x

مع بدء موسم حصاد «محصول الذهب»: «البصل المصري».. «ملك» يبحث عن «عرش»

الأربعاء 01-05-2019 23:50 | كتب: ريهام العراقي |
موسم حصاد البصل المصرى موسم حصاد البصل المصرى تصوير : محمود الحفناوي

مع نهاية شهر إبريل من كل عام، يستعد رجال وسيدات وأطفال القرى الصغيرة، للبدء فى حصاد محصول «الذهب» كما يلقبونه.. تفترش شوارع القرية بأكوام البصل بلونيه المختلفين الأحمر والأصفر.. تنطلق الزغاريد من سيدات وفتيات القرية احتفاءً بالحصول على يومية ينتظرنها كل عام.. تمتلئ الأجولة البلاستيكية بـ«البصل» ويُحكم ربطها جيدًا.. هنا قرية «ذات الكوم» بمحافظة الجيزة، إحدى أشهر قرى زراعة البصل فى مصر.

موسم حصاد البصل المصرى

فى بداية العام الجارى أصدرت وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية- بيانًا أعلنت فيه حظر استيراد البصل من مصر مؤقتا، عقب ثبوت تجاوز متبقيات المبيدات فيها بنسبة أعلى من الحد المسموح به عالمياً، موضحة أن الحظر جاء بعد نتائج التحليل، من خلال سحب عينات البصل الواردة من مصر، كما علقت السعودية مسبقاً، خلال سبتمبر 2016- استيراد بعض الخضروات والفاكهة المصرية لعدم صلاحيتها للاستهلاك الآدمى، فى الوقت الذى لم ينخفض فيه سعر كيلو البصل فى السوق المحلية ليصل إلى سبعة جنيهات.

لا ينشغل بال محمود عبدالفتاح، أحد مزارعى محافظة الغربية، بقرار السعودية حظر استيراد البصل من مصر، فهو اعتاد على زراعته منذ ما يقرب من ثلاثين عاما كاملة، وينتظر موسم حصاده لسداد الديون التى اقترضها لتدبير مستلزمات الزراعة.

يقول عبدالفتاح: «أستأجر الفدان بـ10 آلاف جنيه فى السنة، وقبل زراعة محصول البصل، فعندما أتسلم الأرض أقوم بحرثها، وتتكلف ما يقرب من 500 جنيه، ثم نروى الأرض بعد الغرس ونرشها بالكيماوى، ويصل ثمن الشيكارة الواحدة 200 جنيه، والفدان يحتاج 20 شيكارة، ويبدأ العمال فى إزالة الحشائش لتسوية التربة».

وشكا أحمد مصطفى، مزارع، من ارتفاع أجور العمال، التى تصل إلى 90 جنيها أجرة يومية، والفدان الواحد يحتاج إلى 5 عمال لتجهيز الأرض والزراعة، ويرتفع العدد، خلال مرحلة الحصاد، ويصل إلى 10 عمال، مهمتهم قلع وتخزين وتشوين المحصول وفصل البصل عن الجذور.

بحسب منظمة «فاو» العالمية تتصدر مصر المركز الثالث عالمياً، فى تصدير البصل المجفف بقيمة 35.5 مليون دولار، وبلغت صادرات مصر 9.5% من إجمالى الصادرات العالمية للبصل المجفف والتى بلغت 371 مليون دولار، وذلك وفقاً لبيانات مركز التجارة العالمية التابع للأمم المتحدة ITC-UN وتأتى مصر فى المرتبة الثالثة، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ثم الهند.

موسم حصاد البصل المصرى

ويلى مصر فى الترتيب ألمانيا، وماليزيا، والصين، وفرنسا، وإسبانيا، وبلجيكا وباقى دول العالم. وبلغت كمية البصل المجفف المصرى المصدر فى 2017 حوالى 15 ألف طن.

وتأتى هولندا فى قائمة أهم الدول المستوردة للبصل المجفف المصرى فى 2017 بقيمة 15.3 مليون دولار تمثل 43% من إجمالى صادرات البصل المجفف المصرى، يليها ألمانيا بقيمة 5.1 مليون دولار، اليابان 4.7 مليون دولار، البرازيل بقيمة 1.2 مليون دولار، ساحل العاج بقيمة 1.1 مليون دولار، كرواتيا مليون دولار، بلجيكا بقيمة مليون دولار.

