x

عمار الشريعى: لو حرَّموا الفن «هاغنى» فى ميدان التحرير «لحد ما أموت »

الخميس 05-01-2012 14:57 | كتب: محسن محمود |

رغم أوجاع قلبه التى لم تنته بعد جراحة ناجحة فى لندن، يحرص الموسيقار الكبير عمار الشريعى على متابعة الأحداث الساخنة التى تدفعه أحيانا إلى البكاء، فوريث جيل العمالقة من الملحنين لديه رؤية شديدة الحكمة للواقع السياسى والاجتماعى الذى نعيشه منذ قيام ثورة 25 يناير، وقراءاته للمشهد الراهن جديرة بالاهتمام. وفى حواره مع «المصرى اليوم» يكشف عمار الشريعى عن رؤيته لمستقبل الفن، فى ظل تفوق التيارات الإسلامية فى الانتخابات البرلمانية ويحدد أسباب الفجوة بين التيارات الليبرالية والمواطن العادى.

■ كيف ترى الانتخابات البرلمانية؟

- أنا لا أغير مواقفى، وسبق أن قلت إذا جرت انتخابات ديمقراطية فلابد أن نحترم نتائجها سواء كانت لنا أو علينا، ولا أقول إن الانتخابات سليمة بنسبة 100% بل شهدت بعض العيوب، لكنها تعتبر معقولة جداً فى ظل الظروف الحالية، وبالتأكيد كنا نعرف أنها ستشهد بعض المشاكل، وبعضنا كان واثقا أن المشاكل ستكون أكثر مما حدث.

■ ما المشاكل التى شهدتها الانتخابات من وجهة نظرك؟

- أبرز المشاكل استعمال الدين للمرة الثانية بعد الاستفتاء، ورغم قسوة الدرس إلا أننا لم نتعلم، ولم نتوقف عند خطورة أن تتهم خصمك السياسى بالكفر، وأن تستعمل الدين كسلاح تضرب به المعارض، ولم ندرك أننا «بنلعب سياسة»، وبصدد اختيار مواطن مثلنا، يدافع عن حقوقنا وعن القوانين اللى تهمنا، وكذلك قد يؤدى لأهالى دائرته بعض الخدمات، فما الداعى لاستخدام سلاح التكفير؟ هذا السلاح الهمجى، فضلا عن الضغط الذى تسبب فيه الازدحام الشديد وأدى لإغلاق بعض اللجان لكن بشكل عام الانتخابات كانت معقولة جداً.

■ هل ترى أن استخدام سلاح الدين كان مؤثراً لهذه الدرجة؟

- بالتأكيد، وأرى أن أى دائرة شهدت مثل هذه التجاوزات واعتمد المرشحون فيها على الدعاية الدينية يجب أن تعاد الانتخابات بها لتنضبط الأمور.

■ فى ظل مخاوف البعض من سيطرة الإخوان على البرلمان، هل تتفق مع من يرون أن هذا الوضع يعيد للذاكرة احتكار الحزب الوطنى للساحة السياسية؟

- طبعاً هذا الاحتمال مخيف جداً، وإن كنا حتى هذه اللحظة لم نر من الإخوان إلا الوجه المبتسم اللطيف الجميل، ولو ظلوا على هذا الحال «أهلا وسهلا بيهم»، وأنا ليست لدى خصومة شخصية مع الإخوان، فخصومتى مع الفكر، ومع كل من يريد الانتقاص من حريتى وحرية الآخرين.

■ تقصد التيارات الدينية التى تحرم الفن؟

- أقصد كل فكر يصادر الحرية ويعادى قيم الجمال وما أؤمن به من أفكار.

■ لو جاء هؤلاء إلى الحكم وحرموا الفن، فماذا سيفعل المبدعون؟

- «يضحك بشدة»، نتجوز ونقعد فى البيت، المسألة لا تخص عمار الشريعى فقط، فنحن بلد مصدر للإبداع، ولدينا فكر وثقافة وليس لدينا بترول، ورغم أننى أستبعد حدوث هذا لكن لو حدث فأنا شخصيا لن أسكت ولا أعرف بالضبط ما الذى سأفعله لكنى واثق من أننى لن اسكت ولن أستسلم.

■ هل ستنزل مثلا للتظاهر أو الاعتصام فى ميدان التحرير؟

- ليه لأ؟ ربما أنزل التحرير وأمسك عودى و«أفضل أغنى لحد ما أموت»، وإن كنت فى الحقيقة أستبعد هذا.

■ لكن البعض يقول إنهم لن يمنعوا الفن لكنهم سيضعون عليه قيودا رقابية وقانونية تتفق مع ما يرونه صوابا وضد ما يرونه ابتذالاً.

- نحن كمجتمع نريد أن يختفى الفن المبتذل من حياتنا، وأنا شخصياً أريد أن أرتاح منه، ولكنى كنت أفضل أن يحدث هذا بإرادة شعبية وليس بقرارات حكومية، كنت أفضل أن يكون هذا باختيار الشعب المصرى، بمعنى أنه عندما يسمع أغنيات تحمل إيحاءات جنسية يغير القناة ويحذفها فورا من قوائم القنوات التى يتابعها، وأرفض أن يكون بقرار سياسى أو سيادى.

■ ألا ترى أن تفوق التيار الإسلامى كان مفاجئاً فى ظل ارتفاع صوت الليبراليين والشعور العام بأنهم موجودون ومؤثرون؟

- كان مفاجئا لدرجة جعلتنى لا أعرف هل أضحك أم أبكى، أنا مثلا انتخبت الكتلة المصرية وكل من أعرفهم انتخبوها، وفوجئت عند ظهور النتائج بأنها «اتشيعت» ولم تحصل على نصف ما توقعناه لها.

■ لكن الليبراليين موجودون أكثر فى الإعلام ورغم ذلك لم يستطيعوا التأثير على المواطن البسيط؟

- من الواضح أننا كطبقة مثقفة منفصلون عن المواطن البسيط، والكلام الذى نتحدث فيه لا يخص هذا المواطن، يعنى أنا مهما تحدثت عن الفن وحرية الإبداع فهذا لا يهم سكان العشوائيات، هم يريدون الاطمئنان على قوت يومهم، والخدمات الإنسانية البسيطة مثل إنشاء مستوصف خيرى، أو حضانة، والإخوان متواجدون فى هذه المناطق بشكل كبير جدا.

■ هل ترفض هذا الأسلوب من جانبهم؟

- بالعكس، هذا يحسب لهم، لكن دعنا نتساءل، فى حالة تسلمهم السلطة كيف سيتصرفون؟ وهل معنى أنهم تغلغلوا داخل الطبقة غير القادرة فى الشعب المصرى أنهم قادرون على حل المشاكل الكبيرة فى حياتنا؟ والتى قد لا يدركها أو يهتم بها رجل الشارع والإنسان البسيط الطيب المهموم بالبحث عن «لقمة عيشه»، هذا هو السؤال المهم، خاصة أننا نعانى من أوضاع صعبة تهدد بانهيار الاقتصاد، ونواجه أزمة لا تحل بالكلام أو الشعارات، ولدينا انهيار فى قطاع السياحة مثلاً.

■ بالمناسبة كيف ترصد التخوفات على قطاع السياحة عقب تصريحات بعض رموز التيار الإسلامى؟

- أنا لم أسمع شيئاً يثير القلق صادر عن جماعة الإخوان المسلمين أو أى من قياداتهم أو كوادرهم.

■ لكن السلفيين قالوا كلاماً يبدو مخيفاً؟

- السلفيون وليس الإخوان، وأعتقد أنه من الضرورى التفرقة بين التيارين، ومؤخراً تحدث معى أحد قيادات الإخوان المسلمين وقال لى «أنتم ليه بتلخبطوا بينا وبين السلفيين؟» وأخبرنى أنهم لا يريدون إحداث تغييرات كبيرة فى قطاعى الفن والسياحة وأنهم ليسوا مشغولين بمثل هذه الأمور.

■ وما رأيك فى تصريحات السلفيين خلال الفترة الماضية؟

- أستغرب جداً عندما أستمع إلى تصريحات عجيبة مثل قول أحدهم «سنذيق العلمانيين ما أذقناه للتتار والصليبيين»، فضلاً عن الكلام العجيب الذى أطلقه أحد قادة التيار السلفى متهما أدب نجيب محفوظ بأنه يدعو للفجور.

■ أليس غريباً أن يحقق السلفيون هذا النجاح فى الانتخابات رغم ابتعادهم عن السياسة؟

- لم يكن لهم علاقة بالسياسة لكن طوال عمرهم طامحون إلى الحكم، وهذا الطموح يعود إلى أيام الرئيس السادات، ولهذا اغتالوه وحتى الآن هم يرغبون فى الوصول إلى الحكم، ليس حكم مصر فقط لكنهم يتحدثون عن الخلافة، ومصر بالنسبة لهم مجرد بلد، وجزء، وهم يريدون إقامة خلافة تشمل الأمة الإسلامية مثل أيام العباسيين والأمويين، ولا يعترفون أن ركب الحضارة الإنسانية غادر هذه المحطة منذ زمن بعيد جدا، وأن هناك من سبقونا وأصبحت هناك حضارات نحن نأخذ منها، فنحن تراجعنا وهم تقدموا ولا يجوز أن نعود للوراء مرة أخرى.

