«تيكي تاكيس.. فلسفة وادي دجلة الجديدة هذا الموسم باعتماد بناء الهجمات من الخلف علماً بأن وادي دجلة سيطبق هذه الفلسفة بدأً من فرق الأشبال تحت ١٢ سنة وحتى الفريق الأول علماً بأن جميع مدربي قطاع الناشئين بالنادي حضروا تدريبات الفريق الأول لتعلم الأسلوب قبل بدأ الموسم الرياضي».
في نهاية أغسطس من العام الماضي كتب ماجد سامي مالك وادي دجلة هذه التدوينة عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» تمهيداً للإعلان عن تأصيل مرحلة جديد لـلفريق الكناري، تعتمد على المزج بين فلسفة بيب جورديولا المدير الفني لمانشستر سيتي، وماورسيو ساري المدير الفني لتشيلسي لكن خلف هذا الإعلان أيضاً فكرة أو فلسفة أخرى ربما تحب الأندية الاعتماد عليها لأسباب تتعلق بالتسويق والتفرد.
جورديولا ولاماسيا ومدرسة «تيكي تاكا»
في برشلونة مع بداية حقبة بيب جورديولا كان الأساس أن يستفيد الفريق الأول بالشكل الأكبر من «لاماسيا» التي تعتمد على أسلوب وطريقة لعب محددة وقتها كان «بيب» هو المدير الفني لفريق الشباب تصعيده ومعه مجموعة كبيرة من اللاعبين ممن كانوا معه في فريقه منهم «ليونيل ميسي – إنيستا – بوسكيتس –بيكيه – بويول» 5 لاعبين من فريق برشلونة في الأساس أبناء «لامسيا» بينما باقي اللاعبين يطبقون فلسفة بيب ومن يفشل يكون خارج الفريق.
في فترة بيب رحل عن الفريق يايا تورية أحد أفضل لاعبي وسط الملعب في العالم وصامويل إيتو وإبراهيموفيتش كلاهما يعد من أفضل المهاجمين في العالم كل هؤلاء لصالح لاعبين يطبقون فلسفة بيب حتى لو أقل من الراحلين حتى تيري هنري لم يستمر طويلاً وعندما لعب لم يكن كما كان في أرسنال لانه يلعب وفق دور محدد يضعه المدير الفني.
وفرت هذه الطريقة لبرشلونة عدم الدخول في سوق الانتقالات بشكل كبير، لأن نوعيات اللاعبين المتاحين لهذه الطريقة قليل فعندما تريد لاعب سيكون من الضروري توافر شروط محدده فيه وهي الأزمة التي يعاني منه برشلونة حالياً فبعد رحيل جورديولا وبمرور الوقت بدأت محاولات طمس هوية كرة برشلونة لصالح تعاقدات مع لاعبين بأسعار مرتفعه نظراً لأن الكرة الجديدة تعتمد على الفرديات حتى لو لم يخدم هذا اللاعب طريقة برشلونة بالتالي تأثر الفريق وأصبح مطالب للمنافسه بقوة في سوق الانتقالات بعد سنوات ضمنت له «لاماسيا» أن يستمر على الطريق دون ضغوط فلم يتم تصعيد لاعبين خلال السنوات الماضية.
تجربة ساري مع نابولي
من جورديولا إلى مدرسة أخرى للمدرب الإيطالي مورسيو ساري الذي يقول :«أحب كثيرًا سيطرة فريقي على المباراة من خلال الاستحواذ على الكرة في وسط ميدان الفريق الخصم، فمن الهام الاستحواذ على الكرة ولكن بشرك اللعب بسرعة والتمتع بسرعة في التفكير إلى جانب عدم الاستحواذ على الكرة في وسط ملعب فريقي، ربما تعلمت الكثير من بعض المباريات التي خسرتها».
ساري الذي لم يظهر أصلًا على ساحة السيري أيه قبل عام 2014 وأمضي أغلب مسيرته يصارع بدوري الهواة بل ظن أغلب جمهور نابولي أن الرجل لن يقدم لفريقهم الكثير بعد مضي الثلاث جولات الأولى من الموسم الجديد محققًا فقط نقطتين، أصبح مدرباً لنابولي فريق الجنوب الإيطالي الذي لعب له ماردونا وسط انتقادات رهيبة لكن بعد فترة ما الذي حدث.
بعد فترة وصف جورديولا نابولي بـ«أحد أفضل ثلاثة فرق بأوروبا» ثم أكمل فابيو كابيلو المدرب الإيطالي الشهير ليصف «ساري بالمبتكر الفذ»، كل ذلك أتي لكن ليس بشكل سريع أو مفاجئ فحين تولي ساري كانت الأمور واضحة منذ البداية بالإشارة إلى الضعف، ويتضح ذلك في الاضطرار الواضح للاعتماد على عدد ضئيل من اللاعبين: فمن بين 28 لاعب متاح بقائمة ساري هذا الموسم، كان الاعتماد على 15 لاعبًا فقط في اللعب بمعدل أكثر من 1000 دقيقة خلال الدوري المحلي و11 لاعبًا فقط بمعدل أكثر من 2000 دقيقة».
كان الحل الأمثل والطبيعي أن يتعاقد نابولي مع لاعبين جدد لكن لو كانت إمكانياتك المادية ليست كبيرة كالانتر أو ميلان أو يوفنتوس فعليك البحث عن حلول وهو ما فعله ساري هو الاعتماد على ما لديه مع سوق انتقالات يناسب طريقة لاعبه بالتالي تعاقد مع لاعبين ربما لم يكونوا من الصف الأول لكن بعد فترة أصبحوا كذلك مارتينيو وإنسيني وكوليبالي وكيخون وألبيول وغيرهم.
لكن في الأساس وقبل كل شئ كان مهماً أن يكون لديك مدرسة قائمة على أولويات وهو ما يؤمن به أيضاً ساري الذي يعتمد على البناء التدريجي للهجمة من الخلف بوساطة مدافع القلب، وبالتالي حتمية أن يمتلك ذلك المدافع مهارة التسليم تفاديًا لقطع الكرات بأماكن خطيرة، بالمقابل يطلب من لاعبي وسط الملعب والطرفين فتح زاويا تمرير لاستقبال التمريرات والبقاء على مسافة عرضية قريبة تسهل التمرير وتنهي الضغط على حامل الكرة.
رحل ساري من نابولي وهو ثاني الدوري وينافس حتى الرمق الأخير فريق بحجم يوفنتوس وبقوته الشرائية أصبح يلعب دوري الأبطال وصار الفريق الجنوبي رقماً مهماً في إيطاليا أوروبا بعد سنوات طويلة.
مدرسة «وادي دجلة» مع تاكيس
مع بداية الموسم الحالي وفي مغامرة لوادي دجلة أعلن ماجد سامي تعيين تاكيس جونياس المدير الفني اليوناني مديراً فنياً للفريق ليس ذلك فقط بل قرر أيضاً أن تعتمد طريقته لعبه على كل فرق الناشئين من 12 عاماً لتخدم الفريق الأول، ربما سهل ذلك أنه يعرف تاكيس جيداً لكن في النهاية هي مغامرة ربما ساعده على ذلك أن وادي دجلة ليس نادياً جماهيرياً وليس منافساً لكن هناك أندية أنفقت ملايين وربما مئات الملايين ولم تقدم أي تجربة.
بالعودة إلى تاكيس صاحب المسيرة المتواضعة كلاعب ومدرب إذا كنت ممكن يقيمون المدربين على أنهم يجب أن يكونوا حققوا بطولات فأعتقد أنك ستفاجأ عندما تعرف أن «ساري» مثلاً كان مدرًا لفريق سانسوفينو الذي يقبع بالدرجة السادسة وقرر أن يكون تركيزه بالكامل منصب على التدريب فترك وظيفته الأساسية لبعض الوقت، بالطبع كانت مغامرة كبرى وغير محسوبة أضاف لها الإيطالي كثيرًا من الصعوبة عندما حدد أهدافا معينة وحدا أدنى من النتائج الإيجابية كمعيار لقياس مدى نجاحه كمدرب وكمؤشر لصحة قراره بالتفرغ للتدريب أو العودة مرة أخرى لغرف البنوك، لكن اليوم أصبح أحد أهم المدربين في العالم وقليل منهم ممن يمتلكون مدرسة تدريبة.
يمتلك وادي دجلة في رصيده 36 نقطة من 9 فوز ومثلهم تعادل و14 خسارة بالنظر إلى النتائج هو مدرب فاشل وفريقه ينافس على الهبوط لكن بمشاهدة ما يقدمه ستدرك منذ اللحظة الأولى أن وادي دجلة هو أفضل فريق يقدم كرة في مصر بمسافة كبيرة عن أي فريق أخر في مصر، لكن إذا كانت النتائج بهذا الشكل فما الفائدة؟
الميزة الأساسية كما ذكرنا سابقاً هي أنه لن يكون مضطراً للشراء كثيراً ببساطة لأن خارج وادي دجلة لن يكون هناك لاعبين متاحين يلعبون بنفس الطريقة وحين يتواجدوا يتم ضمهم بالتالي كل احتياجاته من قطاع الناشئين، وهو ما سيجنبه الدخول في صراعات التعاقدات،
تعمد طريقة لعب جونياس مع وداي دجلة على العمق الدفاعي إضافة للهجوم السريع ونقل الكرة من حارس المرمى فالمدافعين وفريق يتحرك طول الوقت في مساحات مرسومة وأدوار محددة يكون فيها البحث عن الكرة لا عن أجسام اللاعبين، وكل لاعب له دور محدد غير مسموح له باللعب الفردي الإرتجالي في مواقف تتطلب الجماعية، بالإضافة لنقل الكرة بسلاسه من الخلف للأمام وعدم الاعتماد على اللعب الطويل إلا في صناعة اللعب فقط.
تقوم هذه الطريقة بالأساس على التنظيم والحركة بشكل جماعي بحالات الهجوم والدفاع، وبناء الهجمة من الخلف والصعود المتدرج بالكرة، ومباغتة مرمى الخصوم بطرق متنوعة بين الاختراق من العمق أو العرضيات أو اللعب الساقط في ظهر المدافعين بالإضافة لإتقان الكرات الثابتة والركنيات،
ولا يتوقف هنا فقط فحارس المرمى يجب أن يكون لديه قدرة على اللعب بقدميه وبناء الهجمة، ثم قلبي الدفاع يجب أن يتميزوا بالقدرة على التمرير ومهارة التسليم والاستلام ربما لذاك عتمد على بيكهام لاعب الوسط في قلب الدفاع، وبجواره محمد رضا ومحمود مرعي الثلاثي صغير في السن ويمتلك هذه المهارة، أما في وسط الملعب فالمطلوب منهم استلام الكرة والتمرير السريع واللعب مع الظهيرين الذين سيكون دورهم فتح زوايا دائماً لاستقبال التمريريات والبقاء على مسافة عرضية قريبة تسهل التمرير وتنهي الضغط على حامل الكرة.
على كل جانب يكون الهجوم والدفاع مسؤوليات ثلاثية ورباعية في الجانب الأيمن يعمل محمد هلال ولاعب الوسط أحمد سعيد وأسامة عزب على خلق جبهة والضغط في مربعات ومثلثات وكذلك على الجانب الأخر يكون نفس الدور لنداي ومحمد عبدالعاطفي لاعب الوسط والظهير الأيسر إسحاق يعقوبوا أما محور الربط بين كلا الجبهتين والمكمل لضلع المربع هو اليوناني فاسيليوس بوزاس وهو اللاعب المحوري في طريقة اللعب وفي النصف الأول من الموسم شكل ثنائي رائع مع محمد محمود المنتقل إلى الأهلي.
ثلاثي وسط الملعب يعتمد في الأساس على اللعب المباشر والزيادة الهجومية والكرات الساقطة خلف المدافعين وصناعة اللعب لظهيرين الجنب فبانطلاق لاعب الوسط والظهير ومعه الجناح يشكل ذلك قوة هجومية تزداد مع تقدم لاعب الوسط إلى منطقة الجزاء ودخول الجناح العكسي والمهاجم الصريح ما يعني أن الهجمة يمكن أن تصل إلى 5 و6 لاعبين في منطقة جزاء الخصم في نفس الوقت تبدأ توزيع الأدوار الدفاعية على الجهة العكسية أيضاً.
دون الإسهاب في التفاصيل الفنية ففي وقت قصير أصبحت بصمة جونياس واضحة على وادي دجلة ولاعبية ضم عدد محمود من اللاعبين في يناير لم يكونوا أسماء قوية لكن اللعب بسمات واضحة وأدوار محددة يغلب عليها مدرسة الفريق يقلل الحاجة دائماً لإضافات جديدة.
ربما تكون إدارة تفكر أكثر في سيناريو أياكس حيث يتعمد الفريق بشكل أساسي على ناشئيه مع تميزهم في اللعب مدرسة كروية معروفة وكبيرة بدأها يوهان كرويف ويطبقها بشكل متميز إريك تين هاج، فدي يونج ودي بيك ودي ليخت ثلاثي شاب ومعهم زياش وأونانا مزراوي وفاريلا وغيرهم من ناشئين الفريق وتمكنوا من تقديم مباريات قوية في دوري أبطال أوروبا وكانوا على وشك الصعود لنهائي دوري أبطال أوروبا.
بعد سنوات ليست قليلة سيحصد وادي دجلة الذي تميز دائماً بقطاع ناشئين جيد أخرج محمود مرعي، محمد محمود، محمد رضا ومحمد شريف ومحمد هلال وعمر مرموش وكريم حافظ وزيزو وغيرهم نتائج اعتماده على مدرسة راسخة ستضيف الكثير له بدلاً من الاعتماد على مدربين بلا تجربة وهوية ويشتري في كل عام 25 لاعب وفي النهاية تصبح المحصلة صفر، تجربة جونياس ربما تكون الأفضل في الكرة المصرية أخر 10 سنوات مهما كانت نتائجها.