مثل غيره من المحاصيل الزراعية قد يتعرض محصول البصل للتلف، حال إصابته بالأمراض وعدم التدخل السريع لمكافحتها، ومن أبرز الأمراض «العفن الأبيض»، كما تحدث عنها الدكتور أحمد مروان، الخبير الزراعى، ويصيب البصل فى أى طور من أطوار نموه متى توفرت الظروف الملائمة وعادة يبدأ ظهوره فى أواخر شهر يناير وديسمبر حتى آخر شهر مارس، ومن شدة خطورة المرض أن الفطر المسبب يصيب الجذور ثم قواعد الأوراق الشحمية، وقد يتمكن المرض ولا تظهر الأعراض الخارجية له، وتبدو البصلة سليمة ظاهريا بينما يكون الفطر بداخلها، مما يؤدى إلى انتشار المرض، ويجب التنبيه على المزارعين بعدم استخدام أبصال ناتجة من حقول ظهر بها المرض على، وكذلك يجب أن يمتنع المصدرون عن تصدير بصل ناتج من حقل ظهر به المرض.

وأوضح مروان أعراض العفن الأبيض قائلا: «أول الأعراض هى اصفرار وموت الأوراق الخارجية تليها الأوراق الداخلية الحديثة، وتزحف الإصابة إلى أطرافها التى تتجه لأسفل وهذه النباتات المصابة تصبح صغيرة الحجم عن المعتاد». وحذر أحمد شريف، الخبير الزراعى، من الآفات الحشرية التى قد تصيب محصول البصل مثل «ذبابة البصل » الصغيرة والكبيرة، «ذبابة البصل الصغيرة» تضع أنثى البيض فى شقوق التربة، وبعد الفقس تزحف اليرقات نحو قواعد الأوراق ثم تمتد الى البصيلات فتتلفها، ومن مظاهر الإصابة بذبابة البصل الصغيرة ذبول الأوراق وسهولة تساقطها، وانتشار العفن فى مكان الإصابة خاصة أثناء فترة التخزين.

وأوضح شريف أنه لمكافحة ذبابة البصل الصغيرة لا بد من فرز الشتلات قبل نقلها إلى الحقل والتخلص من المصاب منها، و«عزق» الأرض جيدا بعد اقتلاع الشتلات وتركها خاوية حتى تتعرض للشمس لقتل ما بها من يرقات.

وتابع شريف: «أما ذبابة البصل الكبيرة فتظهر الإصابة على البصل فى مراحل النضج الأخيرة، ومن أعراضها ذبول النباتات واصفرارها وضعفها، وتجمع اليرقات داخل الثمرة، ووجود بقع بنية على الأوراق الخارجية، بجانب نمو الفطريات على الأوراق مما يسبب تعفنها وتلفها».

ونصح شريف المزارعين بضرورة جمع النباتات المصابة وإعدامها، وتخزين البصل فى مخازن جيدة التهوية، وفرزه قبل التخزين بشكل دورى.

جودة محصول البصل فى قرى محافظة سوهاج خلقت لها سوق كبيرة ليس داخل مصر فقط وإنما انتشر صيتها خارج حدود مصر، ليتهافت على شراء محصولها الدول الأوربية.

أحمد سعيد، أحد المزارعين، أوضح أن محصول البصل من أهم المحاصيل التى يعتمد عليها الفلاح فى سوهاج خلال فصل الشتاء، وأن الفدان الواحد فى الأرض الطينية ينتج ما يقرب من 20 طنا، بينما يرتفع فى أراضى الظهير الصحراوى، ويصل إنتاج الفدان الواحد 25 طنًا، وتستمر دورة حياته 100 يوم، وتنخفض إلى 70 يومًا فى الأراضى الطينية».

وأضاف: نبدأ العمل فى شتلة البصل من شهر سبتمبر، حيث نقوم ببذر البذور فى الأرض، ونقوم بريها ورعايتها مدة تتراوح من 70 إلى 90 يوما، حتى تصبح شتلات للبصل، ونقوم بنقل هذه الشتلات إلى الأرض أو إلى الجبل، حيث يتم تجهيز الأرض للزراعة، وتصل تكلفة الفدان الواحد إلى 23 ألف جنيه من مستلزمات الزراعة وشتلات وكيماوى، بخلاف أجور العمال التى تتعدى عشرة آلاف جنيه.

موسم حصاد البصل المصرى

وأوضح محمود رأفت، أحد التجار، أنه بعد جمع المحصول يتم تجميعه داخل أجولة يصل وزن الواحد 50 كيلوجرامًا، وأجرة العامل فى تعبئة الجوال الواحد ثلاثة جنيهات، ويتم نقلها إلى التجار بمنطقة سوق العبور، ومنها تصل إلى أسواق التجزئة.

وانتقد حسين أبوصدام، نقيب الفلاحين، الأنباء المتداولة حول امتناع ليبيا عن دخول شحنة من البصل؛ بحجة أنها غير صالحة للاستخدام الآدمى، بجانب عدم رفع السعودية قرار حظر استيراد البصل من مصر، مشيرا إلى أنه لا صحة لما ردده المسؤولون هناك بأن سبب الحظر وجود بقايا مبيدات فى المحصول، خاصة أن محصول البصل يحتل المركز الثالث فى الصادرات الزراعية المصرية بعد الموالح والبطاطس.

وذكر أبوصدام أن المساحات المنزرعة من البصل وصلت إلى 300 ألف فدان تقريبًا، بإنتاجية أكثر من 3 ملايين و200 ألف طن، ويتم تصدير ما يقرب من 400 ألف طن لأكثر من 28 دولة، منها روسيا وبريطانيا وفرنسا واليابان وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية، والهند وتركيا مؤخرا وجميع هذه الدول تقوم بتطبيق المعايير والمواصفات العالمية فى الاستيراد. وأشار أبوصدام إلى أن دولة السعودية كانت أكبر مستورد للبصل المصرى بحوالى 200 ألف طن، ما يعادل 50% من إجمالى الصادرات، وأن منع دخول شاحنات البصل إلى ليبيا ليس له علاقة بجودة البصل المصرى، وإنما هى صراعات سياسية داخل ليبيا لحركات تريد أن تعاقب مصر، طبقا للموقف السياسى لها. وطالب أبوصدام الحكومة المصرية بسرعة إصدار بيان رسمى توضح فيه حقيقة ما حدث لشحنات البصل الأحمر المصرى فى ليبيا، وكيفية التعامل مع المشكلة فى حالة صحة هذه الأنباء، لافتا إلى أن تأخر الرد من وزارة الزراعة له آثاره السلبية على سمعة الصادرات المصرية بصفة عامة.

إسلام عطا، أحد مصدرى البصل، أشار إلى أن سبب أزمة حظر البصل هو المزارع الذى يستخدم مبيدات يحظر استخدامها أو الإفراط فى استخدامها بشكل مبالغ.

ووصف عطا استخدام المبيدات من جانب بعض المزارعين بالعشوائى، وشدد على أنه لا بد من رقابة وزارة الزراعة لضمان الحصول على محصول خالٍ من متبقيات المبيدات، ومن أجل سد الثغرات أمام أى دولة تترصد بمصر لحظر استيراد محاصيلها.

واستبعد عطا قرار حظر ليبيا استيراد البصل المصرى ثبوث بقايا من المبيدات، وأرجع القرار إلى إمكانية تلف البصل، بسبب سوء النقل خاصة أن شحن الخضروات والفاكهة يتطلب سيارات خاصة ومجهزة لضمان سلامة وصول الشاحنة دون تلف.

وأوضح عطا أن سبب ارتفاع أسعار البصل فى الأسواق المصرية، حيث وصل سعره إلى 8 جنيهات للكيلو الواحد إلى تصدير كميات كبيرة منه إلى دول أوروبا، التى خسرت محصولها هذا العام بسبب سوء الأحوال الجوية هناك ولجأت إلى مصر كدولة مصدرة للبصل.

عبد المجيد مبروك، رئيس قسم بحوث محاصيل البصل، أكد أن مصر دولة رائدة فى تصدير البصل، ضمن ١٠ دول على مستوى العالم، ويمتاز البصل المصرى عن غيره بطول الفترة التخزينية لأنه يتحمل التداول والشحن.

وصنف مبروك البصل المصرى إلى عدة أصناف قائلا: يوجد أربعة أصناف للبصل، جيزة أحمر وجيزة ٢٠ وجيزة ٦ وجيزة أبيض، وجارٍ الانتهاء من تسجيل صنفين نهاية العام الجارى داخل مركز بحوث البصل.

