كثيرة هى مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، منذ تأسست عام 2002 بحق متهمين أدينوا بالضلوع فى تخطيط أو تنفيذ جرائم حرب فى شتى أنحاء العالم. وكلما خرجت وسائل الإعلام تزف النبأ، تلته موجة من ردود الفعل الدولية والمحلية، بين مرحبة وغاضبة، ليظل تنفيذ تلك القرارات، بل تحريكها منذ البداية، مرهونا بالمواقف «السياسية» والمصالح الدولية للقوى الكبرى.
هكذا جاءت أحدث مذكرة اعتقال بحق العقيد الليبى معمر القذافى ونجله سيف الإسلام وصهره رئيس المخابرات بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ليكون ثانى رئيس دولة تلاحقه هذه المحكمة أثناء وجوده فى السلطة، بعد نظيره السودانى عمر البشير.
ومن أبرز من صدرت بحقهم مذكرات «الجنائية» أيضاً الرئيس الصربى السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، بتهم ارتكاب جرائم حرب فى البوسنة. كما تلقى نظيره الليبيرى السابق أيضا تشارلز تايلور أوامر مماثلة. لكن كليهما صدرت بحقهما أوامر الإيقاف بعد خروجهما من السلطة. وتفرض المقارنة نفسها بين ملابسات ونتائج صدور قرار المحكمة فى هذه الحالات الأربع. فمن المصادفة أن القرار الخاص بالقذافى صدر فى وقت كان فيه البشير يزور الصين، وسط انتقادات دولية، واستياء أمريكى حاد لاستقبال بكين شخصية ملاحقة دوليا، علما بأن الولايات المتحدة واحدة من أبرز الدول الرافضة لشرعية المحكمة الجنائية.
وعلى ذلك يعلق ياسر فتحى، المحامى فى النقض والخبير فى القانونى الدولى، قائلا «البشير يستيطع التحرك فى دول كثيرة دون خوف، لأنه وسائر الحكومات المنتقدة لمواقف المدعى العام يعلمون جيدا أن الأثر القانونى لقرار لمحكمة الجنائية ضعيف جدا».
وأضاف «الحسبة السياسية هى التى تحدد كل شىء.. لا توجد عقوبات رادعة أو آثار واقعية تترتب على مخالفة قرار المدعى العام، وهذا ما يجعل القرار قاصرا».
الأمر نفسه أكده دكتور سعيد اللاوندى، أستاذ العلوم السياسية، قائلا إن «لويس مورينو أوكامبو، المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية يسير وفق هوى الولايات المتحدة. عندما كانت واشنطن غاضبة على البشير، صدرت المذكرة، وعندما جرت التهدئة، تم تجميد المذكرة.
واعتبر المحامى الدولى ياسر فتحى أن المصلحة السياسية أيضا حكمت قرار توقيف ميلوسوفيتش. وأضاف «التصور السياسى لاستقلال كوسوفو، وإعادة الصياغة الجغرافية للمنطقة، هما اللذان نتج عنهما تفعيل القرار ضد ميلوسوفيتش. والأمر نفسه انطبق على الرئيس الليبيرى».
من هنا رأى اللاوندى أن هذه المذكرات «لا مصداقية لها، على الأقل فيما يتعلق بالقذافى، فالمذكرة الصادر بحقه ليست سوى مناوشة، لأسباب عديدة، أولها أن هناك دولا كبرى لها مصالح مع ليبيا. كانت المحكمة الجنائية قد تأسست فى مدينة لاهاى الهولندية كأول محكمة قادرة على محاكمة أفراد متهمين بجرائم إبادة جماعية وأخرى ضد الإنسانية.