نحن الآن فى «حارة السد العالى».. فى بشتيل بمدينة أوسيم.. رغم شهرة الاسم فإنك لا تصل بسهولة.. فهى حارة بجوار حارة داخل حارة.. نهاية هذه الحارة منزلان متواجهان.. هناك شقة بالطابق الأرضى بأحدهما مكونة من غرفة وصالة ولها بلكونة تبعد عن الأرض نصف متر.. هنا فى هذه الشقة وقعت جريمة قتل.
الضحية طفلة عمرها 6 سنوات.. يعرفها سكان الحارة وأهالى المنطقة جيدا..: «دى شهد وشعرها ديل حصان.. دى بنت عسل وبترجع من درس الجامع بعد العصر».. المتهم «ساكن جديد».. استأجر الشقة منذ 8 أشهر.. وكان يحاول الاقتراب من الأطفال وقبل الحادث بأيام قال لـ«شهد» وهى بصحبة والدتها: «متخرجيش لوحدك.. البنات الحلوة بتتخطف».. لم تعلق الأم وقالت الصغيرة لها: «مفيش حد بيخطف حد.. وأنا محدش يقدر يخطفنى».
أيام وكانت شهد ضحية لعملية اغتصاب بشعة.. قال أقاربها إنها ماتت من الصدمة أثناء ذلك.. وذبحها «قاتلها» من رقبتها وهى ميتة هكذا حكوا من واقع تقرير الطب الشرعى: «الضحية لفظت أنفاسها بصدمة عصبية نتيجة كتم نفس وتعرضها لاغتصاب وتهتك فى الأمعاء.. والجرح الذبحى فى الرقبة وقع بعد الوفاة التى حدثت نتيجة صدمة عصبية».
قبل أن ينقل الجثة فى حقيبة سفر وأمام الجميع وهم يبحثون عن «شهد المختفية».. ويتجه إلى محطة قطار بشتيل ليخفى الحقيبة فى حمام أحد القطارات المتجهة إلى رمسيس.
«المصرى اليوم»، رصدت مشاهد الجريمة بعد أن انتقلت إلى مسرح الحادث، والتقت «معاذ»، أصغر شاهد على الجريمة، عمره 3 سنوات، والذى كان يلهو مع الضحية قبل أن يطلب منه المتهم أن يصعد إلى شقته.. والتقت أسرة الضحية وجيرانها.. شهد هى «آخر العنقود»..وشقيقة لشاب «18 سنة» وفقدت أسرتها شقيقاً لها قبل سنوات، حيث سقط من مسكن الأسرة فى الطابق الثالث وتوفى قبل إسعافه.
المشهد الأول: «شهد» تلهو أمام منزلها وبصحبة صديقها وجارها «معاذ».. هى عادت للتو من درس فى مسجد قريب وتناولت الغداء مع والدتها وقالت: «أنا مع معاذ يا ماما».. الوقت كان يقترب من الخامسة عصراً.. المتهم جمال توفيق سعداوى «38 سنة» يجلس فى غرفة قريبة من الحارة والتى بها بلكونة تقترب من الأرض.. يسمع صوت «شهد ومعاذ».. دون مقدمات يقف أمام مدخل المنزل وينادى على معاذ: «بص يا حبيبى.. اطلع انت دلوقتى واتغدى وانزل لى علشان أرش لك عطر.. مستنيك.. بسرعة».
المشهد الثانى: المتهم ينادى على «شهد».. استدرجها بهدوء إلى داخل شقته.. قال إبراهيم، زوج خالة شهد، إن المتهم كان يقدم حلويات وبسكوتاً للأطفال ويبدو أنه «سحب» ضحيته بهذه الطريقة.. تمر دقائق.. ومن واقع اعترافات المتهم أنه كتم نفس ضحيته واغتصبها دون رحمة.. وأصيبت بإغماء.. قبل أن يذبحها بقسوة من رقبتها ليتأكد أنها رحلت عن الحياة.. الاغتصاب والقتل استغرق قرابة 30 دقيقة.. تخلله طرقات على الباب من الطفل معاذ.. الذى كان موعودا بـ«رشة عطر».. ولكنه لم يفتح.. يقول معاذ: «أنا نزلت وخبطت على الباب «كتيل» وعمو مفتحش ومشيت.. أم معاذ تقاطع: «ده قلبه ميت..فى اليوم ده الميه كانت ضعيفة وأنا نزلت الدور الأرضى لأن الميه هناك قوية.. وخبطت على (جمال) وفتح الباب وملأ لى «الإناء».. بس أنا كنت واقفة على الباب.
المشهد الثالث: داخل شقة أسرة شهد.. أحمد الشقيق الأكبر يدخل وتسأله والدته: «شهد تحت».. ويرد.. لا مش تحت.. ولا معاذ تحت..تنادى الأم على ابنتها دون رد.. تهرول هى وأحمد إلى الحارة والحارات المجاورة قبل أن تسأل أم معاذ وترد عليها: «دى كانت بتلعب من شوية مع معاذ».. وقلب الأم ينتفض.. تذهب إلى «بقال» مجاور ويأتى الرد: «لا مخدتش بالى».. يتطور الأمر و«تنتفض» الحارة الضيقة بحثا عن شهد.. والمتهم و«القتيلة» على بعد خطوات منهم.. لا يتحرك.. لكنه يضع «ضحيته» فى «ملاية» ويضعها داخل حقيبة سفر كبيرة.
المشهد الرابع: الاتصالات لا تنقطع بين والدة شهد وأقاربها وشقيقتها التى تسكن قريبا من المنزل وتقول لها الشقيقة: «وشهد مالها.. إيه اللى هيجيبها هنا».. «الساعة تقترب من الثامنة مساء».. مجدى بهاء، مدير إنتاج بقناة فضائية، قريب الأسرة يتوجه إلى شرطة نقطة بشتيل.. يلتقى الرائد عبدالرحمن الفقى، رئيس النقطة، والذى يحفظ حوارى وشوارع البلد كاملة لأنه رئيس لها منذ 7 سنوات..ويحتفظ الضابط الشاب بصورة شهد ويحرر محضرا باختفائها ويخطر قياداته فى مركز أوسيم بالواقعة.. فى الوقت نفسه المكان مزدحم فى حارة «السد العالى».. 3 «تكاتك» تقف وعليها مكبرات صوت.. وسيارة ربع نقل عليها مكبر صوت.. وتبدأ خطة البحث..زملاء أحمد شقيق شهد يلتفون حوله.. هذا عبدالله الفرماوى «19 سنة» طالب بكلية السياحة يستقل توك توك.. ويتحرك وهو ينادى: «محدش شاف عيلة تايهة اسمها شهد عندها 6 سنين ولابسة كذا وكذا.. واللى يلاقيها يجيبها حارة السد العالى».. وتتحرك باقى «التكاتك» والسيارة.. ويعثر كل منهم على طفلة صغيرة ويظهر لهم «أملا» أنهم سيصلون إلى شهد.
المشهد الخامس: المتهم يضع قرطى ذهب الضحية فى ملابسه ويحمل حقيبة كبيرة و«يجرها» خلفه ويخرج من باب شقته ويمشى فى الحارة ويقول لبعض معارفه بينهم حلاق يدعى إبراهيم عبدالله: أنا مسافر ويسأل: «فيه إيه»، ويرد: «شهد.. دى كانت من شوية فى الحارة.. أنا هبص كده فى الحوارى وأنا ماشى وإن شاء الله هتلاقوها».. ويتحرك بحقيبته فى تجاه محطة قطار بشتيل.. يستقل القطار 688 القادم من إيتاى البارود بالبحيرة فى طريقه إلى القاهرة.. يركب القطار وبهدوء يتحرك بين العربتين الثالثة والرابعة ويضع الحقيبة فى حمام العربة 3.. وينزل ويختفى عن الأنظار نهائيا.. دقائق معدودة.. ويدخل شابا هو أحمد مصطفى «23 سنة» إلى القطار وتقوده قدماه إلى الحقيبة ويرى منها ذراع طفلة ويهرول إلى المقدم على سليمان، رئيس مباحث محطة مصر، ويخبره بالواقعة.. وتبدأ الإجراءات العادية..فتح الحقيبة والعثور على طفلة مذبوحة بعنف من رقبتها وعارية الجزء السلفى. ويخطر النيابة التى تطلب التحريات، تقرر التشريح وتطلب نشر صورة الضحية وفحص بلاغات الغياب.
المشهد السادس: مساء نفس اليوم.. الأربعاء 15 يونيو.. أم شهد تجلس أمام المنزل وحولها نساء كثيرات.. الأم ترتعش وتنتفض بقوة وهاتفها لا يتوقف عن الرنين.. وتقترب منها سيدة تعمل فى محطة مصر: «والنبى مش عايزاكى تقلقى.. بيلاقوا عيال كتير فى رمسيس وأنا هخلى أخويا وهو شغال فى المحطة يسأل المباحث.. الأم لا تغادر المكان حتى الصباح.. وعمليات البحث لا تتوقف.. وفى الحادية عشرة وعقب توجه شقيق السيدة الذى يعمل فى محطة مصر إلى مباحث السكة الحديد.. ويلتقى المقدم على سليمان.. ويطلب منه الأخير رقم هاتف أم شهد.. ويسألها.. أنا فلان بنتك لابسة إيه.. وترد.. وعاملة شعرها إزاى وترد الأم.. يوم الحادثة كان «ديل حصان».. ويسأل مجددا طب هى عاملة «تتو».. وترد الأم.. أيوه على دراعها وهى عملته بعدما اشترت «لبان»..ويسأل أخيرا.. طب ولون المانيكيير..وترد الأم أسود.. الضابط كان يسأل من واقع معاينته للجثة ومن خلال تدوينه لتلك التفاصيل، ويتأكد أن شهد هى القتيلة التى فى الحقيبة.. لكنه يقول للأم: «عندى أطفال كتير بالمواصفات دى.. ابعتى لى أبوشهد».
المشهد السابع: الأب يلتقى الضابط ويتوجه معه الأخير إلى مشرحة زينهم.. ويتعرف الرجل على ابنته وهو لا يصدق.. يشاهد جروحاً فى وجهها وجرح ذبحى فى الرقبة.. وآثار اغتصاب.. ويغلق هاتفه المحمول حتى لا تتصل به الزوجة.. ويتسرب الخبر.. ويصل إلى الأم عبر «صرخات النساء» اللائى «يجاملن»، وتعرف أن ابنتها «مقتولة».. وتبدأ رحلة البحث عن «القاتل».. الضابط يخطر اللواء رمزى تعلب، مدير الإدارة العامة لشرطة النقل والمواصلات.. والأخير يخطر اللواء أحمد جمال الدين، مساعد الوزير لقطاع مصلحة الأمن العام.. ويتحرك الضباط إلى «الحارة».. ويعرضون الحقيبة التى كانت بها جثة الضحية.. ويتدخل شاب بقوة.. دى كانت مع جمال توفيق سعداوى يوم شهد ما اختفت.. وهو قال إنه مسافر.. ويسأله ضابط من فريق البحث: متأكد.. ويرد الشاب: «ده صديقى ومعايا تليفونه وهى الشنطة».
المشهد الثامن: الشرطة تحصل على رقم هاتف «المشتبه به».. وتتابعه بإذن من نيابة حوادث شمال القاهرة.. المشتبه به يتصل بـ«الحلاق»، الذى شاهده وببعض الجيران الذى تعرف عليهم طوال الشهور الماضية.. ويحدد رجال الشرطة مكانه.. ويضبطونه ومعه «قرطى ذهب» القتيلة.. ويواجهونه بالحقيبة.. لم يجد المشتبه به ما يخفيه من معلومات أو اعترافات.. ويقف أمام محمد الضبع، مدير نيابة الحوادث، وأحمد رشاد، وكيل أول النيابة.. ويروى تفاصيل جريمته بهدوء: أنا شفت البنت بتلعب مع «معاذ» وأنا معرفش ليه قررت أعتدى على «شهد».. وبعد اغتصابى لها.. لقيتها «مغمى عليها» وقلت أخلص منها ومسكتها من رقبتها وذبحتها.. وسمعت الناس بتدور وحطيت الجثة فى ملاية وفى حقيبة ومشيت بهدوء فى الحارة ومنها إلى محطة بشتيل القريبة من المكان..
المشهد الأخير: بعد الاعتراف تسأل النيابة رجال الشرطة عن إمكانية نقل المتهم إلى مسرح الجريمة لإجراء معاينة ويأتى الرد: «مستحيل يدخل الحارة.. مش هيخرج».. وتؤجل المعاينة ويدخل الأهالى إلى الشقة مسرح الجريمة ويحطمون بابها.. والحمام الذى شهد الجريمة.. وهناك يقف «معاذ» بـ«براءة الطفولة».. يقف أمام الباب ويطرق عليه بـ«كفه الرقيق».. ويقول: «أنا خبطت على الباب كده.. ومعرفش إيه اللى حصل.. بس من يومها معرفش شهد راحت فين وهترجع إمتى.. وتنادى الأم: «اطلع يا معاذ». والدة شهد تطالع آخر فيديو التقطته لـ«ابنتها».. كانت قبل أيام من الجريمة.. على شاطئ الإسكندرية.. شهد ترتدى ملابس غوص..وتقول للأم: «صورينى وأنا بعوم».. وتسقط على الرمال وتضحك الأم.. تضحك فى الفيديو المسجل.. وتقول: «عمرنا ما نعرف المتهم ولا بنتخلط بحد.. ومش عارفة ليه عمل كده فى شهد.. إعدامه مش كفاية.. لازم يتعدم فى ميدان عام.. تقولها الأم وصوتها يختنق.. وتعود إلى الفيديو من جديد وتسمع شهد وهى تقول: «صورينى يا ماما».