رفض سليل شيتى، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، تأجيل محاكمة الرئيس السابق «حسنى مبارك» إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، معتبرا أن ذلك ليس من شأنه إصلاح أى شىء. وطالب السلطات المصرية بالأخذ بالتجربة التونسية التى بدأت مؤخرا فى محاكمة الرئيس التونسى المخلوع زين العابدين بن على وزوجته.وانتقد «شيتى»، فى حواره لـ«المصرى اليوم»، التوسع فى إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية منذ فبراير الماضى، وقال: «نحن نرى أنه ليست هناك ضرورة لإحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية ويجب التوقف عن ذلك على الفور، لأنها تشكل انتهاكاً للحق فى المحاكمة العادلة والطبيعية»، وإلى نص الحوار..
■ بداية، حدثنا عن أسباب الزيارة؟
- نهدف إلى الوقوف على حالة حقوق الإنسان فى مصر، والتضامن مع المصريين الأحرار الذين دافعوا عن حقوقهم من أجل الحرية خلال ثورة 25 يناير، وحث الحكومة المصرية والسلطات على تفعيل آلية المحاسبة وسياسة عدم الإفلات من العقاب خاصة بعد الثورة، فضلاً عن عقد لقاءات مع نشطاء المجتمع المدنى المصريين.
■ هل تقصد بتفعيل آلية المحاسبة تجاوزات ما قبل 25 يناير أم المرحلة الحالية؟
- نطالب بتفعيل تلك الآلية طوال الوقت باعتبارها عنصراً مهماً للحد من انتهاكات حقوق الإنسان، ولعدم هروب الجناة من المحاكمة العادلة.
■ طلبتم مقابلة المجلس العسكرى خلال زيارتكم التى تستمر 5 أيام، فماذا عن الرد؟
- ما زالنا منتظرين.
■ ستلتقون بعد ساعات مسؤولين فى وزارة الخارجية.. حدثنا عن أهم ما ستطرحونه خلال اللقاء من قضايا؟
- نريد توجيه رسالة إلى المسؤولين فى وزارة الخارجية المصرية، لما تمثله مصر من ثقل إقليمى ودولى فى المنطقة العربية، وبالتالى تأثر العالم العربى بالأحداث فى مصر، ونسعى إلى أن تلعب مصر خلال الفترة المقبلة دورا أكبر لدعم قضايا حقوق الإنسان من خلال تغيير سياستها الخارجية وفقا لمتطلبات مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير.
■ وما أبرز ملاحظاتكم على السياسة الخارجية لمصر؟
- هناك خطوات جيدة شهدتها السياسة الخارجية المصرية عقب نجاح الثورة، أبرزها تحقيق المصالحة الوطنية بين حركتى حماس وفتح، فضلاً عن إعلان وزير الخارجية رغبة مصر فى الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية عقب زيارة المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو أوكامبو، للبلاد فى أبريل الماضى، لكننا نسعى أيضاً لحث الجانب المصرى على ضرورة دعم الثورات العربية فى كل من سوريا وليبيا واليمن.
■ وماذا عن الموضوعات التى سيطرحها وفد المنظمة مع اللواء منصور عيسوى، وزير الداخلية؟
- هناك 3 قضايا رئيسية نسعى إلى مناقشتها، الأولى التوقعات بشأن الانتخابات المنتظر إجراؤها فى غضون شهور قليلة مقبلة، والقوانين والتشريعات المنظمة لها، والثانية تتمثل فى قانون الطوارئ ومبررات العمل به لأسباب سياسية حتى الآن، والمخاوف من العمل به فى الانتخابات المقبلة، والثالثة قضية المصداقية والشفافية حول ما تشهده البلاد من انتهاكات، وتفعيل سياسة عدم الإفلات من العقاب.
■ الحكومة تؤكد أنها تستخدم قانون الطوارئ لحماية أمن الدولة؟
- نتفهم ذلك، ومن حق الدولة حماية مواطنيها، لكن ما يحدث، من وجهة نظرنا، أن الحكومة لديها قوانين وتشريعات أخرى يمكن أن تعمل بها وتفعلها بعيدا عن استمرار العمل بقانون الطوارئ، فضلاً عن أنه لا يمكن الأخذ به من منطلق أن «الغاية تبرر الوسيلة»، أو العمل به على مدار عقود طويلة، وكان إلغاء العمل بقانون الطوارئ مبادرة جيدة من السلطات الجزائرية مؤخرا، وندعو الحكومة المصرية للاستجابة لمطالب النشطاء والقوى السياسية بإلغاء العمل به.
■ ذكرت أنكم تريدون من وزارة الداخلية توخى المصداقية بشأن الانتهاكات، ماذا تعنى؟
- شهدت مصر على مدار 30 عاماً من حكم الرئيس السابق انتهاكات كثيرة لحقوق الإنسان، وهناك حالة من الجدل الآن فى الأوساط المصرية حول: هل ننظر إلى الأمام ونطوى صفحة الماضى أم يجب أن ننظر إلى الوراء ونحاسب كل المسؤولين عن الانتهاكات خلال تلك الفترة؟
■ وماذا عن رأيك؟
- لا نستطيع أن نتحرك إلى الأمام دون تحقيق العدالة التى أضيرت وراح ضحيتها العديد من المواطنين نتيجة ما تعرضوا له من انتهاكات خلال السنوات الماضية، فعلى مدار 30 عاما وقعت تجاوزات، وخلال الثورة حدثت انتهاكات بحق المتظاهرين ونرى أنه لا يجوز اختيار أفراد بعينهم لإحالتهم للمحاكم والتحقيق معهم بينما يظل آخرون بعيدين عن المساءلة.
■ التقيتم عدداً من أسر الضحايا والمصابين وأهالى الشهداء، ما الذى جرى خلال اللقاء؟
- هناك أكثر من 800 شهيد و5 آلاف مصاب، ويجب تعويضهم، وهم يرون أن المحاكمات تسير ببطء شديد، والتعويضات المادية التى أعلنت الحكومة عن تقديمها لهم ضعيفة.
■ التعذيب فى المجتمع المصرى يشكل ظاهرة خطيرة، كيف ترى المنظمة حالات التعذيب فى مصر؟
- من أهم القضايا التى سنطرحها خلال لقائنا مع وزير الداخلية قضية التعذيب، وأعنى بها الانتهاكات فى أقسام الشرطة بعد ثورة 25 يناير، وليس فى عهد النظام السابق، فضلا عن الاعتقالات التى جرت مؤخرا ضد بعض المواطنين.
■ ذكرت فى بداية حوارك إمكانية تقديم المنظمة للسلطات المصرية معلومات وأدلة لإدانة بعض المسؤولين الذين ارتكبوا انتهاكات وجرائم حقوقية، حدثنا عنها؟
- على مدار عصر مبارك ارتُكب العديد من الجرائم، ومنظمة العفو رصدت ذلك خلال تقاريرها السنوية أو فى بياناتها عن مصر، التى تضمنت تقارير وشهادات وصوراً، وهى ليست سرية ويمكن الاستفادة منها أو تقديمها إذا ما طُلب من المنظمة ذلك.
■ هل اختلفت التجاوزات والانتهاكات فى سجل مصر كثيرا عن تجاوزات عصر مبارك؟
- من الصعوبة الحديث بالأرقام لرصد التجاوزات والانتهاكات فى مرحلة ما قبل الثورة أو بعدها، لكن يمكن هنا الحديث عن الفقر، ومصر ليست فقيرة، لكنها من الدول متوسطة الدخل رغم أن 40% من الشعب المصرى فقراء، وكان واضحا أن العديد من الضحايا الذين ماتوا خلال الثورة بجوار أقسام الشرطة من الفقراء، والغريب أن الحكومة المصرية تتحدث عن مكافحة الفقر من خلال زيادة الحد الأدنى للأجور، وما نخشاه أن يكون هؤلاء قنابل موقوتة.
