x

مفتي الجمهورية لـ«المصري اليوم»: كشف ضلال وفساد الفكر المتطرف يحصّن شبابنا من شره (حوار)

الأحد 05-05-2019 23:30 | كتب: أحمد البحيري |
الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية أثناء حواره لـ «المصرى اليوم» الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية أثناء حواره لـ «المصرى اليوم» تصوير : اخبار

أكد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، أن «تجديد الخطاب الدينى» يعنى الأخذ من المصادر الأصيلة للتشريع الإسلامى ما يوافق كل عصر باختلاف جهاته الأربعة: «الزمان والمكان والأشخاص والأحوال»، بما يحقق مصلحة الإنسان في زمانه وفى إطار منظومة القيم والأخلاق، وشدد في حواره لـ«المصرى اليوم» على أن دار الإفتاء المصرية لا تعمل بمعزل مطلقا عن المجتمع وإنما تندمج مع كل قضايا العصر والمشكلات والظواهر التي تواجه المجتمع.. وأكد «علام» أن مواجهة الإرهاب والجماعات والتنظيمات الإرهابية، تحتاج إلى تعاون كافة مؤسسات الدولة وأفرادها في نبذ الفكر المتطرف ومحاربته وهو واجب وطنى ودينى، وهى مسؤولية تبدأ من الأسرة، كما أن تعزيز المسؤولية المجتمعية في ملف التطرف يعد معيارًا مهمًّا ومؤشرًا على تطور المجتمع ونموه..

وإلى نص الحوار:

■ كثر الحديث مؤخرًا عن «تجديد الخطاب الدينى».. فماذا نعنى بذلك؟

- تجديد الخطاب الدينى يعنى أن نأخذ من المصادر الأصيلة للتشريع الإسلامى ما يوافق كل عصر باختلاف جهاته الـ4 «الزمان والمكان والأشخاص والأحوال»، بما يحقق مصلحة الإنسان في زمانه وفى إطار منظومة القيم والأخلاق، ولا شك أن تجديد الخطاب يحتاج إلى تكاتف الجميع على حد سواء، وقضية التجديد ترتبط ارتباطا وثيق الصلة بتفكيك الفكر المتطرف إذ لا بد من كشف ضلاله وفساده لتحصين شبابنا ومجتمعاتنا من شر هؤلاء جميعا.

وفى سبيل ذلك علينا أن ننظر إلى التراث الإسلامى غير الكتاب والسنة باعتباره عملا تراكميًا محترمًا ولكنه ليس مقدسًا، فالمشكلة الكبرى عند ذوى الفكر المتشدد والمنحرف أنهم يحاولون توسيع دائرة الثوابت بغير حق حتى يضيق على الناس دينهم ودنياهم فيسهل عليهم تبديعهم وتفسيقهم وصولا لتكفيرهم، بل ينحرف فكرهم إلى استباحة دمائهم، والمنهج الأزهرى الوسطى الذي تتبناه دار الإفتاء المصرية، يقف على الطريق الوسط بين هؤلاء وأولئك، ويجب ألا يغيب عن ساحتنا عند تجديد الخطاب الدينى أهمية نشر ثقافة التعايش مع الآخر في المجال التعليمى والدعوى والإفتائى من خلال القواسم المشتركة الكثيرة التي تجمع بين أبناء الدولة الواحدة.

■ كيف واجهت دار الإفتاء ظاهرة الإلحاد وما حقيقة زيادة نسبة الظاهرة فترة انتشار الإسلام السياسى في مصر؟

- بالفعل رصدنا زيادة في نسبة الإلحاد بمصر، خاصة عقب العام الذي سيطرت فيه جماعة الإخوان على الحكم بالبلاد، نظرا لاستخدامهم شعار «الإسلام هو الحل».

وبدأنا حينها في دار الإفتاء، وضع استراتيجية لمعالجة الكثير من حالات الإلحاد خلال الفترة الماضية، فبعدما اعترف الإخوان أنهم فشلوا في حكم البلاد ظن الشباب أن الإسلام هو الذي فشل وليس المجموعة التي حكمت وأدخلت الشباب في مرحلة تشويش فكرى تمكنا من علاج الكثير منه.