■ قلت إنك انتخبت «الكتلة المصرية»، لماذا لم تحقق الكتلة أو الأحزاب الأخرى نجاحاً كبيراً رغم انتماء شخصيات لامعة إليها؟

- هناك انفصال بين الأحزاب الجديدة وأصوات الجماهير المصرية، فضلا عن عامل الوقت فحزب المصريين الأحرار تم تكوينه من 3 أو 4 أشهر، ولم يجد وقتاً كافياً للتحضير للمعركة الانتخابية، واستخدم منافسوه حرباً نفسية ضده، وكان من السهل «ضربه» بشائعة مثل أن «الكنيسة تدعمه أو تنفق عليه».

■ ما رأيك فى المجلس الاستشارى؟

- بصراحة لا أفهم المنطق الذى قام عليه وإن كنت أظن أنه «رمانة ميزان» وشكله الجيش ليسانده فى حالة مغالاة التيار الدينى أو الأحزاب الإسلامية فى مطالبهم.

■ لهذا انسحب الإخوان من المجلس؟

- لا، هم انسحبوا بسبب تصريحات اللواء مختار الملا.

■ ما رأيك فى تصريحاته؟

- أعتقد أن اللواء مختار كان لابد أن يفكر 20 مرة قبل أن يقول هذا الكلام لصحيفة الجارديان، لأن الخواجات يثقون فى تقارير جماعات حقوق الإنسان وأيضاً تقارير الأطباء والصور ولا يصح أن أقول إن المجلس المنتخب لا يمثل الشعب المصرى «أمال بيمثل مين؟» ومن الواضح أنه تسرع.

■ بعد مرور الانتخابات بسلام، هل ترى أن عنصر الأمن كان من الممكن أن يتوفر فى الشهور العشرة الماضية؟

- مشكله الأمن كبيرة جداً، وبصراحة لا أستطيع أن أفهمها وأرى أن جهاز الشرطة بكفاءته الناقصة يستطيع حل مشكلة الأمن خلال يومين أو أسبوع كحد أقصى، فما بالك بالجيش، وأقصد بذلك أن هناك تقاعساً ما أو هناك من يرغب فى وجود خلل أمنى ويظل الشعب المصرى يعيش فى حالة رعب وتوجس حتى يركع ويقول «حقى برقبتى» ويترحم على أيام النظام السابق، لذلك أتوقع أن يكون هناك أياد من النظام السابق مازالت تلعب، خاصة أن لديهم بلطجية الداخلية الذين يستطيعون تحريكهم فى أى وقت، وهناك شخصيات مثل أحمد عز وأنس الفقى لديهما هذه القدرات.

■ هل تؤمن بنظرية المؤامرة؟

- أحياناً، وبالتحديد فى ملف الأمن المصرى لا أستطيع أن أستبعد ذلك.

■ لماذا لم تنزل للميدان مرة أخرى بعد الأحداث الأخيرة؟

- حالتى الصحية منعتنى لأننى كنت عائداً من إنجلترا بعد أن خضعت لإجراء جراحة فى القلب، ولو كان الأمر بيدى لنزلت حتى لو أصبت بجلطة مرة أخرى، وأتذكر أنه أثناء تواجدى داخل المستشفى فى لندن تركتنى زوجتى وابنى ليشتريا بعض الأطعمة، وجلست بمفردى وخطرت ببالى فكرة أغنية وكدت أن أتصل بعبدالرحمن الأبنودى لكنى تراجعت وتركت لنفسى الفرصة حتى تكتمل الفكرة، وبعد دقائق بدأت الفكرة تتسع، لدرجة أنها تحولت إلى حالة بكاء شديد، ولم أستطع أن أتمالك نفسى رغم أننى كنت تحت جهاز التنفس الاصطناعى إلى جانب الحقن الموضوعة فى الوريد ورقبتى، وربما ساهمت هذه الحالة إلى حد ما فى إحساسى بالوحدة، خاصة أننى وصلت إلى مرحلة فقدت فيها الأمل، وأدركت أن الثورة سرقت، وفجأة دخلت زوجتى الغرفة ووجدتنى فى حالة صعبة جدا ودموعى تتساقط بغزارة شديدة وسألتنى عن السبب فشرحت لها الأغنية لكنها لم تصدقنى، وعندما حاولت شرح الفكرة انهمرت دموعى بكثافة مرة أخرى، لكن عندما قامت الثورة الثانية كانت السماء أمطرت وغسلتنى وشعرت أن روحى عادت وأن الثورة لن تهزم.