وأشار مبروك إلى أنه فى العام الماضى تراوحت المساحات المنزرعة من البصل بين ١٥٠ و١٨٠ ألف فدان، وارتفعت هذا العام لتصل إلى ٢٠٠ ألف فدان، ونستهلك ١،٨ مليون طن سنويًا، متوسط استهلاك الأسرة ١٨ كيلو فى العام الواحد، الفائض يتراوح ما بين ٤٥٠ ألف إلى مليون طن للتصدير.

وقال مبروك إن دولة تركيا كانت من ضمن الدول المنافسة لمصر فى تصدير البصل، لكن سوء الأحوال الجوية فى دول الاتحاد الأوروبى أنعش التصدير، وفتحت أسواق تركيا أبوابها لاستيراد البصل المصرى، وانتعاش استيراد البصل أحد أسباب ارتفاع سعر الكيلو منه داخل الأسواق بشكل مؤقت لحين حصاد المحصول من مختلف المحافظات. وحذر مبروك المزارعين من الإفراط فى استخدام المبيدات أو اللجوء إلى أسمدة مجهولة الهوية، ونصحهم باستخدام تقاوى من مصادر موثوقة وعدم الإسراف فى الرى والتسميد الأزوتى وعدم استخدام المبيدات المحظورة والالتزام بزراعة البصل فى الأوقات المحددة، واللجوء إلى مديريات الزراعة فى حالة إصابة المحصول بفطريات أو عوارض مرضية واجتناب إرشادات الزراعة من مواقع الإنترنت، لأنها تضر بالمحصول وغير علمية.

وحول دور المركز أوضح مبروك أن للمركز دورًا كبيرًا فى رفع إنتاجية الفدان من البصل، فخلال فترة السبعينيات، وبداية الثمانينيات كان متوسط إنتاج الفدان من البصل ٨ أطنان للفدان الواحد، وارتفع العام الحالى ليتراوح بين ١٥ و٣٠ طنا للفدان لأراضى المزارعين الملتزمين باستخدام الممارسات الزراعية السليمة، وإنتاج أصناف جديدة للبصل عالية الجودة.

من جانبه، شدد المهندس عبدالحميد دمرداش، رئيس المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية، على أهمية زيارة وفد المفاوضات الرسمى برئاسة الدكتور عزالدين أبوستيت، وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، إلى المملكة العربية السعودية للتفاوض بشأن معايير تصدير المنتجات الزراعية إلى السعودية والاتفاق على الضوابط التى تحددها المملكة لنفاذ المنتجات المصرية إليها كما يحدث مع الدول الأخرى، مشيرا إلى أهمية الإخطار السريع بشأن أى شحنات مخالفة وتحديد الشركة المخالفة ونوع المخالفة وإبلاغ مصر بها.

وطالب دمرداش- الجانب السعودى فى المفاوضات بالإعلان عن قواعد تحديد نسبة متبقيات المبيدات فى الصادرات الزراعية الواردة للمملكة بالإضافة إلى تحديد المنافذ والموانئ مكانا لسحب عينات من الواردات الزراعية إليها، بدلا من سحب عينات من الأسواق لضمان عدم تعرض المنتجات لأية ملوثات بعد خروجها من الموانئ السعودية.

ولفت دمرداش لأهمية الاتفاق مع الجانب السعودى على تبادل الزيارات لمناطق المنتجات الزراعية التى يتم تصدير إنتاجها للمملكة للتأكد من تطبيق الممارسات الجيدة خلال مراحل الإنتاج بدءا من إعداد الأرض للزراعة ونوعية المبيدات المستخدمة ومصدرها والجهة المشرفة على المبيدات، وذلك أسوة بما يتبعه الاتحاد الأوروبى عند استيراده منتجات زراعية من مصر لضمان الشفافية المطلقة فى التعامل مع ملف الصادرات الزراعية بين البلدين للحد من صدور قرارات حظر تؤثر على حركة الصادرات الزراعية بين مصر والسعودية.

وأشار إلى أهمية دور هيئة سلامة الغذاء خلال المرحلة القادمة فى الرقابة على أسواق بيع الخضروات والفاكهة، للتدخل السريع فى تحديد حالة متبقيات المبيدات فى المنتجات التى يتم عرضها فى الأسواق، وفقا للمعايير الدولية المعنية بسلامة الغذاء والتى تطبقها مصر، مشيرا إلى أن دور الهيئة الرقابى يسهم فى رفع جودة المنتج المحلى من المحاصيل الزراعية، سواء لأغراض الاستهلاك المحلى أو التصدير إلى الخارج.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية