x

اعترافات جريئة: ابني ملحد

الجمعة 17-05-2019 01:00 | تناقشها معكم: سحر الجعارة |
سحر الجعارة - صورة أرشيفية سحر الجعارة - صورة أرشيفية تصوير : آخرون

كتب:
يا سيدتى أنا رجل على مشارف السبعين عاما، قضيت عمرى كله في رحلة شقاء وعمل لأوفر لأسرتى حياة كريمة، تغربت كثيرا في دول الخليج، وكنت أرسل لأسرتى ما يكفيها ويزيد.. وحين عدت أسست مشروعا لقرية سياحية صغيرة.
صحيح أننى حرمت نفسي من التواجد طيلة الوقت مع أسرتى وتركت مهمة تربيتهم لزوجتى، إلا أننى استطعت أن أزوج ابنتى في فيلا أنيقة، وتخرج ابنى في الجامعة الأمريكية ولم يعمل حتى الآن، لكنى اشتريت له سيارة أحدث موديل.
اعتمدت على زوجتى كثيرا في تربية الأولاد، فهى بنت أصول، متدينة وعلى خلق، وخريجة جامعة محترمة، وكانت غربتى تجعلنى أحبها وأحترمها وأقدر تضحياتها أكثر.. وكنت أسرف في حنانى ومحبتى على أولادى في الإجازات التي تجمعنا، ووفرت لهم رحلات متكررة لأوروبا، ولم أبخل يوما ما أو أتردد في أي طلب يطلبونه مهما كان غاليا، أو كان غير مهم من وجهة نظر إنسان يشقى ويعيش في الصحرء فأنا في الأساس مهندس بترول.
المهم أننى استقريت أخيرا منذ عشر سنوات في مصر، والتأم شمل عائلتى، وتنميت أن ينضج ابنى ويتحمل عنى المسؤولية ويدير القرية السياحية، لأرتاح بعد سنين من المشقه والجهد.. لكنه كان يرفض بشدة بحجة أنه يريد أن يحقق ذاته بعيدا عن استثمارات أبيه.
المهم، مع وجودى الدائم بينهم لاحظت منذ عامين تقريبا ان ابنى لا يصلى ولا يصوم، وأنه يعود كثيرا إلى المنزل مخمورا، ورائحة الخمر تفوح من فمه، لم أشأ أن أناقشه أو أصطدم به.. فسألت أمه التي قالت لى إن هذا هو سلوكه منذ عامه الأول في الجامعة.. حتى جاء شهر رمضان، دعوته ليصلى معى التراويح وتصنعت أنى لا أعرف شيئا عن تصرفاته فكانت المفاجأة التي لجمتنى.
واجهنى ابنى بأنه لا يؤمن أصلا بوجود خالق للكون، وأنه لو كان هناك خالق لما استحق أن يُعبد!!.. فسقطت في غيببة سكر ونقلونى إلى المستشفى.
بعد أن تماثلت للشفاء قلت لابنى لابد أن نتناقش، فإذا به كالثور الهائج يتحدث معى بدون احترام وكأنه ليس ابنى العاقل المهذب.. ويسب ويلعن وهو يضرب لى أمثلة من الفتاوى الشاذة التي يعج بها المجتمع، ويحدثنى عما تفعله «داعش» في الأيزيديات والسوريات.. وأخذ يتهكم على بعض أحكام الإسلام وأنا أنهره.. وهو يصر أن يروى مآسي آلاف البشر ممن تعرضوا لإقامة الحدود الشرعية عليهم وأصبحوا معاقين.. ويهاجم «إيران» وولاية الفقيه.. ثم أخذ يشكك ويطعن في مصداقية الأديان الأخرى ليثبت وجهة نظره، وأنا أستغفر الله وأدعوه للهداية بما أحفظه من القرآن والأحاديث الشريفة.
وأؤكد له أن «داعش» لا تمثل الإسلام، وأن الفتاوى الشاذة مردود عليها، وأن ما يحدث في إيران هو «سياسي» وليس دينيا.. لكن كل حججى لم تقنعه، وكأنه تعرض لغسيل مخ.. وعرفت منه أن مجموعته من الأصدقاء يفكرون بنفس طريقته، وأنه سبق أن شارك في أحد البرامج وحسب وجهة نظره أفحم الشيخ الذي حاول أن يرده لدينه!.. ثم أخذ يكلمنى عما وصل إليه العلم بينما نحن مهومون بمناقشة مبطلات الصيام كالشطاف.. أحسست بأن ولدى يهذى وأنه ضل طريقه ولن يعود أبدا لرشده.. وأن ضاع منى إلى الأبد ولن أستطع هدايته أو استراجعه.. فماذا أفعل: هل أستسلم وأتركه حرا يفعل ما يشاء بعد أن تجاوز سن الرشد أم أحاول معه مرات ومرات رغم أن ما أقدمه من أسانيد لا تقنعه؟!!.

يا سيدى:
أشفق عليك من أزمتك الروحية والنفسية وأنت في هذه السن، كما أتألم لمرورك بأزمة صحية.. ولكن دعنى أصارحك إن لم تكن تتابع ما يحدث في المجتمع من تغييرات، وما ناقشته برامج كثيرة.. للأسف ظاهرة الإلحاد انتشرت في مصر إلى حد كبير وتزايدت بعد حكم «الإخوان» حين ثار الشعب على الفاشية الدينية.. ثم جاء سيل الفتاوى الغريبة المقززة التي تحدث عنها ابنك لتنتزع أولادنا من أديانهم وتضمهم لخندق الإلحاد.. وقطعا أنت تقدر أن الأجيال الجديدة فكرها مختلف وأن العالم يعيش ثورة المعلومات التي جعلت الفتاوى المتطرفة المجافية للقرآن والسنة تنتشر بسرعة البرق وتلف العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وبالتالى أصبح الإلحاد أو على الأقل «عدم التدين» في مجتمع لا يأخذ من الدين إلا «الشكل» ويترك الجوهر.. أصبح كالسرطان الذي ينهش أولادنا ونحن عاجزون.
فالمؤسسة الدينية الرسمية لا تتصدى لظاهرة الإلحاد، وأحيانا لا ترد على الفتاوى المتطرفة، والمشايخ الذين نعرفهم ونراهم دائما على شاشات الفضائيات تجاهلوا الظاهرة، وحين تصدوا لها كان منطقهم ضعيفا ومتهافتا لأنهم لا يتحدثون لغة الشباب وبعضهم لا يؤمن بالعلم، بل ويثمن الخرافة.
المؤسف أن المشايخ الذين يهيمنون على المنابر الإعلامية بعضهم يدفع الشباب للإحاد بتعصبه وإصراره على تقديس التراث بما فيه من أحاديث ضعيفة أو آراء شاذة لا تمت للإسلام بصلة، بل تنتسب لمن قالها.
ليس لدى من نصيحة في محاولتك لهداية ابنك، إلا أن ترتب له جلسة مع الدكتور «سعد الدين الهلالى»، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، لأنه مستنير ويفهم جيدا كيف يناقش الشباب، ومهتم بمواجهة ظاهرة الإلحاد وما تسبب فيها من فتاوى غريبة ومتطرفة.. وسوف أوافيك برقم هاتفه عبر الإيميل.
أرجو من الله أن يهديك للصواب.. ويرد ابنك إلى أحضانك وإلى دينه مرة ثانية.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية