج عمر عبدالعزيز، وسيد رجب، والموسيقار هانى مهنى، وأحمد عبدالعزيز، وعماد رشاد، وشهيرة، وعمرو محمود ياسين، وخالد زكى، والمخرجة كاملة أبوذكرى، وحمدين صباحى. وعقب الانتهاء من مراسم تشييع الجثمان، توجهت أسرة الفيشاوى وزملاؤه إلى مسقط رأسه بقرية سرس الليان، بمحافظة المنوفية، حيث دُفن جثمانه، وتم أداء صلاة الجنازة للمرة الثانية بالمحافظة فى مسجد الصعيدى ليدفن بمثواه الأخير بمقابر العائلة، التى أعلنت عن إقامة سرادق عزاء أمام مدرسة «غانم بيك»، كما أوصى الراحل، والذى أوصى أسرته أيضا بدفنه إلى جوار شقيقه جلال الفيشاوى، الذى توفى قبل عامين.
ونعت د.إيناس عبد الدايم وزير الثقافة، الفنان الراحل،وقالت إن فن الدراما فقد أحد أبطاله الذين نجحوا فى تجسيد شخصيات متنوعة ، ستظل علامات خالدة فى تاريخ الدراما والسينما والمسرح ووصفته بـ«الحاوي الذي سحر قلوب الجماهير. ونعي إسماعيل مختار رئيس البيت الفني للمسرح الفنان الراحل مؤكدا أنه حفر اسمه بحروف من نور كنجم فى سماء الفن فى مصر و المنطقة العربية.
وحصد الفيشاوى العديد من الجوائز عن أعماله، منها جائزة المجلس القومى لحقوق الأعمال، وشهادة تقدير من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الحادية والثلاثين عن فيلم «ألوان السما السبعة»، وكُرِّم هذا العام فى الدورة الـ67 من المهرجان الكاثوليكى للسينما، حيث أصر على الحضور- رغم مرضه- والاحتفاء بتكريمه. وقال رئيس المهرجان، الأب بطرس دانيال،: «الراحل قامة وقيمة فنية أثرى السينما المصرية والعربية وعندما سألته عن تكريمه فى المركز الكاثوليكى، رحّب قائلًا: (شرف لى وسأحضر بنفسى لأشكركم وأشكر جمهورى)». وكان ينتظر تكريمه من قِبَل المهرجان القومى للمسرح فى دورته المقبلة.
رفض العلاج على نفقة الدولة: «تركتها لمن يستحق»
رغم الآلام التى عانى منها الفنان فاروق الفيشاوى خلال العام الذى شهد اكتشافه لإصابته بمرض السرطان، إلا أنه كان يقابل ذلك بابتسامة وتفاؤل فى الشفاء وحب للحياة، رافضا أن يعطى رسالة سلبية لمن يعانى من السرطان، وكان حتى أيامه الأخيرة صامدا محاربا مبتسما حتى تمكن منه المرض. واقترب من حفيدته لينا، التى كانت مصدر سعادته.
«أنا شخصيا مش منزعج، إنت عندك سرطان» إعلان مفاجئ وصادم لحظة تكريمه بالدورة الأخيرة لمهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى، كان الفيشاوى يروى ذلك مبتسما ومتقبلا لما أصابه وما سيمر به، مؤكدا «سأتعامل معه، وكأنه صداع»، معلنا أنه سيهزمه و«هاجى الدورة الجاية الـ35 للمهرجان عشان أبارك لزميل آخر على التكريم». ورفض «الفيشاوى» تلقى علاجه على نفقة الدولة، وبرر ذلك وقتها قائلا: «الدولة طلبت علاجى على نفقتها، ولكنى تركتها لمن يستحق»، كان آخر ظهور عام للفيشاوى فى عزاء صديقه الفنان الراحل عزت أبو عوف، بدا متماسكا، وأكد أن سيرة الموت لا تشكل كابوسا بالنسبة له، ومعتبرا أن الحياة ليس لها أى قيمة، وأنها قصيرة للغاية، وأن أكثر ما يحزنه هو التفكير فى فقدان شخص عزيز عليه.
الهوارى: حلم بتقديم «على الزيبق»
تغيب الفنان الراحل فاروق الفيشاوى عن تقديم عرض «الملك لير» مع أسرة المسرحية فى السعودية مؤخرًا، بسبب ظروفه الصحية. وقال المخرج مجدى الهوارى: «عندما عرضت الدور على النجم الكبير ووافق كانت لدىّ مخاوف على حالته الصحية بعد إعلانه الشجاع عن إصابته بالسرطان، وأن تكون موافقته فيها إنهاك زائد عليه، لذا استشرت طبيبا متخصصا وأكد لى أن العمل- خصوصا المسرح- هو علاجه الحقيقى، والحافز النفسى الأكبر فى معركته مع المرض اللعين».
وحول اللقاء الأخير مع النجم الراحل، قال «الهوارى»: قدم لى نصا مسرحيا يريد تقديمه فى 2020، وهو «على الزيبق» .