ألقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، الأربعاء، كلمة خلال مشاركته في منتدى الأعمال العربي الألماني في دورته الـ22 والذي يٌقام في برلين.
ورحب مدبولي بالحضور، معرباً عن تقديره لغرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية على تنظيم هذا الحدث الهام، مضيفا:«إنه لمن دواعي سروري أن يتم استضافة جمهورية مصر العربية كضيف شرف في الجولة الثانية والعشرين للمنتدى».
وأضاف رئيس الوزراء أن مثل هذه الأحداث هي منصات مثالية لمجتمع الأعمال لمناقشة واستكشاف الفرص المحتملة، والمساهمة بلا شك في زيادة تعزيز العلاقات العربية الأوروبية بشكل عام، والعلاقات المصرية الألمانية بشكل خاص على جميع المستويات.
وأوضح أن العلاقات العربية الألمانية لطالما كانت قوية، مشيراً إلى أن مصر كجزء من العالم العربي قامت بتنويع سبل التعاون والاتفاقيات في العديد من المجالات، اقتصاديًا وسياسيًا وماليًا واجتماعيًا، ونوه إلى أن ألمانيا لطالما كانت نموذجًا يحتذى به في العالم بأسره في مجال التكنولوجيا، والتعليم الفني، والطاقة، وكذلك العديد من المجالات الأخرى، مضيفاً أن الباحثين من جميع أنحاء العالم يهدفون إلى الدراسة والتدريب والعمل في ألمانيا كنقطة إنطلاق لتحقيق النجاح والتميز.
ولفت رئيس الوزراء إلى أن السنوات الخمس الماضية شهدت تبادل الزيارات بين قيادات البلدين الرئيس عبدالفتاح السيسي والمستشارة أنجيلا ميركل، حيث تعد مصر ثالث أكبر شريك تجاري لألمانيا في الشرق الأوسط، معرباً عن تقديره لما أظهرته الحكومة الألمانية من دعم وثقة قويين في بيئة الاستثمار والأعمال المصرية، حيث تنوعت الاستثمارات الألمانية في مصر في قطاعات مختلفة مثل (الطاقة، الصناعة، السياحة، البناء، خدمات الرقمنة، وغيرها)، فضلاً عن احتلالها المرتبة الأولى للوفود السياحية الأجنبية الوافدة إلى مصر للعام الرابع، قائلاً:«نحن نتوقع بثقة المزيد والمزيد من السياح لزيارة أماكنهم المفضلة في مصر».
وأعرب «مدبولي» عن فخر مصر بتكريم المهندس المصري هاني عازر بوسام الاستحقاق من الطبقة الأولى لجمهورية ألمانيا الفيدرالية، الأسبوع الماضي، لعمله وإنجازاته في المجالات الهندسية والبنية الأساسية، حيث يعد تبادل الخبرات والخبراء في مختلف المجالات من أبرز صور التعاون بين مصر وألمانيا، قائلاً :«إننا نعتقد اعتقادا راسخا أنه لا يزال هناك الكثير من إمكانات التعاون غير المستغلة بين البلدين والتي يمكن أن تسرع النمو والتنمية والرفاهية لكلا البلدين وشعبيهما».
وأشار إلى أهمية الزيارة والتي تأتي للتأكيد لمجتمع الأعمال الألماني والعربى أن مصر كانت وستظل دائمًا أرض الفرص، مع معدل العائد على الاستثمار بنسبة 30٪ مع المخاطر المحسوبة، و«نحن متأكدون من أننا محور للتجارة، ومحور للسياحة، ومحور للطاقة، وقبل كل شيء محور للشباب الموهوبين المتحمسين».
وفي كلمته، شدد رئيس الوزراء على أن «نجاح مصر الاقتصادي لم يحدث بين عشية وضحاها، ولم يحدث عن طريق الصدفة، بل حدث ذلك بسبب الاقتناع بأنه يجب مكافأة العمل الجاد في هذا البلد، ولأنه سبق وحدث في كل منعطف في تاريخنا- ليس مرة واحدة فقط، وليس مرتين فقط، ولكن مرارًا وتكرارًا- اجتمعنا مجددًا لإعادة تشكيل أنفسنا؛ اجتمعنا كأمة واحدة وفعلنا ما هو ضروري للفوز بالمستقبل، لهذا السبب أنا واثق من أننا سنربح المستقبل مرة أخرى».
وأعرب عن حرصه لاغتنام هذا الحدث الهام لاستعراض الخطوات الرئيسية في الإصلاح الاقتصادي، حيث وضعت الحكومة المصرية في عام 2014 رؤية عظيمة لمصر مزدهرة، وطرح برنامج إصلاح اقتصادي واجتماعي طموح لم يسبق له مثيل في نطاقه، حيث أطلقنا في فبراير 2016 «استراتيجية للتنمية المستدامة: رؤية مصر 2030»، لتكون الإطار العام للبرامج الحكومية القادمة في المستقبل، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى ضمان الاتساق بين الجهود في المدى الطويل مع برامج وخطط التنمية المؤقتة، والتي شملت برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي الذي أطلقته الحكومة في نوفمبر 2016.
ولفت رئيس الوزراء النظر إلى إشادة المؤسسات الدولية ببرنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر، والذي دفع بمعدلات النمو إلى آفاق أرحب، وخفض معدلات البطالة وقلص عجز الميزانية، مشيراً إلى أن الاقتصاد المصري بدأ في جني ثمار التدابير التي بدأت في نوفمبر 2016، بما في ذلك رفع القيود المفروضة على العملة، وزيادة الضرائب وخفض الدعم على الوقود.
كما نوه إلى أن معدل النمو الاقتصادي في مصر في الربع الثالث من عام 2018/2019، بلغ 5.6 ٪ مقارنة بنسبة 2.1 ٪ خلال 2012/2013، بينما استمر التضخم في التراجع، على الرغم من الضغط التصاعدي الناجم عن انخفاض الدعم والزيادات اللاحقة في تكاليف الطاقة وأسعار النقل، وكذلك تباطأ معدل التضخم الرئيسي إلى 13.2٪ سنويًا في مايو 2019 من مستوى قياسي بلغ 34.2٪ في يوليو 2017.
كما سلط «مدبولي» الضوء على كون مصر على المسار الصحيح لتحقيق فائض أساسي هذا العام (2018/2019) بقيمة 2 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي لأول مرة منذ 15 عاما مقابل عجز أساسي بقيمة 5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في 2012/2013، مضيفا أن الاحتياطيات الأجنبية انتعشت لتتجاوز مستويات ما قبل عام 2011، حيث وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 44.3 مليار دولار بنهاية مايو 2019، مما سمح لمصر بأن يكون لها صندوق مؤقت يمكنه تمويل فاتورة واردات مصر لأكثر من 8.5 أشهر مقارنة بـ 14.9 مليار دولار في يونيو 2013.
وذكر أن الحكومة تهدف إلى تخفيض الدين العام ليصل إلى 80 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 مقارنة مع 107.8٪ في السنة المالية 2016/2017، موضحا أن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر ارتفع إلى 7.72 مليار دولار في السنة المالية 2017/2018 مقارنة بـ 4.18 مليار دولار في السنة المالية 2013/2014، مضيفاً أن آخر موجز صادر عن البنك الأفريقي للتنمية بشأن نتائج أداء الدول، أشار إلى أن مصر استعادت موقعها كوجهة أولى للاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا.
ونوه «مدبولي»، خلال كلمته، إلى أن معدل البطالة انخفض إلى نحو 8 ٪ في مارس 2019 مقارنة مع 12.7 ٪ في 2011-2013، وهو ما ساهم في خلق المزيد من فرص العمل للشباب وشرائح الشعب المصري، موضحاً أن معدل البطالة يعد هو المعيار الأكثر أهمية فيما إذا كانت معدلات النمو الحالية تستفيد منها قطاعات أوسع من السكان أم لا.
وشدد رئيس الوزراء على أن الحكومة المصرية لم تطبق إجراءات الإصلاح المالي فحسب، بل طبقت الإصلاحات الهيكلية والقطاعية من أجل تحقيق نمو شامل ومستدام، على سبيل المثال لا الحصر، زادت مخصصات الميزانية لدعم الغذاء إلى 87 مليار جنيه في 2018/2019 مقارنة بـ 35 مليار جنيه في 2013/2014، مضيفاً أن مخصصات الميزانية السنوية لمعالجة المواطنين بما في ذلك تغطية فاتورة التأمين الصحي، زادت إلى 9 مليارات جنيه في 2018/2019 بعد أن كانت ما يزيد قليلاً عن مليار جنيه في 2013/2014، كما أوضح أن مخصصات الميزانية لتمويل برامج التحويلات النقدية (تكافل وكرامة) بلغت 17.5 مليار جنيه في عام 2018/2019 مقابل أقل من 5 مليارات جنيه في 2013/2014.
وخلال كلمته، أعرب «مدبولي» عن أن هذه التدابير والإصلاحات استندت إلى: أولاً: تقديم مجموعة من القوانين والتشريعات التي تهدف إلى رفع كفاءة المؤسسات وتعزيز بيئة الأعمال التجارية من خلال إصدار قانون جديد للخدمة المدنية وقانون الترخيص الصناعي وقانون الاستثمار الجديد، وتهدف القوانين السابقة إلى تبسيط إجراءات إنشاء المشاريع، وتحسين بيئة الأعمال وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي. وثانياً: تكثيف الاستثمار في مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك مشروع شبكة الطرق الوطنية، وتطوير محور قناة السويس وإنشاء مناطق صناعية ومدن جديدة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، وغيرها من المشاريع الوطنية التي لها آثار اقتصادية واجتماعية.
وفي ضوء تنفيذ رؤية مصر 2030، قال إن الحكومة المصرية تطبق خطة شاملة للإصلاح الإداري والرقمنة بما في ذلك العمل على تحقيق الإصلاح التشريعي، من خلال تحديث القوانين التي تنظم عمل الوحدات الإدارية للدولة، والتطوير المؤسسي، والتدريب، وبناء القدرات، وتحسين وميكنة الخدمات الحكومية لتلبية الاحتياجات والحصول على رضا المواطنين، مؤكدا أنه تم وضع هذه الإستراتيجية الواضحة والمصممة بشكل مدروس، والتي تشمل مجموعة شاملة من السياسات والمشروعات، بهدف تعزيز النمو والإنتاجية والاستثمار وخلق فرص العمل، وفي نهاية المطاف، توفير مستقبل أفضل لجميع المصريين.
وأوضح «مدبولي» أن الدعائم الرئيسية لتلك الاستراتيجية تشمل استقرار الاقتصاد الكلي والتوحيد المالي، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص، مع الاعتماد على التحول التكنولوجي والرقمي، بالإضافة إلى الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، مثل مشروع قناة السويس الجديدة، وتوسيع شبكة الطرق الوطنية.
وخلال الكلمة، أشار رئيس الوزراء إلى أن تطوير البنية التحتية كان حجر الزاوية الرئيسي لتحقيق استراتيجية التنمية في مصر، موضحاً أن ذلك استلزم إطلاق سلسلة من المشاريع الضخمة الوطنية، وضخ استثمارات ضخمة لتعزيز التواصل من خلال بناء وتحسين الطرق والجسور والأنفاق والموانئ، بالإضافة إلى تعزيز الوصول إلى خدمات عالية الجودة مثل المياه والصرف الصحي وتوسيع وتحسين شبكة الكهرباء الوطنية.
علاوة على ذلك، فقد أشار «مدبولي» إلى أن مصر شرعت في أكبر توسع حضري في تاريخها، قائلاً:«لقد بنينا عددا من المدن الجديدة لاستيعاب عدد سكاننا المتزايد وتوفير مستويات معيشة عالية الجودة لمواطنينا، وكل هذا يتطلب توسيع قدرة البلاد على تلبية الطلب المتزايد على الطاقة وتوفير العجز فيها وهو ما كان من بين الأولويات العليا للرئيس عبدالفتاح السيسي منذ توليه منصبه لأول مرة«، مضيفا:»اليوم مصر تمتلك أكبر شبكة كهرباء في المنطقة بأسرها، ولم تحقق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الطاقة فحسب، ولكن أيضًا وفرت فائضاً إضافي للتصدير«.
وخلال كلمته أعرب عن فخره كون مصر تمتلك الآن أكبر محطة لإنتاج الطاقة الشمسية في المنطقة «بنبان» والتى تعد أحد المعالم البارزة التي تدعم تحقيق النمو المستدام، وتمهد الطريق أيضًا لخلق فرص عمل لائقة، كما تعد نموذجا أيضا للشراكة مع القطاع الخاص.
ومن ناحية أخرى، لفت «مدبولي» النظر إلى التقدم الكبير في اكتشافات النفط الذي تم إحرازه، وتحديداً حقول الغاز الطبيعي، والتي تسمح لمصر بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، وكذلك تحويل البلاد إلى مركز دولي لتسييل الغاز وإعادة تصديره إلى جميع دول العالم، مضيفا: «أننا الآن نحصد نتيجة ما قمنا به، حيث أن مصر الآن هي ثاني أسرع اقتصاد نمواً بعد دول شرق آسيا، ومعدلات التضخم والبطالة في انخفاض، وأنه نظراً لأننا في عصر الثورة الصناعية الرابعة والتحول الرقمي فهذا يتطلب مننا النهوض بإنتاجنا واستهلاكنا للطاقة المتجددة».
وتابع: «أود أن أؤكد لكم أن مصر لم تكن قادرة على تحقيق كل ذلك خلال السنوات الخمس الماضية دون الشراكة الكاملة مع القطاع الخاص»، مضيفاً «أننا نعمل على تنفيذ سياسات مصممة لتوفير بيئة أعمال تنافسية وجذابة، من خلال إطار تنظيمي داعم لتشجيع مشاركة القطاع الخاص في عملية التنمية».
وخلال كلمته، أكد «مدبولي» أن «تمكين الشباب والنساء كان في صلب الأهداف الإنمائية لمصر، كما تم إطلاق العديد من المبادرات لإطلاق العنان لإمكانات الشباب المصري المتنامي والموهوب والحيوي، وركزت تلك المبادرات على تطوير المهارات، مما يضمن تسلح شبابنا بالأدوات التي تسمح لهم ليس فقط بالمنافسة، ولكن بالتفوق في الساحة العالمية».
كما أعرب رئيس الوزراء عن فخره أيضًا بأن حكومتنا لديها 8 من الإناث البارزات اللاتي تشغلن منصب وزيرات لأول مرة في تاريخها. وتقدم رئيس الوزراء بدعوة إلى كل من مجتمع الأعمال الألماني والعرب لمواصلة تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية مع مجتمع الأعمال المصري وكذلك مع الحكومة من أجل الإرتقاء بمعدلات النمو الاقتصادي في منطقتنا لآفاق أرحب، من خلال الاستفادة من الموقع الجغرافي الاستثنائي لمصر، وكذا مما تمتلكه من موارد بشرية وطبيعية، تجعلها من بين أكثر الاقتصادات تنوعاً في المنطقة.
وأوضح مدبولي أن «مصر تعد سوقًا ضخمة بحد ذاتها، وتسمح للمستثمرين والمصدرين بحرية النفاذ إلى الأسواق الرئيسية الأخرى بدون تعريفة جمركية، من خلال عدد من اتفاقيات التجارة التفضيلية مع الدول العربية والاتحاد الأوروبي وتركيا والكوميسا واتفاقية التجارة الحرة الثلاثية المقبلة، والتي ستفتح ما يصل إلى 26 من الأسواق الأفريقية، هذا إلى جانب ما نحن يصدده حاليا من تفاوض على إقامة اتفاقية تجارة حرة مع الإتحاد الجمركي الأوراسي بما في ذلك (أمريكا، روسيا البيضاء، كازاخستان، جمهورية قيرغيزستان، وروسيا)».
وفي نهاية كلمته، تقدم الدكتور مصطفي مدبولي بخالص شكره وتقديره لجميع المشاركين والمنظمين لهذا المؤتمر.