ونعمل في دار الإفتاء، من خلال مجموعة آليات لحصار الظاهرة، منها ضرورة أن يكون خطابنا الدينى أكثر اعتدالا، والعناية بالرسوخ العلمى الذي يناقش تفاصيل القضايا العقدية والفكرية القديمة والمعاصرة، وعدم الانسياق وراء القضايا الهامشية وغير المجدية، وفتح المراكز المتخصصة في رصد الأفكار والآراء الفقهية والفتاوى المتشددة والشاذة التي تبث في مواقع النت وغيرها من النوافذ الإعلامية، ومعالجتها من خلال اجتماع المتخصصين في المجالات الشرعية والفكرية والعلمية، التشديد على عدم فتح الباب لغير المؤهلين وغير المتخصصين في البرامج الدينية التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة، حيث يتعمد غالبيتهم الإساءة في توصيل المعلومة الدينية الصحيحة، وكذلك ضرورة ابتعاد العلماء عن الانخراط في العمل السياسى وخلط الدين بالسياسة، وترسيخ المنهج الوسطى لمواجهة التشدد.

■ فيما يتعلق بمواجهة الإرهاب.. هل ترى أن مواجهة التطرف مسؤولية مجتمعية أم دينية فقط؟

- تعاون كافة مؤسسات الدولة وأفرادها في نبذ الفكر المتطرف ومحاربته، واجب وطنى ودينى، وهى مسؤولية تبدأ من الأسرة، كما أن تعزيز المسؤولية المجتمعية في ملف التطرف يعد معيارًا مهمًّا ومؤشرًا على تطور المجتمع ونموه، وهى مهمة يجب أن تقوم بها المؤسسات التثقيفية والتعليمية المسؤولة عن تنشئة المجتمع وخاصة فئة الشباب، فمواجهة التطرف والإرهاب مسؤولية مجتمعية تقع على عاتق كافة عناصر المجتمع، حيث تتكامل فيما بينها لتكون حصنًا منيعًا أمام جماعات التطرف والإرهاب، التي تسعى لنشر سمومها وفسادها في الأرض.

وأخذت دار الإفتاء على عاتقها أداء هذه المسؤولية المهمة طوال الفترة الماضية، من أجل إرساء المفاهيم التي تزيد من التماسك المجتمعى، وتعزز المسؤولية بين كافة أبناء الوطن، واعتمدت في ذلك على عدة آليات وطرق للوصول إلى أكبر قطاع من الناس، وفى سبيل ذلك عملنا على تفكيك الأفكار المتطرفة عبر الفضاء الإلكترونى وصفحات الدار الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى التي يتابعها ما يزيد على 7 ملايين ونصف المليون متابع، وكذلك عبر إصدار الكتب ونشر المقالات وإصدار فيديوهات الرسوم المتحركة وغيرها من المجهودات، فضلًا عن التواصل المباشر مع الشباب من خلال المجالس الإفتائية التي تعقدها الدار بشكل دورى في مراكز الشباب على مستوى محافظات الجمهورية بالتعاون مع وزارة الشباب، وعلى كافة أفراد المجتمع أن يتعاونوا مع أجهزة ومؤسسات الدولة في مواجهة جماعات التطرف والإرهاب، والتصدى لها فكريًّا ومعنويًّا وأمنيًّا.

■ أمامكم تحديات فكرية كبيرة فماذا عن أحدث آلياتكم لمواجهة هذه التحديات؟

- نعمل وفق استراتيجية دقيقة تشمل عدة آليات من أهمها برنامج تدريب أئمة المساجد والمراكز الإسلامية في دول الغرب باعتبارها خطوة مهمة في حرب المواجهة الفكرية للتنظيمات المتطرفة في الخارج، خاصة أن الدراسات والإحصائيات أظهرت أن ما يقدَّر بخمسين ألف مقاتل في صفوف «داعش» نصفهم من أبناء الجاليات المسلمة في الغرب.

كما أن إعلام التنظيم الإرهابى يتحدث بـ12 لغةً، مما يوجب على الهيئات الإسلامية الوسطية وذات الشأن في هذا المجال أن تعلن عن نفسها لترد بقوة وبحسم على الأفكار الضالة بمنهجية علمية رصينة، كما بدأت دار الإفتاء المصرية، التوسع في التدريب والبرامج التدريبية وفتح أفق أوسع واستهداف فئات جديدة بالتدريب والتأهيل لتخريج مفت كفء متخصص، وتم مؤخرا تخريج دفعة مكونة من ١٧ إماما من مختلف دول قارة إفريقيا، وستبدأ قريبا تدريب عدد 40 إماما من بريطانيا.

كما أسسنا «المركز الاستراتيجى لدراسات التشدد» وهو مركز بحثى وعلمى لإعداد الدراسات العلمية والاستراتيجية المعنية بمكافحة وتفكيك الفكر المتطرف ومقولاته وأحكامه.

■ شهدت الفترة الأخيرة جهودا كبيرة لدار الإفتاء على المستويين المحلى والعالمى، حدثنا عنها؟

- وضعنا خطة واضحه للعمل بالخارج خلال الفترة الماضية كان أهمها إقامة مؤتمرات مكثفة لنشر صحيح الدين، وأيضا تدشين برنامج لإعادة تأهيل وتدريب الأئمة في أوروبا وإفريقيا وتم بالفعل تدريب 60 إماما، بجانب عدد من الإصدارات الإلكترونية التي ترد على الأفكار المغلوطة المنشورة في عدد الوسائط الإعلامية وترجمتها لعدة لغات أجنبية، مع إيفاد بعثات من علماء الدار إلى الخارج لتصحيح صورة الإسلام ونشر ثقافته الوسطية، وكذلك تعميم العلاقات المصرية مع القارة الإفريقية الضاربة في القدم، على كافة الأصعدة والمجالات.

ومحليا، دشنا مشروع المؤشر العالمى للفتوى، بإشراف وحدة الدراسات الاستراتيجية بالدار، وكذلك تدشين منصة هداية، ووحدة الرسوم المتحركة المتخصصة في الرد على كافة الآراء الشاذة والمتطرفة من خلال تقنية الموشن جرافيك التي جذبت فئات عمرية مختلفة وحققت المرجو منها.

■ ارتفعت نسبة الطلاق مؤخرا إلى معدلات غير مسبوقة، فكيف واجهت دار الإفتاء هذه الظاهرة؟

- مشكلة الطلاق، قضية أمن قومى، وقد لاحظنا تفشى الظاهرة بشكل كبير حيث يرد للدار فتاوى في هذا الشأن تتراوح ما بين 4000- 4800 حالة، بخلاف ما يسجل بدفاتر الطلاق، والنسبة تزيد في السنوات الخمس الأولى، والتزايد في هذه المشكلة لا يتوقف على مصر بل هي مشكلة موجودة في كل الدول، ودار الإفتاء في برامجها لتأهيل المقبلين على الزواج تهتم بنفسية المفتى، وكيفية التعامل مع المستفتى، وكذلك العناية الشديدة بمناهج وتأهيل واختبار المتعلمين عن بُعد في مؤسسة دار الإفتاء، وأهمية التأهيل الكامل خصوصًا للمتصدرين المعتمدين للفتوى والدعوة والخطابة في المساجد التي تنتشر في القرى والنجوع والأحياء، فلا بديل عن الكيان الشرعى للأسرة بالمنظور الشرعى ولا بد من مواجهة كل التحديات، خاصة أن الإنترنت كان مؤثرًا وفاعلًا بقوة في الخلافات الزوجية، بل هو أحد أهم أسباب وقوع الطلاق في عصرنا الحديث.

وفى سبيل ذلك، أنشأنا وحدة الإرشاد الأسرى لحماية الأسرة المصرية، والحفاظ على ترابطها إيمانا منا أن تفكك الأسر المصرية بالطلاق يعنى ضخ المزيد من المدمنين والمتطرفين والمتحرشين والفاشلين دراسيا إلى جسد المجتمع لينخر فيه.

■ ونحن في شهر رمضان.. ماذا يجب على المسلم ليغتنم فضل الشهر الكريم؟

- يجب على المسلم أن يبتعد عن كل ما يغضب الله من قولٍ أو عملٍ، وأن يديم تلاوة القرآن والاستغفار، وأن يعامل الآخرين معاملةً طيبة، فلا فُحش ولا صَخَب، وإن امرؤٌ خاصمه أو شاتمه فليقل: «إنى صائم» إرضاءً لله تعالى، كما يجب على المسلم القادر أن يعطف على الفقراء والمساكين بإخراج زكاة الفطر التي هي طهرةٌ للصائم، كما يجب على الصائم التوبة من الأفعال التي لا يرضاها الله عز وجل؛ فيكون لهذا مردود على كل من يحيط بنا.

وقد خصَّ الله تعالى شهر رمضان من بين سائر شهور العام بالتكريم والبركة وجعله موسمًا عظيمًا تنهل منه الأمة من الخير ما لا يمكن حصره ووصفه، حتى بات غاية كبرى وأمنية منشودة للصالحين يتمنون على ربهم بلوغها لإحيائه بإخلاص النية لله والعزم على اغتنام أوقاته والاجتهاد فيه بالأعمال الصالحات وهم في صحَّة وعافية ونشاط.

■ وما قولكم في حالة الإسراف التي تصاحب موائد غالبية الأسر في رمضان؟

- الاعتدال في كل شىء محبوبٌ ومطلوب؛ لأن الإسلام دين الوسطية فلا تقتير ولا إسراف؛ قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾، والصوم لا بد أن يكون له أثرٌ على الصائم؛ فليس من المنطقى أن يمسك الإنسان عن الطعام والشراب طوال اليوم، ثم يطلق العنان لنفسه بعد الإفطار لتنهل مما لذ وطاب وكأنه ما صام ولا استفاد من صومه شيئًا، إضافةً إلى أن هذا السلوك له مردودٌ سيئٌ على الصحة؛ فهو يرهق المعدة ويثقلها ويتنافى مع حكمة الصوم من التخفف والتقليل من الطعام والشراب قدر الطاقة.

ورمضان ليس شهرا للأكل والشرب والإسراف ولكنه شهر للطاعة والتقرب إلى الله، صحيح أن الله سبحانه وتعالى أحل لنا الأكل والشرب من الطيبات، ولكنه كذلك أمرنا ألا نكون من المسرفين، قال الله- تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوانَ الشَّيَـاطِينِ)، وقد يكون الإسراف في الأكل أن يأكل فوق الشبع حتى يؤديه إلى الضرر، فذلك محرم أيضا، فالمسرف لا يحبه الله عز وجل.

وقد حذرنا النبى صلى الله عليه وآله وسلم من مغبة الإسراف فقال: «كلوا واشربوا، وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف ولا مخيلة»، بل أرشدنا النبى صلوات الله وسلامه عليه، أن نقسم المعدة إلى ثلاثة أجزاء فقال: «ما ملأ امرؤ وعاء قط شرا من بطنه، بحسب ابن آدم بضع لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه».

■ على من تجب زكاة الفطر ومن هم مستحقوها؟ وهل يجوز إخراجها في هيئة نقود؟

- زكاة الفطر، فريضة على الغنى والفقير الكبير والصغير وما دام الإنسان المسلم يجد قوت يوم العيد، فهى فرض على كل مسلم، يخرجها عن نفسه وعمَّن تلزمه نفقته، ويجب إخراجها للأصناف المستحقة للزكاة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.

ويجوز إخراج زكاة الفطر نقودًا، وهو مذهب السادة الحنفية وجماعة من التابعين وطائفة من العلماء وهو الاختيار في دار الإفتاء المصرية؛ لأن مقصود الزكاة الإغناء وسدُّ حاجة الفقراء، وهو متحقق بالطعام والنقد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية