x

عبد الفتاح بدوي هشام عشماوي.. والخلافة المشؤومة عبد الفتاح بدوي الأربعاء 29-05-2019 09:09


رغم الألم الذي يعتصر قلوبنا حزنا على شهداء مصر الأبرار الذين قضوا نحبهم على يد الإرهابي هشام عشماوي، العقل المدبر لمعظم العمليات الإرهابية الكبرى التي أفجعت قلوب الآمنين خلال الفترة الماضية، لكن سقوطه أخيرا في قبضة مصر يضمد بعضا من الجراح ويشفي كثيرا من غليل الصدور.
هشام عشماوي ليس الأول ولن يكون الأخير الذي ينخدع ويخدع الناس بشعارات براقة مثل شعار «إقامة الخلافة» وهو الشعار الذي تنطلق منه التنظيمات الإسلاموية في عالمنا العربي والإسلامي من أقصى اليمين الداعشي إلى أقصى اليسار، مرورًا بجماعة الإخوان، في دعوتها للعامة، والانخراط في أوساطهم، بهدف «التمكين» وتثبيت الوجود وتوسيع النشاط واكتساب شرعية العمل السياسي، وضم أعداد أكبر من المؤمنين بأفكار عاطفية مثل الدفاع عن دين الله، وتطبيق الشريعة، وما إلى ذلك.
منذ عدة أشهر أُعلن عن نجاح عملية القبض على هذا الإرهابي، الذي كان ضابطًا في صفوف الجيش، وبعد فصله بسبب انتماءاته وميوله الدمويّة تلقّفته الجماعات الإرهابية وأسّس تنظيم أنصار بيت المقدس في شمال سيناء، الذي تحول فيما بعد إلى «ولاية سيناء» وبايع تنظيم الدولة، ثم انشقّ عنه وبايع تنظيم القاعدة، ثم ما لبث أن أنشأ تنظيمًا تحت اسم «المرابطون»، معتقدًا في ذلك كله أنه يجاهد من أجل «إقامة الخلافة».
لن أناقش تفاصيل انحراف هذا الإرهابي، فهو لا يستحق، ولكن سأناقش أفكاره التي تسببت في إراقة دماء مئات الأبرياء في مصر وليبيا، فهاهي عقود وراء عقود ومازال عامة المسلمين، خاصة الفقراء منهم في معظم بلدان العالم، منخدعين بهذه الفكرة المشؤومة، إقامة الخلافة، أملا في مستقبل أفضل يسوده العدل والحق، مع أنها هي هي الدعوة التي ألّب الخوارج بها الناس على قتل صاحب رسول الله سيدنا عثمان بن عفان، كانوا يدّعون أن هدفهم إقامة العدل وحسن اختيار صاحب الولاية، حتى حدثت الحادثة ووقعت «الفتنة الكبرى» التي ترتب عليها من المعارك ومن سفك الدماء الشيء الكثير، تحت هذا الشعار البراق الذي انخدع به من انخدع، بعد ذلك تبين أنه لم يتضرر منهم إلا عموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، بل تضرر منهم الدين نفسه، وأهل العقيدة الصحيحة، والآن أصبحت هذه الجماعات تناقض المقصود الشرعي بما ينتج عنهم من سلوك وأفعال وممارسات إرهابية تخالف المنهج النبوي الكريم.
إقامة الخلافة ليست واجبًا دينيًا، وليست هي الأساس الذي ينطلق منه المسلمون في نشر الدين والدعوة إليه التي أمرنا الله بها سبحانه وتعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)، ذلك أن أساس الدعوة بحسب الآية السابقة هو إصلاح القلوب التي إذا امتلأت من الإيمان بالله ومخافته ورجائه واستشعار مراقبته صلحت أحوال الناس، إذن فالداعون لإقامة الخلافة يقصدون الدنيا تحت مسمى شرعي زائف، ولا يرومون الآخرة كما يزعمون، كما أن نقض هذه الفكرة وهزيمتها يستوجبان السعي إلى التنمية وتحقيق العدل بين الناس وسيادة الحق.
إن معظم هذه الجماعات تستند إلى حديث «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، وأن مبايعة خليفة للأمة فرض عين على كل مسلم، لكن لك أن تعلم أن السيدة فاطمة، ابنة رسول الله، لم تبايع أبا بكر الصديق بالخلافة حتى ماتت، وأيضًا سعد بن عبادة الأنصاري لم يبايع أبا بكر وعُمرًا من بعده، ومئات الصحابة لم يبايعوا على بن أبي طالب بل قاتلوه!
تقارير عديدة تحدثت عن أن المخابرات التركية تعظّم من فكرة سقوط الخلافة عام 1924 على يد كمال أتاتورك، وضرورة إحيائها، لا من أجل شيء سوى المشروع الإخواني القديم الرامي إلى السيطرة على العالم الإسلامي واكتساب شرعية التدخل في شؤونه، وإظهار الأنظمة الحاكمة رويدًا رويدًا على أنها «غير شرعية»، الدراما التركية تؤكد ذلك والإعلام أيضًا وحتى بعض الخطابات الرسمية.
الناس عندما تستقر أحوالهم يكون قبول دين الله أسرع إلى نفوسهم، حتى ولو كانوا في «ديار كفر»، بحسب المصطلح الذي تطلقه تلك التنظيمات على البلاد ذات الأقلية المسلمة، وبالتالي هذا يتعارض مع فكرة ضرب الاستقرار وسفك الدماء وتفخيخ السيارات واستهداف الأفراد جنودًا وضباطًا ومدنيين وأيا كان، الأمر الذي يزعزع الأمن ويجافي الاستقرار، وهو ما يجعل المسلمين مطالبين بالعمل على نشر الأمن، حتى ولو كانوا مقيمين في «دار كفر».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية