تجددت الاشتباكات التى شهدها ميدان التحرير، مساء الثلاثاء، مرة أخرى صباح الأربعاء، بين الشرطة والمتظاهرين، إذ رفض المتظاهرون تراجع الشرطة وانسحابها من الميدان وبقاءها فى الشوارع المؤدية إلى مبنى وزارة الداخلية، مطالبين بضرورة انسحابها بشكل كلى، بعد أحداث العنف التى وقعت أمام مسرح البالون، ووزارة الداخلية، وميدان التحرير، وأسفرت عن إصابة 1630 شخصاً، حسب تصريحات وزارة الصحة، تم تحويل 75 مصاباً إلى 9 مستشفيات، وتم إسعاف الباقى فى مكان الحادث، وقالت مصادر طبية إن جميع الإصابات متوسطة. تتراوح بين الاختناقات والجروح والكدمات نتيجة التراشق بالحجارة، ولا توجد بينها إصابات خطيرة سوى حالتين فى المشاجرة التى وقعت بالقرب من مسرح البالون، وإن معظم الإصابات كانت من مجندى الأمن المركزى.
وصرح مصدر مسؤول بمجلس الوزراء بأن الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء يتابع الموقف فى ميدان التحرير لحظة بلحظة، مشيراً إلى أن «شرف» يدعو الثوار إلى المحافظة على ثورتهم.
وأمر النائب العام، المستشار الدكتور عبدالمجيد محمود، بتشكيل لجنة من النيابة العامة، للتحقيق فى الأحداث وما صاحبها من تداعيات واشتباكات بين قوات الأمن، والمتظاهرين، كما قرر اللواء منصور عيسوى، وزير الداخلية، فتح تحقيق موسع فى الأحداث وعقد اجتماعاً عاجلاً مع قيادات الوزارة طالبهم فيه بضرورة ضبط النفس واستخدام الحكمة فى التعامل مع المتظاهرين.
وأصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة البيان رقم 65 حول الوزارة قال فيه «إن الأحداث لا مبرر لها إلا زعزعة أمن واستقرار مصر، وفق خطة مدروسة ومنظمة يتم فيها استغلال دم شهداء الثورة بغرض إحداث وقيعة بين الثوار والمؤسسة الأمنية»، مطالباً شباب الثورة بـ«مقاومة هذه الدعوات وإجهاضها. حفاظاً على أمن مصر وسلامتها».
كانت جمعية «الوعد الأمين» أقامت حفلاً لتكريم أسر شهداء الثورة فى مسرح البالون بالعجوزة، مساء الثلاثاء، وتسبب منع رجال أمن المسرح دخول عدد من أسر الشهداء فى نشوب مشاجرة بين الطرفين، اعتدى خلالها كل منهم على الآخر بالشوم والحجارة، وما هى إلا ساعات قليلة على الحادث حتى توجه عدد من الذين تم منعهم من الدخول، إلى ميدان التحرير، وانضم إليهم بعض المعتصمين الذين يفترشون الأرض أمام ماسبيرو، وعندما حاولت قوات الأمن فضهم بالقوة، تدخل عدد من المتظاهرين برشقهم بالحجارة، لتتحول بعدها إلى اشتباكات بينهم وبين الأجهزة الأمنية التى استخدمت القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، وتجددت الاشتباكات بين قوات الأمن التى انسحبت من ميدان التحرير، والمتظاهرين الذين ظلوا يطاردون عناصر الأمن فى شارع محمد محمود المؤدى إلى وزارة الداخلية.
وانسحبت قوات الشرطة من ميدان التحرير فى الثالثة من فجر الأربعاء، بعد أن صدرت أوامر لها بحماية مبنى الوزارة فقط، وهو القرار الذى صدر بعد لقاء جمع اللواء منصور عيسوى وعدداً من أعضاء ائتلاف شباب الثورة، لكن المتظاهرين ظلوا يطاردون عناصر الشرطة المنسحبة، وتبادل الطرفان القذف بالحجارة، فيما استمرت قوات الشرطة فى إطلاق الغاز المسيل للدموع، كما رفض آلاف المتظاهرين مطالبة الدكتور صفوت حجازى، الداعية الإسلامى، لهم بمغادرة الميدان، وتحذيراته ممن سماهم «المندسين والبلطجية».
