x

«الفاجومى».. تجربة أفسدتها أخطاء الإخراج

الثلاثاء 21-06-2011 18:29 | كتب: رامي عبد الرازق |
تصوير : other

«الفاجومى» هى نحت لغوى من ثلاث كلمات لاسم الشاعر أحمد فؤاد نجم، ودلالاتها «الشعرية» هى الهجومية والفوضى الخلاقة والقوة المستمدة من روح الشعب والشعر والشارع مجتمعة، لكن لأسباب مبهمة وغير فنية يقوم مخرج الفيلم عصام الشماع بتغيير اسم الشاعر إلى «أدهم فؤاد نسر» لتضيع بذلك أولى دلالات العنوان، وتصبح مجرد استغلال تجارى لاسم مذكرات الشاعر.


ومع تغيير اسم الشاعر تتغير أسماء الشيخ إمام وصافيناز كاظم وعزة بلبع لنصبح فجأة أمام محاولة ساذجة للتجريد تتحول لمثار سخرية، لأن تغيير أسماء الشخصيات الأساسية لم يتبعه تغيير فى المحيط الإنسانى ولا الزمنى للشخصيات والأحداث، فأصبح لدينا شخصية رمادية لا هى تنتمى لسيرة الشاعر الذاتية، ولا هى خيالية مستوحاة من رحلته، خصوصا مع وجود شخصيات واقعية ومؤثرة فى تلك الرحلة بأسمائهم مثل «حجازى» رسام الكاريكاتير والأب الروحى فكريا لنجم، والكاتب يوسف السباعى، ومن الواضح أن صانع التجربة لم يستغرق فى فهم طبيعة الشخصية التى يقدمها وبالتالى لم يخرج منها بأسلوبية تشبهها.


الأزمة الثانية هى غياب الحبكة فنحن لا نتابع شيئا محددا، ولكن مجرد محطات من حياة هذا الشاعر البوهيمى الشاب، حتى لو كانت حياته تسير بلا منطق وبقفزات انفعالية، فليس معنى هذا أن يصبح السرد أيضا بلا منطق، مثل أن يقف «نسر» أمام النيل فيتذكر طفولته فجأة دون مبرر.


لولا كاريزما «نجم» نفسها، بالإضافة إلى حالة المد الثورى فى المجتمع الآن لما استطاع هذا الفيلم بأحداثه المفككة ومباشرته أن يمس وجدان المتلقين، ولكن «بشاير يناير» تلعب دورا حساسا فى التغاضى عن سذاجة الطرح وفجاجاته فى كثير من الأحيان، خصوصا فيما يتعلق بالتيار الإسلامى المتطرف الذى نشعر أن ثمة تعمد فى محاولة إقحامه وتشويهه بما يتناسب مع الوضع الحالى والملتبس للسلفيين، خصوصا فى الخط الفرعى لـ«أم آمال» - جيهان فاضل- المرأة اللعوب التى يسكن الشيخ «همام» بيتها، لتصبح نموذجا رديئا للطبقة الشعبية التى أحتك بها «أدهم نسر»، هذا الاحتكاك الذى نراه جنسيا أكثر منه فكريا أو إنسانيا، فالمرأة وابنتها تنساقان لسيطرة التيار الدينى السطحى المتمثل فى زوج «أم آمال» وهو نموذج فج ورخيص جدا للهجوم على الأصوليين بسطحية تشبه ما كان يصدره الإعلام الرسمى، وزوج ابنتها، فى حين يأتى صدام «نسر» المباشر والقصدى فى النصف الثانى من الفيلم مع زوج «أم آمال» وزوج ابنتها ليشعرنا بأنه تم تصويره بعد الثورة، خصوصا فى الجمل المباشرة التى يقولها «نسر» لـزوج «آمال» عندما يتم القبض عليه عقب أحداث يناير 1977، وهى محاولة سطحية لدغدغة مشاعر متلقى ما بعد 25 يناير وإشارة ساذجة لكون الفيلم «يرهص» من خلال ما حدث فى الماضي.


يتحمل خالد الصاوى جزء كبير من القيم الفنية الإيجابية «الشحيحة» فى هذه التجربة، خصوصا مع قدرته على تلوين ملامحه وتشكيلها حسب انفعال الشخصية، لكن يعيبه دوما عدم التناسق بين لغته الجسدية وملامحه، حيث يشعرك أن وجهه يُشخص فى منطقة وجسده فى منطقة أخرى، أما جيهان فاضل فهى أسوأ اختيار لممثلة فى شخصية شعبية منفرة مثل «أم آمال»، فمخارج ألفاظها شديدة الرقة والركاكة لا تناسب أبدا غلاظة وإباحية الشخصية مما جعلها مفتعلة وغير مقنعة، بل ومثار ضحك فى الصالة بأدائها الكاريكاتورى، بينما اختيار كندة علوش واضح أن سببه الرئيسى هو الدويتو الذى صنعته مع خالد فى مسلسل «أهل كايرو»، وهى ممثلة جيدة لكن شخصية «ماهيتاب» فاترة جدا وأغلب مشاهدها تبدو مأخوذة من صفحات النميمة الصفراء، وهى جزء من الضعف العام للحبكة والسرد، حيث نتابع الأحداث ولدينا معرفة مسبقة بتطورها بل لدينا معلومات أغزر وأعمق عن علاقة «صافيناز كاظم» بـ«نجم»، أسوأ ما فى التجربة نهايتها، حيث اختار الشماع أن ينهيها بقصيدة «يناير» الشهيرة التى يلقيها «نسر» فى السجن، وهى تفتقد حيوية النهاية لكنها تمثل على الأقل ذروة معقولة، لكننا نفاجأ بلقطة طويلة لـ«نسر» عقب سنوات يبدو عليه الكبر فيها وهو يغنى بأداء مصطنع أغنية «بهية» وخلفه مساحة بيضاء لا ندرى هل المقصود بها أنه مات وصعد للجنة ويغنى من هناك لمصر أم ماذا! وقد امتص هذا المشهد المقحم أى انفعال كانت القصيدة قد ولدته، وبالتالى أثبت المخرج أن لديه القدرة على ارتكاب كل الأخطاء الدرامية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية