بدأ الإنشاد الديني في زمن النبيّ محمّد «صلى الله عليه وسلم»، حيث كان النبي محمد، مرّ بنسوةٍ كُن يمدحنه ويقلن: «نحنُ نسوةٌ من بني النجار يا حبّذا محمّدٌ من جارِ»، واستمر أمر الإنشاد والمدح النبوي إلى يومنا هذا، حيث نجد الكثير من أحباب الله ورسوله ينشدون ويمتدحون النبيّ، ويشتمل الإنشاد الديني على ذكر الله والتهليل والتسبيح.
وللإنشاد الديني قصة تؤكدها كتب التراث بأن بدايته كانت مع بداية الآذان، حيث كان بلال المؤذن، يجود فيها كل يوم خمس مرات، ويرتلها ترتيلاً حسنًا بصوت جميل جذَّاب، ومن هنا جاءت فكرة الأصوات الندية في التغني بالأشعار الإسلامية، ثم تطور الأمر على أيدي المؤذنين في الشام، ومصر والعراق وغيرها من البلدان، وأصبح له قوالب متعددة وطرائق شتى.
يُقصد بالإنشاد الديني، الأسلوب أو الطريقة لأداء صوتيٍّ يتناول موضوعات لها سمات روحانية ودينية كالعشق الإلهي، أو مدح الرسول، أو الوحدانية، ويتم معظم الأحيان في حلقات الذِّكر، أو الحضرات، سواء كانت خاصة أو عامة.
يرتكز فن الإنشاد عامة على قوة وجمال صوت المنشد، وطبقاته، ومعرفته بالمقامات الشرقية، واختيار ما يناسب منها للقصيدة، فهو فن يعتمد على الحناجر البشرية مع محدودية تدخل بعض الآلات الموسيقية أحيانًا، والتي ممكن أن تضيف لمسة جمالية تندمج وتخضع لأصوات المنشدين، وقصائدهم لتعطي فرصة للإبداع والوصول بالمنشد والحضور، إلى حالة روحانية نقية ذات عمق.
أصبح للإنشاد الديني أهمية كبيرة في بدايات القرن العشرين، وزاد من أهميته مشاركة كبار المشايخ والمنشدين في إحياء الليالي الرمضانية، والمناسبات الدينية، والذي أدى إلى تزايد محبي هذا الفن، فأصبحت له أشكال متعددة وأسماء كثيرة، حيث برز العديد من المنشدين في القرن العشرين، أمثال الشيخ طه الفشني، والشيخ سيد النقشبندي من مصر، والشيخ توفيق المنجد، وحمزة شكور من سوريا، والشيخ حمزه الزغير، وياسين الرميثي من العراق، ومن أبرز الشيوخ المنشدين الشاعر الحلبي الكبير الشيخ محمد الوراق، والذي جمع فصل (اسق العطاش) ورتبه وأعطاه شكله النهائي:
مولاي أجفاني جفاهن الكرى والشوق لأعجه بقلبي خيما
مولاي لي عمل ولكن موجِبٌ لعقوبتي فاحنن عليَّ تكرمًا
وكان يتخلل الإنشاد الديني كثير من الحوارات الغنائية بين «المنشد الأصلي» وبين مجموعة المنشدين من خلفه، وكان المنشد يتوسط الحلقة، ويلتف من حوله مجموعة «السنيدة» بعد ذلك، وكان المنشد يختار مقطعًا من القصيدة، أو جملة، يجعلها محورًا تدور حولها كل الردود من «السنيدة»، فيرددونها وراءه، ثم يعودون إليها بعد المنشد، وكانت الوصلة الأولى يختار لها الشيخ المنشد مقامًا موسيقيًّا معينًا مثل «الراست» مثلاً أو البياتي، أو الحجاز، وغيرها، ثم يبدأ المنشد الوصلة، بإبراز مواهبه في الأداء، وبراعته في التنقل بين المقام الأصلي ومشتقاته، وقدرته على إبراز الحليات والزخارف اللحنية، ثم يقوم المنشدون بعد ذلك بترديد المقطع أو الجملة المحورية التي بدأ بها القصيدة، ثم تأتي الوصلة الثانية فيختار لها مقامًا موسيقيًّا آخر حتى ينوع في المقامات، وحتى لا يمل السامعون ويفعل ما فعله في الوصلة الأولى.
وكان الإنشاد الديني في هذه الفترة يُغنَّى بدون مصاحبة آلية، إلا في استخدام نقر المسبحة على كوب من الماء ليحدث رنينًا جذابًا، ثم تطور بعد فترة وجيزة ليصبح فنًّا له أصوله وأشكاله، فبدأ يعتمد على الجمل اللحنية المبتكرة، وكذلك استخدام «اللزمات الموسيقية» والإيقاعات التي تناسب روح القصيدة، فتكونت الفرق الموسيقية المصاحبة «للمنشد»، وكانت تسمى آنذاك «بالتخت» أو بالخماسي الموسيقي والذي يعتمد العود والقانون والناي والكمان والإيقاع.