منذ عدة سنوات، اعتادت رضوى رستم، الطالبة بقسم مدنى فى كلية الهندسة بجامعة عين شمس، زيارة منطقة عزبة أبو قرن غير المخططة للمشاركة فى أنشطة خيرية وتقديم مساعدات للفقراء هناك، وبعد انتهاء دراستها، عادت مرة أخرى ولكنها لم تكن وحدها هذه المرة، إذ كان معها فريق صغير يهدف لتقديم ما هو أكثر من الطعام عبر تحسين جودة الحياة للسكان الذين يعيش أغلبهم فى ظروف تفتقد أدنى الشروط الصحية والجمالية.
أدركت رضوى أنها تحتاج إلى تأسيس منظمة حتى تصبح لفكرتها أقدام على أرض الواقع، فأسست «Hand Over»، وهى مؤسسة اجتماعية تعتبر البناء جزءًا من التنمية المُجتمعية للبشر، وتتبنى أسلوبًا قديمًا تم تطويره من جانب كثيرين من خبراء البناء، ويتلخص فى استخدام المواد المحلية والصديقة للبيئة فى إنشاء المساكن والمبانى الخدمية، مثل نمط المنازل المصرية القديمة، ومنازل النوبة المبنية بالطين والتى يتم تشكيل أسقفها فى شكل أقبية، وتسمى هذه الطريقة «Earth construction»، وهى أقل تكلفة من الطرق التقليدية بـ25% كما أنها أكثر أمانًا، وتعمل أيضًا على خفض أكثر من 30٪ من انبعاثات الكربون الناتجة عن مشروعات البناء التقليدية على نطاق مماثل، كما توفر جوًا صحيًا لساكنيها طوال العام.
فى عام 2015 بدأت رضوى تطبيق الفكرة بتأهيل وحدة سكنية، وفى العام التالى أطلقت المؤسسة رسميًا، وخلال فترة قصيرة للغاية حصلت المؤسسة على العديد من الجوائز، وترشحت مشروعاتها مؤخرًا لجائزة «أغا خان» المعمارية لعام 2019.
بدأت رضوى تجربتها الواقعية فى عزبة أبو قرن، ودرست المنازل التى تحتاج لإعادة بنائها والأسر الأكثر احتياجًا، وتحدثت معهم لتنفيذ الفكرة، ولكن حسب رضوى نفسها: «ناس كتيرة رفضوا عشان خايفين، ومش مقتنعين لأن البيوت شكلها بسيط ومش تقليدى، عدا عائلة تملك منزلين فى العزبة».
أصبح منزلا عزبة أبوقرن المشروع الأول لرضوى وفريقها، ومنذ 2016، وتوالت المشروعات لتصبح 4 بالإضافة إلى مواقع أخرى لا يزال العمل جاريًا فيها.
وتقول رضوى: «الكثير من الشركات تصمم وتنفذ شققًا فخمة ومطارات ومبانى بطرق بناء تقليدية وبأسعار باهظة لطبقة معينة، ولكن حلمى الخاص كان فى اتجاه آخر، أن أبنى بيوتًا آدمية للطبقة المُهمشة، وبمواد صديقة للبيئة».
تعتمد مؤسسة «Hand Over»، فى المبانى التى تنفذها على التربة المدكوكة Rammed-Earth، وبعض المواد مثل الزلط، والطين، والرمل، ونسب بسيطة من الأسمنت، ما يخفض معدلات الحرارة والرطوبة داخل المبنى ليصبح السكان أقل استهلاكًا للطاقة.
مشروع رضوى التالى كان إنشاء عيادة تضم تخصصات متعددة فى قرية وادى غربة النائية فى محافظة جنوب سيناء بالتعاون مع مؤسسة «Catherine Exists - كاترين موجودة»، وكان المشروع فريدًا من نوعه إذ أن مجموعة من الأطباء الشباب كانوا يريدون التطوع والعمل فى القرية والإقامة فيها، كما أن المؤسسة القائمة على الإنشاء «Hand Over»، كانت متطوعة بالبناء أيضًا، وأقامت رضوى فى المنطقة أكثر من 4 شهور حتى أنجزت المشروع.
تتعاون مؤسسة «Hand Over» مع المنظمات غير الربحية، والتى تدلها فى بعض الأحيان إلى المشروعات الخيرية، والمجتمعية، حيث تتكفل الأولى بالبناء، وهو ما حدث فى عيادة جنوب سيناء، وبعدها فى مدرسة بمنطقة العياط التى كانت المشروع الثالث للمؤسسة الجديدة.
وتقول رضوى، إن مبادرة «من أحياها»، كانت تهدف لبناء مدرسة من 6 فصول ولكن رغبتهم فى إنشاء مبنى متوافق مع البيئة هى ما حفز المؤسسة على التطوع والبدء فى التنفيذ باستخدام مواد لا تضر بالأراضى الزراعية المحيطة بالمدرسة، بعد إجراء مسابقة للتصميم المبدئى فاز بها فريق «Downtown Architects»، مضيفة: «دلوقتى بنجنى ثمار العمل ده وإحنا بنشوف عشرات الأطفال بيدرسوا فيها».
ومنذ بداية رحلة «Hand Over»، قامت بتدريب عدد كبير من طلاب أقسام الهندسة المعمارية والهندسة المدنية وربطهم مع المجتمعات المحلية حتى يتمكنوا من العمل معًا على تصميم وتنفيذ المبانى الجديدة، وبشكل تطوعى خالص، كما يتم إشراك أبناء المناطق المحيطة بالمشروع والذين يرغبون فى تعلم مهارات البناء المهنية، وحسب تقدير المؤسسة استفاد أكثر من 1000 شخص من هذه المشروعات.
المعمارى عبدالله المكاوى، أحد أعضاء الفريق الأساسى لـ«Hand Over»، يوضح فكرة العمل بقوله: «بنبنى البيوت بطريقة تقلل الاحتياج لتشغيل التكييف أو المروحة أو الدفاية فى الصيف أو الشتاء ودا بيخفض من استهلاك الكهرباء، يعنى مثلًا المدرسة المفروض سمك الحوائط فيها 12 سنتيمتر، إحنا عملنا السمك 40 سنتيمتر».
وفى عزبة أبوقرن، سلكت «المصرى اليوم» طريقًا غير ممهدة وسط كميات كبيرة من القمامة والمنازل العشوائية، ثم وجدنا أنفسنا أمام منزل أحمد عبد الراضى، أول من وافق على مشروع «Hand Over» الذى قال لنا: «بيتى مكنش يتسكن فيه، بيدخله التعابين والمطر فى الشتاء، علشان كده وافقت على المشروع فورًا، وشاركت فى البناء فترة، وكنت فاهم فكرتهم، وقعدوا سنة يبنوا وكانوا مأجرين شقة ليا قريبة من المنطقة أقعد فيها مع أولادى الـ3.. وبعد 3 سنين من البناء البيت متين، وكمان أنا مبسوط فيه غير إنه بيوفر الكهرباء، لأنه الجو كويس فيه دايمًا وأنا لسّه على علاقة طيبة بالمؤسسة لأنهم بيتابعوا البيت بعد ما ساعدونى».
وفى قرية أبو غدان، التابعة لمركز العياط بمحافظة الجيزة توجد المدرسة التى بنتها «Hand Over» عام 2018 لطلاب المرحلة الابتدائية إلى جانب أنشطة اجتماعية أخرى للأطفال فى المنطقة، ويبلغ عدد طلابها حاليًا 300 تلميذ.
وتعمل «Hand Over» حاليًا على مشروعها الرابع، وهو بناء مبان خدمية وإدارية، فى محمية أبو جالوم فى دهب بجنوب سيناء، وقالت رضوى: «انتهينا من التصميم وهنبدأ التنفيذ، بالتعاون مع وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى UNDP، وهم تفهموا الفكرة لأننا نبنى بمواد صديقة للبيئة فى محمية طبيعية، وستقدم المبانى خدمات للزوار والغطاسين، وأماكن لحفظ الشعب المرجانية، ومكاتب إدارية للعاملين بالمكان».