سيسعى إمبراطور اليابان المقبل، الأمير ناروهيتو إلى إقامة توازن صعب بين تقاليد مؤسسة عريقة، وبين رغبته فى أن يجعل العائلة الإمبراطورية أكثر قربا وانفتاحا على العالم، ولحماية زوجته الأميرة ماساكو التى لا تشعر بارتياح فى دورها الجديد.
ونارويهيتو، 59 عاما، الذى سيعتلى العرش فى مطلع مايو المقبل بعد تنحى والده الإمبراطور الحالى أكيهيتو، عن العرش، المقرر اليوم بسبب حالته الصحية، أعرب على غرار والده، عن قلقه من الطريقة التى يجب فيها التعامل مع دور اليابان فى الماضى، ودعا ناروهيتو إلى إصلاح يمكن الأسرة الامبراطورية من مواكبة القرن الحادى والعشرين وهو موضوع يزيد من حرصه عليه معاناة زوجته من صرامة «الإتيكيت».
وسيتبنى بعد اعتلائه العرش نظاما ملكيا أكثر انفتاحا وقربا من الناس، مواصلا الجهود التى بدأها الأمبراطور أكيهيتو قبل أكثر من ربع قرن، وخاض تجربة الحكم لفترة قصيرة عندما خضع والده لعملية فى القلب فى 2012، وقال حينها: «من الضرورى خفض المهام الملقاة على عاتقه، أود أن افعل ما باستطاعتى فى هذا المجال».
وقال ناروهيتو قبل سنوات: «يجب إعادة تحديد الواجبات الإمبراطورية للتكيف مع تحولات عصرنا»، وحذر من أنه على اليابان عدم التقليل من جسامة الممارسات التى ارتكبها جيش بلده فى مطلع القرن العشرين وخلال الحرب العالمية الثانية.
ففى 2015، رأى أنه «من المهم مع اضمحلال الذكرى» أن ينظر اليابانيون «بكل تواضع» للعقود الماضية دون التستر على تجاوزات الجيش الإمبراطورى خلال النصف الأول من القرن العشرين، كما أعرب عن الأمل فى «أن تنقل الأجيال التى عاشت الحرب بشكل صحيح إلى تلك التى لم تشهد حربا، التجربة المأساوية التى عاشتها اليابان والطريق الذى سلكه هذا البلد فى التاريخ».
وعبر فى فبراير الماضى عن رغبته فى أن يكون «قريبا من الشعب وأن يشاطره أفراحه وأحزانه» تماما كما الإمبراطور والإمبراطورة حاليا اللذين يتفقدان المناطق التى تشهد كوارث طبيعية والمعوقين والمهمشين، ولم يخف ناروهيتو انتقاداته لأسلوب العيش الخانق المفروض على العائلة الإمبراطورية خصوصا حيال معاناة الأميرة ماساكو التى تجد صعوبة فى التأقلم مع هذه الأجواء.
وقال كينيث رووف، مدير مركز الدراسات اليابانية فى جامعة بورتلاند فى الولايات المتحدة: «أكد مرارا أنه كان على العائلة الإمبراطورية التأقلم مع التغيرات فى المجتمع، علينا ألا نتوقع بأن يتصرف تماما كوالده حتى ولو أنه سيكون هناك استمرارية».
وقال: «سيقوم مثلا بمهامه فى أطر يطغى عليها طابع دولى أكبر» خصوصا من خلال اهتماماته بشح المياه فى العالم.
وناروهيتو المولود فى 23 فبراير 1960 أول أمير نشأ فى كنف أسرته بدلا من أن يعهد به إلى مربيات وأولياء أمور، وتفرض التقاليد أن يقوم بتنشئته مدرسون خاصون، ويهتم لاعب الكمان الذى يهوى النزهات، وشديد التكتم بالمحافظة على الأنظمة البيئية البحرية وترأس مؤتمرا دوليا فى هذا الشأن فى 2003. ودرس لعامين فى جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة فى ثمانينات القرن الماضى، بعد أن نال شهادة فى تاريخ اليابان، ونجح فى التحرر لفترة من قيود حياة العائلة الإمبراطورية فى بلاده، وتواصل مع الطلاب الآخرين ومع الأسرة الملكية البريطانية، ويتطرق بتأثر كبير إلى هذه الحقبة من حياته فى كتاب. وفى 1993، تزوج من ماساكو أوادا المولودة فى 1963 فى أسرة دبلوماسيين وخريجة جامعتى هارفارد وأكسفورد العريقتين. وتتحدث ماساكو عدة لغات، وقررت التخلى عن مسيرة مهنية واعدة للانضمام إلى العائلة الإمبراطورية، لكنها لم تتحمل حياة تخضع للقواعد الصارمة لهيئة العائلة الإمبراطورية، وخضعت لضغوط كبيرة لإنجاب طفل ذكر الوريث الوحيد للأسرة الإمبراطورية فى اليابان، وتفاقمت الحالة النفسية لماساكو عندما أنجبت فى 2001 الأميرة أيكو، ولم تنجب غيرها، إذ إن العرش لا يعتليه إلا الذكور، ولكن الضغوط خفت عليها بعد ولادة هيساهيتو ابن الأخ الأصغر لناروهيتو فى 2006، وهو أول صبى يرى النور فى العائلة الإمبراطورية منذ 41 عاما.
وفى 2004 اتهم ناروهيتو الذى أقسم بـ«حماية زوجته بأى ثمن»، البروتوكول الإمبراطورى بكبت شخصية زوجته، مما أثار ضجة فى القصر، وقال: «فى السنوات العشر الأخيرة، سعت الأميرة ماساكو إلى التأقلم مع نمط عيش العائلة الإمبراطورية، إنى شاهد على ذلك لقد أرهقتها هذه المؤسسة تماما»، وأضاف: «يجب القول إنه تم محو حياتها المهنية السابقة وشخصيتها».
فى العام نفسه كشف القصر أن ماساكو تخضع لعلاج من مرض وصف بأنه «اضطرابات بسبب محاولة التأقلم» منذ زواجها. وناروهيتو الذى وبخته أسرته، اضطر للتراجع عن تصريحاته واعتذر، لكنه لم يكف عن التعبير عن تعاطفه مع زوجته ودعا إلى «واجبات إمبراطورية جديدة» تواكب تطور المجتمع.
وقال هيديا كوانيشى، الأستاذ فى التاريخ فى جامعة ناجويا، إن الأمير ناروهيتو والأميرة ماساكو «لن يتمكنا من القيام بالأنشطة التى يقوم بها حاليا والده ووالدته» بسبب الوضع الصحى لماساكو، وكان الأمير ناروهيتو حذر الأميرة العام الماضى خلال مؤتمر أثناء زيارة لفرنسا لم ترافقه زوجته فيها من أنها «ستقوم بواجباتها بشكل تدريجى»، وفى إعلان نشر ديسمبر بمناسبة عيد ميلادها قالت ماساكو إنها تتعافى تدريجيا وتعتبر أنها قادرة على «أداء واجبات أكثر من السابق» رغم تأكيدها أنها «غير مرتاحة» لفكرة أن تصبح إمبراطورة.