■ أعلنتم عن زيارة منشية ناصر فلماذا هذه المنطقة تحديداً؟
- سنزور المنطقة باعتبارها نموذجا للمناطق العشوائية فى القاهرة، حيث يواجه آلاف السكان الإخلاء القسرى من الأرض، وتخطط الحكومة لاستخدامها لإقامة مساكن فارهة كجزء من خطة تطوير القاهرة الكبرى لعام 2050.
■ أنت من أصل هندى ولك تجارب ناجحة فى العمل الأهلى الخاص بمحاربة الفقر فهل لهذا علاقة بزيارتك لمنشية ناصر؟
- أنا مهتم بشكل شخصى بمحاربة الفقر ودور المجتمع المدنى فى ذلك الشأن، فضلا عن أن منظمة العفو الدولية تنظم حملة لمحاربة الفقر، لما له من ارتباط وتأثير علىقضايا حقوق الإنسان.
■ بعض الدوائر السياسية والإعلامية المحلية والدولية تطالب بتأجيل محاكمة مبارك إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية لتحقيق أكبر قدر من نزاهة المحاكمة. فكيف ترى تلك الدعوات؟
- تأجيل المحاكمات لن يصلح شيئاً، والتحرك بسرعة هو الأفضل، ونستشهد بما حدث فى تونس قبل أيام، إذ بدأت فى محاكمة الرئيس المخلوع زين العابدين بن على وزوجته.
■ تونس أنهت الجدل حول قضية «الانتخابات أولاً» أم الدستور؟!، بينما مازالت النخبة المصرية تشهد صراعا حولها؟
- هذا الجدل فى حد ذاته عامل إيجابى، خاصة أنه كان من الصعب وجوده قبل الثورة، لكن ما يقلقنا هو صدور قوانين وتشريعات من شأنها الحد من الحريات كما حدث مؤخرا مع تفعيل قانون تجريم التظاهر، وأعتقد أنه لا يمكن العمل بهذا القانون.
■ لو تحدثنا عن مصادر قلقك بشأن حقوق الإنسان فى المرحلة الراهنة، ماذا تقول؟
- قانون الطوارئ والتشريعات المقيدة للحريات، خاصة حرية الرأى والتعبير والإعلام، وهذا لا يقلل من الأشياء الإيجابية التى حدثت بعد نجاح ثورة 25 يناير، فهناك العديد من النجاحات على صعيد حقوق الإنسان أبرزها الإفراج عن المعتقلين السياسيين وحل جهاز أمن الدولة.
■ أصدرتم قبل أسابيع بياناً حول واقعة إلقاء القبض على عدد من الفتيات، وحمل البيان اتهامات صريحة للشرطة العسكرية بأنها أجرت فحصاً للعذرية لهن عند إلقاء القبض عليهن، فما الحقيقة خاصة أن تداعيات القضية مازالت مستمرة حتى الآن؟
- التقينا إحداهن، وتدعى سلوى، وأكدت لنا مجددا حقيقة الواقعة، فضلا عن أن أحد أعضاء المجلس العسكرى صرح لشبكة«CNN» الأمريكية بحقيقتها، وقال إن ذلك حدث كنوع من الحماية لهن.
■ لكن المجلس العسكرى نفى تلك التصريحات وأكد أنه جرى تحريفها فيما بعد؟
- الموضوع بحاجة إلى تحقيق، وهذا ما سنطالب به الحكومة المصرية والمسؤولين خلال لقائنا معهم، لأن الواقعة تشكل انتهاكا لحقوق الإنسان والمرأة، على أن تتم محاسبة المسؤولين عنها حال الانتهاء من التحقيقات.
■ منذ فبراير الماضى تشهد البلاد توسعاً فى إحالة مدنيين إلى المحاكم العسكرية، كيف ترى ذلك؟
- ليست هناك ضرورة لإحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، ويجب التوقف عن ذلك على الفور لأنها تشكل انتهاكاً للحق فى المحاكمة العادلة والطبيعية.
■ وماذا عن صدور أحكام بالإعدام من قبل المحاكم العسكرية تجاه مدنيين؟
- منظمة العفو الدولية تقود حملة لوقف عقوبة الإعدام، والهدف من المحاكمات تحقيق العدالة.
■ وما موقف المنظمة حال صدور أحكام بالإعدام ضد رموز الفساد والنظام السابق إذا ثبت ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية خلال ثورة 25 يناير؟
- مرة أخرى، نحن نريد تحقيق العدالة وإجراء تحقيقات عادلة وعلانية، وأعتقد أن هذا ليس موضوعنا الآن فهو سابق لأوانه.
■ لماذا قررتم زيارة محافظة السويس لعرض تقرير المنظمة بشأن أعمال القتل والاعتقال والتعذيب خلال أحداث الثورة؟
- السويس من المحافظات التى شهدت انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان منذ اندلاع الثورة، ونرى أنه جرى تهميشها فقررنا الاتجاه خارج القاهرة وخارج ميدان التحرير وسنعرض تقريراً بعنوان: «مصر تنتفض: أعمال القتل والاعتقال والتعذيب فى ثورة 25 يناير» أمام اتحاد المحامين بالمحافظة، وسنسلط الضوء خلاله على عائلات القتلى، والمتظاهرين الذين جُرحوا خلال أحداث الثورة، ونحن متضامنون مع أسر الضحايا ونطالب بتقديم الدعم والعون لهم.
■ عقدتم على مدار يومين لقاء مغلقاً بحضور عدد من النشطاء المصريين والعرب.. ما أهميته بالنسبة لكم؟
- استخلصنا خلال اللقاء رؤيتهم حول الأوضاع فى المنطقة العربية بشكل عام ومصر بشكل خاص.
■ وماذا عن الرؤية المصرية؟
- عبّر الحاضرون عن السيناريوهات المطروحة الآن، والخوف من استمرار العقلية والسياسات الخاصة بنظام مبارك دون تغير كامل.
■ وماذا عن رؤيتك للأوضاع فى مصر الآن؟
- من غير الواقعى أن أطيح بديكتاتور وأقضى على سياساته سريعا فالأمر بحاجة إلى وقت، والسؤال: ماذا عن المستقبل؟ وهو ما لا يمكن توقعه بعد.
■ العديد من المنظمات الدولية تسعى لإنشاء مقار فرعية لها فى مصر فى الفترة الحالية، ماذا عن منظمة العفو؟
- ندرس داخل المؤسسة الآن إنشاء فرع لنا فى مصر، لكننا لم نصل بعد إلى قرار جماعى فى هذا الشأن، فهدف المنظمة هو التواصل مع الناس والعمل بالقرب منهم.
■ المنطقة العربية الآن تشهد حالة من الانتفاضات والثورات يعتبرها البعض ربيعاً كما حدث فى مصر وتونس، وخريفاً كما فى ليبيا وسوريا واليمن؟
- نختلف فى المسمى، لكن الفرق هو رغبة تلك الشعوب فى الوصول إلى ما وصل إليه الشعبان التونسى والمصرى.
■ لكن أحد أسباب دخول تلك البلدان مرحلة «الربيع العربى» هو تضارب المصالح الغربية ورفضها الإطاحة بنظم الحكم فى تلك المجتمعات؟
- هذه حقيقة، فهناك حالة من الازدواجية من قبل المجتمع الدولى تجاه الثورات التى تشهدها الساحة العربية الآن، ولو نظرنا إلى ما يحدث فى سوريا فسنجد أن روسيا تقف حائلاً دون تدخل المحكمة الجنائية الدولية فى التحقيق فى الانتهاكات والجرائم التى يرتكبها النظام السورى بحق المتظاهرين، لوجود مصالح تجارية وعسكرية بينهما، بينما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية لصد الثورة فى البحرين، لتحقيق مصالحهما المشتركة، وكان الاستثناء الوحيد فى ليبيا، لكن الشىء المهم هو أن تلك الشعوب لا تنتظر من أحد أن يحقق مطالبها، لأن لديها رغبة حقيقية فى تحقيق أحلامها.