قال الدكتور هاني النقراشي، عضو المجلس الاستشاري الرئاسي لكبار علماء مصر، إن والده محمود فهمي النقراشي، رئيس وزراء ووزير داخلية مصر الأسبق، اُغتيل في 28 ديسمبر 1948 بأمر من مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا، انتقامًا من حله الجماعة، الذي سبق الواقعة بنحو 20 يومًا.
النقراشي الابن قال، في حوار اختص به «المصري اليوم»، إن والده برئ تمامًا من حادث كوبري عباس في 9 فبراير 1946، الذي قُتل وجرح خلاله نحو 100 من طلاب جامعة القاهرة على هامش تظاهرة ضد الاحتلال البريطاني والأوضاع السياسية في البلاد.
وذكر النقراشي أن قرار فتح جانبي الكوبري لدى وجود الطلاب عليه، كان إجراءً عاديًا حدث قبل مظاهرة الطلاب، مُعتبرًا أن الإنجليز استغلوا الحادث.
وأضاف: أثناء حادث كوبري عباس كان عمري 11 عامًا، لذلك كل ما أعرفه عن الأمر أخذته من كتاب الدكتورة هدى أباظة (النقراشي)، التي نشرته في دار الشروق.
وقال نجل النقراشي إن ذكر واقعة كوبري عباس أتى في ثلاث مناسبات مُتعلقة بأعمال عنف، وحدث خلط في بعض الكتابات بين ما حدث يوم 9 فبراير 1946 عندما كان والده رئيسا للوزراء ووزيرًا للداخلية، وبين وقائع سابقة مُرتبطة بنفس الكوبري يوم 14 ديسمبر 1935، حيث عهد وزارة توفيق نسيم، مما يوجب التحقق من تاريخ الرواية، على حد قوله.
وتابع: مصر في هذه الأوقات لم تكن تتمتع بكل السيادة المتاحة حاليًا، حيث أن الإنجليز كانوا يعسكرون في قلب القاهرة، وتحديدًا بمنطقة قصر النيل في مواجهة وزارة الخارجية التي تسمى الآن «القصر»، مازلتُ أذكر منظرها الكئيب، مكان مبنى الجامعة العربية الحالي والفندق بجانبها، إضافة إلى معسكراتهم في الإسكندرية ومنطقة القناة.
واعتبر أن «الأخطر من كل هذا هو تدخل الإنجليز المباشر في الشرطة المصرية وتغلغلهم فيها، فقد كان حكمدار القاهرة اسمه راسل باشا وحكمدار الجيزة اسمه فيتزباتريك باشا، وقد خططا لحصار مظاهرة الطلبة فوق كوبري عباس وعند وصول المظاهرة إلى الكوبري وجدوه مفتوحًا لمرور السفن، وهذا الإجراء كان المتبع آنذاك، فكانت جميع الكباري تُفتح مرتين في اليوم لمرور السفن، وبالتالي يُمنع مرور السيارات والمشاة لمدة ساعة ونصف تقريبًا».
لكن المتظاهرين رأوا في الكوبري المفتوح محاولة من الشرطة لمنع استمرار سير المظاهرة إلى وسط القاهرة فاستقل بعضهم زورقا إلى وسط الكوبري، حيث توجد معدات الفتح والغلق وأجبروا المهندس المسؤول هناك على إغلاق الكوبري وكانت عمليتا الفتح والإقفال تتم ببطء شديد بحيث تستغرق كل منهما حوالي عشرين دقيقة وقد تكدست المظاهرة في تلك اللحظات بحيث أن كل المتظاهرين تواجدوا على الكوبري للعبور من الجيزة إلى القاهرة بمجرد إقفاله، أي فتح طريق العبور للمشاة والسيارات.
وقال النقراشي الابن إنه «يجب ذكر أشياء، أهمها أن الكوبري لم يُفتح عندما كان عليه المتظاهرون، بل كان مفتوحًا حسب جدوله اليومي لمرور السفن، حتى لو صدقت رواية أن الكوبري فُتح عندما كان المتظاهرون فوقه، فهذا ليس مدعاة لأن يقع أحدهم في النيل، لأن الفتح بطييء لدرجة تسمح بالعبور.
واستند عضو المجلس الاستشاري الرئاسي لكبار علماء مصر إلى محضر الشرطة في هذا اليوم بأنه حدثت 89 إصابة بين المتظاهرين و31 بين رجال الشرطة، وأنه لم تقع إلا حالة وفاة واحدة في مكان آخر في محيط الجامعة نتيجة خلاف مع سائق شاحنة أُرغم على تغيير مساره، وفي هذا السياق دُهس الطالب محمد علي محمد. ولم يحدث أن غرق أحد من المتظاهرين أو غيرهم».
وقال النقراشي:«هذا ما كان ينتظره الحكمداران الإنجليزيين فأمروا قوات الشرطة بضرب المتظاهرين بالعصي من الناحيتين. ويجب التذكير بأن في هذا الوقت كانت المفاوضات المصرية البريطانية متعثرة بسبب مماطلة الإنجليز، مما جعل الجو مشحونا، وبالتالي في مصلحة الإنجليز إظهار الموقف الأمني في مصر أنه خرج عن يد الحكومة التي تفاوضهم ولا ترضى عن تنازلات في حقوق الشعب».
وأنهي النقراشي حديثه لـ«المصري اليوم»، بقوله: «عبدالرحمن الرافعي كتب في تأريخه لهذه الحادثة (أنه) بالغ الرواة في تصويرها إذ جعلوا منها فيما بعد دعاية سياسية ضد وزارة النقراشي وزعموا أن بعض الطلبة قتلوا فيها، وأن بعضهم غرقوا في النيل من أعلى الكوبري وقد تحققنا أنه لم يقتل أحد في هذه الواقعة بالذات».