وقال محمد سيد، أحد المتظاهرين: «لسنا بلطجية، وليس غريباً أن يتحدث أحد الدعاة الذين يظهرون فجأة فى كل مشكلة مع المواطنين كما حدث فى قنا، فهل عدنا للحديث مرة أخرى عن المندسين ومثيرى الشغب؟ إذا كانت الداخلية تصر على اتباع خطى العادلى المتهم بقتل الثوار، وتهين الشهداء وتعتدى بالضرب عليهم، وتعتقل النشطاء، فلينتظروا مصير وزير داخلية مبارك، وما يحدث من استخدام قنابل مسيلة للدموع ورصاص مطاطى واتهام للمتظاهرين يعيدنا لسيناريو جمعة الغضب فى 28 يناير الماضى».
وهتف المتظاهرون الذين تدفقوا بالآلاف إلى ميدان التحرير للتضامن مع أسر الشهداء، الذين تم الاعتداء عليهم: «اضربونا بالرصاص.. احنا عايزين القصاص» و«حط العادلى جنب مبارك.. دم الشهدا تارى وتارك»، مطالبين بضم الرئيس السابق حسنى مبارك، إلى وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى، فى قضية قتل أكثر من 800 شهيد، وإصابة نحو 6500 جريح خلال الثورة، ومنددين بمواصلة ما سموه «القمع والتخوين ومحاولة تشويه الثورة للتهرب من محاكمة القتلة».
وأحكم المتظاهرون قبضتهم على ميدان التحرير، وامتدت صفوفهم من كوبرى قصر النيل حتى منتصف شارع محمد محمود، كما انتشروا حتى ميدانى الشهيد عبدالمنعم رياض، وطلعت حرب، ليفتحوا الطريق أمام المزيد من المواطنين للانضمام لهم عبر كوبرى قصر النيل، وكوبرى 6 أكتوبر، ومناطق باب اللوق، وعابدين، ودخلت الشرطة فى صدامات عنيفة مع المتظاهرين، مستخدمة القنابل المسيلة للدموع، ونجحت لمدة نحو ساعة، وحتى الواحدة والربع تقريباً من صباح أمس، فى إغلاق الميدان، لكن توافد آلاف المتظاهرين، دفعها إلى التراجع نحو شارعى محمد محمود وقصر العينى، لتتمركز هناك وتطلق وابلاً من القنابل. وتحصنت قوات الأمن المركزى والمدرعات فى امتداد شارع محمد محمود حتى تقاطعه مع شارع منصور المؤدى إلى وزارة الداخلية، مدخل منطقة عابدين مع امتداد شارع شريف، وبعد تجدد الاشتباكات بين الأمن المركزى والمتظاهرين دعت حركات ومنظمات إلى النزول للمشاركة فى مظاهرة واعتصام للتعجيل بمحاكمة مبارك والعادلى فى قضية واحدة بتهمة قتل الثوار.
وتجمع حوالى 150 شخصاً من أسرة وأصدقاء المتضامنين مع الشهيد محمود خالد قطب، آخر شهداء ثورة 25 يناير، الذى وافته المنية، فجر الاثنين الماضى، فى شارع جانبى بجوار وزارة الداخلية وقذفوا مبنى الوزارة بالحجارة، واتجهوا بعد ذلك إلى ميدان التحرير.
وطالب المتظاهرون الذين هددوا بالاعتصام أمام مبنى الوزارة، النائب العام ووزير العدل بسرعة محاكمة قتلة المتظاهرين عمداً، أسوة بما حدث مع أمين الشرطة، محمد السنى، الذى حكم عليه بالإعدام غيابياً بتهمة قتل المتظاهرين أمام قسم شرطة الزاوية الحمراء خلال الثورة.