■ هل اكتملت الأغنية؟

- لا، فلم أعطها للأبنودى، حيث وجدت أن وقتها فات.

■ ما الذى أردت أن تقوله فى هذه الأغنية؟

- كان هدفى أن أوقظ الشعب وأقول كلام «يصحى الناس»، وكنت أفكر فى جيلين، أحدهما جيلى والآخر جيل غادة رجب وشيرين عبدالوهاب، وتدور الأغنية حول فكرة «أنى مش هموت لأن موتى فيه موتك، وأنا مش هنحنى لأن انحنائى فيه ركوعك» وخلال الأغنية أربط الجيلين، وعندما أذكر جملة «أنا مش هموت» تنهال دموعى بكثافة.

■ هل دموع عمار الشريعى قريبة دائماً؟

- دموعى كانت «عزيزة» فى شبابى لكن بعد أن تقدم بى العمر أصبحت قريبة جدا، ولا تسألنى لماذا، وأتذكر فى إحدى المرات تساقطت دموعى عندما سمعت خبر أن أحد أصدقائى دخل المستشفى بعد تعرضه لجلطة فقالت إحدى صديقاتى الممثلات «يا قوة الله الجبل يبكى»، أما الآن أصبح الجبل «بيخر».

■ ما الشىء الذى يجعلك تبكى؟

- كثيرا، بداية من طفل مريض ويصرخ من الألم، مروراً بعشرات المواقف المؤثرة وفى إحدى المرات استضاف محمود سعد أم الشهيد الذى راح ضحية اعتصام مجلس الوزراء وطوال الحلقة لم أتمالك نفسى وانهمرت دموعى بكثافة شديدة وفى النهاية اضطررت لإغلاق التليفزيون.

■ هل ترى أن الأمن تعامل بقسوة مع المتظاهرين؟

- بتوحش شديد وفى النهاية يؤكدون أنهم لم يضربوا بل آخرون، رغم أن ذلك يدينهم لأنهم أمن ومن المفترض أن يتم ضبط أى شخص خارج على القانون.

■ وما رأيك فى نموذج عسكرى الأمن المركزى؟

- قدم هذه النموذج العبقرى أحمد زكى فى فيلم «البرىء» للمخرج عاطف الطيب، والعسكرى الذى نشاهده حاليا يشبه بالضبط أحمد سبع الليل بطل «البرىء» فهو يأخذ الأوامر بأن يضرب عدو الوطن، وبالتأكيد هم يحصلون على «كورسات» غسيل مخ.

■ ما رأيك فى واقعة جلوس المعتصمين أمام مجلس الوزراء واعتراضهم على الجنزورى؟

- أعتقد أن هذا الموقف كان فيه مبالغة، والمشكلة من وجهة نظرى هى تشتت الشباب مما يسهل عملية ضربهم، والسبب الذى جعلهم يحققون الانتصار فى يناير هو الوحدة والتكاتف، لكنهم أصبحوا 62 حزباً ومنهم من لديه أطماع أو رغبة فى الظهور فى التليفزيون، وأعتقد أنه من الأفضل لهم التوحد والاندماج فهناك مثلا أحزاب وافقت على الجنزورى وتركت ميدان التحرير وهذا غير مقبول، فلابد أن يكون قرارهم واحداً مثل ثورتهم على النظام السابق.

■ وكيف ترى حكومة الجنزورى؟

- لا يوجد لدى شك فى وطنية الدكتور كمال الجنزورى أو رغبته فى الإصلاح، لكن لا أعلم هل بعد هذه الفترة الطويلة من الصمت والابتعاد مازال لديه القدرة على العمل؟ أو بمعنى آخر كما سمعت الكابتن أحمد شوبير فى برنامج إذاعى يتساءل هل يا ترى الدكتور كمال الجنزورى «لسه فورمة؟».

■ هل من الممكن أن يكون رجل هذه المرحلة؟

- لا أعلم، لكن أرى أننا لابد أن نمنحه الفرصة خاصة أن الفترة الزمنية للحكومة لا تتخطى 6 أشهر.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية