شاركت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، الخميس، في فعاليات انطلاق «المنتدى الأفريقي الأول لمكافحة الفساد»، والمنعقد تحت رعاية وبحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، وذلك بمدينة شرم الشيخ على مدار يومي ١٢ و١٣ من يونيو الجاري.
وأعربت «السعيد»، في ضوء كلمتها التي ألقتها على هامش مشاركتها بجلسة «استدامة موارد القارة الافريقية لخدمة أهداف التنمية المستدامة»، والمنعقدة ضمن فعاليات المنتدى، عن سعادتها واعتزازها بالمشـاركة في المنتدى، مشيرة إلى كونه يعد المنتدى الأول من نوعه الذي يُعقَد في القارة الافريقية، مشيدة بالمشاركة الواسعة التي يشهدها المنتدى بما يعكس الاهتمام المتزايد الذي توليه الدول الافريقية لقضايا مكافحة الفساد في إطار سعيها لتعظيم الاستفادة من كافة الموارد المتاحة ورفع كفاءة استخدامها، وكأحد الركائز الأساسية لجهود تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
وتناولت وزيرة التخطيط الحديث حول أهمية قضايا مكافحة الفساد في جهود تحقيق التنمية المستدامة، لافته إلى نتائج التقارير العالمية التي تؤكد على أن جهود مكافحة الفساد تعطي دفعة هائلة باتجاه تحقيق التنمية المستدامة، متابعة أن استراتيجيات المؤسسات العالمية قد شهدت تحولاً نحو وجوب مكافحة الفساد كسبيل لتحقيق التنمية المستدامة.
وأشارت إلى أن الخطط والاستراتيجيات الوطنية لتحقيق التنمية المســــتدامة في العـــــديد من دول القــــارة ومن بينها مصر تتضمن محاور خاصة بمكافحة الفساد موضحة أن ذلك يعكس محورية جهود مكافحة الفساد في إطار الاستراتيجيات الأممية والإقليمية والوطنية للتنمية المستدامة.
وفيما يخص التكلفة الاقتصادية والتنموية للفساد، أوضحت «السعيد» أن الاهتمام المتزايد بمكافحة الفساد يرجع إلى التكلفة الاقتصادية والتنموية الباهظة للفساد، مشيرة إلى أن خسائر القارة الافريقية من جراء الفساد والتدفقات المالية غير المشروعة تقدر بنحو 50 مليار دولار سنوياً، مؤكدة أن هذا يجعل ضرورة المعالجة الشاملة لمشكلة الفساد تحظي بأهمية قصوى لأولويات التنمية في القارة.
وتابعت الوزيرة أن الفساد يؤثر بالسلب على إيرادات الموازنات العامة للدول، والكفاءة الاقتصادية للمؤسسات وعلى كفاءة وفعالية التنظيمات الإدارية العامة فضلاً عن تأثيره على بيئة الاستثمار عموماً وما يترتب عليه من اتساع الاقتصاد الخفي إلى جانب تقييد فرص النمو الاقتصادي وتزايد معدلات الفقر.
ولفتت إلى أن الدول الافريقية قد كثفت جهودها في السنوات الأخيرة لمكافحة الفساد، وتزايد التعاون الإقليمي في هذا المجال فيما بينها، مؤكدة أهمية تفعيل الآليات والأطر القانونية والتنظيمية التي وضعتها دول القارة لمكافحة الفساد والتي تضمنت اتفاقية الاتحاد الافريقي لمكافحة الفساد وبروتوكول سادك لمكافحة الفساد، وكذا بروتوكول الإيكواس لمكافحة الفساد.
وأشارت إلى الإعلان خلال مؤتمر القمة الأفريقية الثلاثين في أديس أبابا، عام 2018 عاماً لمكافحة الفساد في إفريقيا، إلى جانب انعقاد القمة الإفريقية الحادية والثلاثين في نواكشوط في يونيو 2018، تحت شعار «الانتصار في مكافحة الفساد.. نهج مستدام نحو تحول إفريقي»، مع إعلان يوم 11 يوليو «يومًا للحرب على الفساد»، في إفريقيا، ليؤكد الاهتمام المتزايد من قبل دول القارة لمكافحة الفساد وتعزيز التعاون الإقليمي في هذا المجال.
وحول جهود مكافحة الفساد المصرية لتحقيق التنمية المستدامة وفقًا لرؤية مصر 2030 وعلى المستوى الوطني، أشارت وزيرة التخطيط إلى إيلاء الدولة المصرية اهتماماً كبيراً بتكثيف جهودها لتعزيز كفاءة المؤسسات ومكافحة الفساد في خطتها الوطنية لتحقــــيق التنميةِ الشاملة والمستدامة، لافته إلى محور الشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية متابعه أنه تحقيقاً لأهداف ذلك المحور تقوم الدولة المصرية حاليًا بإجراء خطة شاملة لإصلاح وحوكمة الجهاز الإداري تُشرف على تنفيذها وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري بالتعاون والتنسيق مع مختلف الجهات المصرية، موضحة أن الخطة تهدف إلى رفع كفاءة المؤسسات وتعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد، مشيرة إلى أن جهود واصلاحات الدولة المصرية لتحقيق ذلك تضمنت اصلاحات تشريعية، واجراءات تحقق الشفافية والحوكمة وتمنع الفساد وفقاً للقانون واصلاحات مؤسسية واجراءات وقائية فضلاً عن الإجراءات التي ترتبط ببناء الانسان وزيادة الوعي وثقافة مكافحة الفساد.
وفيما يتعلق بالإصلاحات التشريعية، أشارت وزيرة التخطيط إلى تحديث القوانين المنظمة لعمل الجهاز الإداري للدولة بإصدار قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 ولائحته التنفيذية والقرارات الوزارية المكملة، وذلك في إطار حزمة أشمل من التشريعات التي أصدرتها الدولة خلال السنوات الأخيرة لرفع كفاءة المؤسسات وتهيئة بيئة الاعمال منها ومنها قانون الاستثمار الجديد- قانون التراخيص الصناعية.
وحول الإجراءات المانعة والرادعة للفساد في التشريعات والقوانين، لفتت «السعيد» إلى ما تضمنه قانون الخدمة المدنية من ضوابط للتعيينات تمنع الفساد والمحسوبية وتجعل التعيينات بناء على تقييمات وجدارات تكفل تكافؤ الفرص والمساواة وتحقق الكفاءة، مضيفة أن القانون تضمن كذلك ضوابط خاصة بالأجور تعالج مشكلة تعقد هيكل الأجور حيث عالج القانون غياب الانضباط وعدم احترام ثقافة العمل ومقاومة التغيير بوضع نظام فعال للرقابة والمحاسبة وتقويم العاملين.
وتابعت« السعيد» الحديث حول جهود مصر متناولة الاصلاحات المؤسسية والإجراءات الوقائية باستحداث إدارات جديدة للموارد البشرية والمراجعة الداخلية والتدقيق، وإعداد مدونة قواعد السلوك الوظيفي واخلاقيات الوظيفة العامة فضلاً عن العمل على نشر ثقافة وفكر التميز المؤسسي في الجهاز الإداري للدولة، وتعزيز تنافسية الأداء، والابتكار والتطوير المستدام سواء للقدرات أو للخدمات، وذلك بإطلاق جائزة مصر للتميز الحكومي.
وأكدت «السعيد» على توجه الدولة المصرية الجاد نحو التحول إلى مجتمع رقمي، حيث يتم العمل على تطوير وميكنة الخدمات الحكومية، وتحفيز وتشجيع استخدام وسائل الدفع الالكترونية إلى جانب تعزيز الشمول المالي ودمج القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، بما يسهم في مكافحة الفساد، لافتة إلى إنشاء المجلس القومي للمدفوعات في فبراير ٢٠١٧ برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية البنك المركزي المصري والجهات المعنية بما يمثل أحد الدعائم الرئيسية لتحقيق التنمية الاقتصادية ورفع كفاءة الأداء الحكومي في إطار برنامج عمل الحكومة (2018-2022)، وتنفيذ «رؤية مصر 2030».
وأشارت إلى جهود الدولة بالعمل على حوكمة الانفاق العام بتطوير منظومة التخطيط في مصر بصفة عامة سعيًا لرفع كفاءة استخدام الموارد المالية المتاحة، لافتة إلى التوسع في تطبيق موازنة البرامج والأداء كهدف من الأهداف الرئيسة للسياسة المالية والاقتصادية للدولة، مشيرة إلى القيام بإنشاء وحدة متخصصة في وزارة التخطيط لهذا الغرض وذلك بهدف تحسين العلاقة بين عملية وضع الموازنة وجهود التنمية المستدامة على المستوى القومي من خلال التوزيع الأفضل للموارد والتأكد من كفاءة وفاعلية الإنفاق العام وإعادة ترتيب أولوياته مع تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، وتحقيق المزيد من الانضباط المالي للجهات الحكومية عن طريق الرقابة المالية والشفافية والمساءلة، فضلاً عن تحقيق الاتساق بين أولويات توزيع الموارد، وتخطيط وإدارة البرامج وبين رؤية مصر 2030 والاستراتيجيات والخطط القطاعية.
وأضافت وزيرة التخطيط أنه في إطار الإصلاحات المؤسسية والوقائية تم إنشاء منظومة التخطيط والمتابعة الوطنية، كأداة إليكترونية مُتطورة وفعالة، هي الأولى من نوعها، لرصد ومتابعة وتقييم أداء كافة أجهزة الدولة لمعالجة نواحي القصور بإجراءات تدخل عاجلة، موضحة أن المنظومة ترتبط بالموازنة العامة للدولة بما يضمن كفاءة تخصيص الموارد، لتكن أساسًا علميًا مُحفزًا على التميز الحكومي والمؤسسي، وتُحقق أهداف الدولة في ربط الزيادة في أجور العاملين بمستويات الإنتاجية.
وحول ما يرتبط ببناء الانسان وزيادة الوعي وثقافة مكافحة الفساد، أشارت «السعيد» إلى أنه يعد توجهاً رئيساً للدولة المصرية في جهودها التنموية خاصة ما يتعلق ببناء الانساء وتعزيز القدرات البشرية المرتبطة بمكافحة الفساد، موضحة أنه تم تدريب ما يقرب من 200 قيادي من القيادات الوسطى بالتعاون مع الاكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد.
وأشارت إلى قيام الوزارة بعقد ما يقرب من 40 ورشة عمل داخلية وخارجية بالتعاون مع مختلف الجهات المعنية في إطار إطلاق مدونة السلوك الوظيفي وذلك في حوار مجتمعي شارك فيه عدد كبير من المسؤولين والباحثين والأكاديميين على مدار سنة كاملة، كما تم إعداد برامج تدريبية وورش عمل وبرامج توعوية حول مدونة السلوك الوظيفي فضلاً عن تدريب ما يقرب من 160 موظف حكومي على الحوكمة ومحاربة الفساد والمراجعة الداخلية وذلك للعمل بوحدة المراجعة الداخلية المستحدثة من قبل الحكومة.
وتابعت «السعيد» أن كل الجهود المبذولة لرفع كفاءة المؤسسات وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد جاءت متسقة مع وتعزز تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، والتي يتم حاليًا تنفيذ المرحلة الثانية للفترة (2019-2022) منها، مشيرة إلى أن أهداف تلك الاستراتيجية تصمنت كذلك تطوير جهاز إداري كفء وفعال، وتقديم خدمات عامة ذات جودة عالية، إلى جانب تفعيـــل آليـــات الشـــفافية والنزاهـــة بالوحـــدات الحكوميـــة، وتطويـــر البنيـــة التشـــريعية الداعمـــة لمكافحـــة الفســـاد، وزيـــادة الوعـــى المجتمعي بأهميـــة الوقاية من الفســـاد ومكافحته، وتفعيـــل التعـــاون الدولي والإقليمي في منع ومكافحة الفســـاد.
وحول التعاون المصري الأفريقي في مجال مكافحة الفساد، أكدت الوزيرة حرص مصر وسعيها لتكثيف التعاون مع أشقاءها في الدول الأفريقية في مجال مكافحة الفساد وذلك نظرًا لما تتمتع به مصر من خبرات في هذا المجال، خاصة في ضوء رئاسة مصر الحالية للاتحاد الافريقي لعام 2019، مشيرة إلى وضع مصر لبرنامج عمل طموح ومكثف من الأنشطة والفعاليات تتعاون فيه مختلف الجهات المصرية بهدف تعزيز علاقات التعاون والتكامل وتبادل الخبرات والتجارب الناجحة بين الدول الافريقية انطلاقًا من أجندة عمل الاتحاد الإفريقي وأولوياتها وأجندة التنمية المستدامة افريقيا 2063.
كما تناولت «السعيد» الحديث حول إمكانية التعاون بين مصر وأشقائها من دول القارة، في مجالات الحوكمة ومحاربة الفساد، من خلال تبادل الخبرات والتدريب والتأهيل للأجهزة المعنية في القارة، لنشر ثقافة الحوكمة والقضاء على الفساد مع الاستفادة بنشاط الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد، وتقديم منح تدريبية للكوادر الأفريقية العاملة في مجال الوقاية من الفساد، مشيرة إلى تجارب التعاون الناجحة بين مصر والدول الأفريقية الشقيقة في مجال التدريب وبناء القدرات، لافته إلى الدورات التدريبية للأشقاء من الدول الافريقية، في مجالات التخطيط والتنمية المختلفة والتي نظمها معهدا التخطيط والقومي للإدارة.
وأكدت وزيرة التخطيط حرص مصر على استضافة الدورة الأربعين للمنظمة الإفريقية للإدارة العامة خلال الربع الأخير من العام الجاري، مشيرة إلى حصول مصر على المركز الأول والدرع الذهبي في مسابقة الابتكار الإداري الخاصة بالمنظمة الإفريقية للإدارة العامة خلال فعاليات الدورة التاسعة والثلاثين للمؤتمر العام للمنظمة، والتي عقدت في مدينة جابروني عاصمة بوتسوانا في نوفمبر الماضي من خلال مشروع منظومة ميكنة تسجيل المواليد والوفيات، مؤكدة على انتخاب مجموعة شمال إفريقيا بالمنظمة الإفريقية للإدارة العامة جمهورية مصر العربية كرئيساً وممثلاً لها في اجتماعات المجلس التنفيذي للمنظمة للثلاث السنوات المقبلة.
كما أكدت «السعيد»، في ختام كلمتها، أهمية انعقاد المنتدى الافريقي الأول لمكافحة الفساد باعتباره يمثل مناسبة جيدة لتعزيز التعاون الإقليمي بين دول القارة، وتبادل الخبرات والتجارب في أحد المجالات التنموية المهمة وهو تعزيز كفاءة المؤسسات ومكافحة الفساد.