أكد عدد من السياسيين والحقوقيين أن المجتمع الدولى والمنظمات الحقوقية الدولية، الحكومية وغير الحكومية، تميل فى الوقت الحالى لشرعية الصندوق الانتخابى فى مصر، وترى أن شرعية المجلس العسكرى تآكلت بفعل مظاهرات ميدان التحرير، أما شرعية الميدان ففقدت بريقها بعد الانتخابات البرلمانية.
وأضافوا أن الحكومات الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية تعترف بشرعية من بيده مقاليد الأمور، ويستطيع الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية والأمنية فى مصر، حتى فى حال وصول الإسلاميين للحكم، مشيرين إلى أن المنظمات الحقوقية لم ترصد تزوير الانتخابات البرلمانية، لعدم طعن المنظمات المحلية عليها، كما أن المؤسسات والمنظمات الدولية تميل إلى رجل الشارع، وتنتقد بشكل مستمر الانتهاكات التى تحدث بحقه، وترى أن المجلس العسكرى قدم وعودا واهية باحترام حقوق الإنسان.
قال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن المجتمع الدولى يجمع على شىء واحد، هو استقامة الأوضاع والسلطة السياسية فى مصر حتى يستطيع التعامل معها، وأكد أن الحكومات الأجنبية تبحث عن التعامل مع سلطة سياسية منتخبة من الشعب، ولهذا تميل إلى شرعية الصندوق الانتخابى، وتسعى لدعمها لإتمام عملية التحول الديمقراطى.
وأضاف: «بالنسبة للمجلس العسكرى وشرعية الشارع والثوار، فإن المجتمع الدولى يرى أن تواجدهم مؤقت، وليس لهم شرعية بعد الانتخابات، وبعض القوى الدولية والإقليمية لا تسعى إلى انتقال السلطة فى مصر، لذلك فهى تدعم شرعية الشارع والمجلس العسكرى».
وقال الدكتور وحيد عبدالمجيد، رئيس مركز الأهرام للترجمة والنشر، إنه لا يوجد موقف موحد للمجتمع الدولى فيما يخص الشرعيات الثلاث، موضحا أن كل دولة تتعامل مع الأمر وفقاً لمصالحها الخاصة، سواء بدعم شرعية الأمر الواقع «المجلس العسكرى والميدان»، أو «الشرعية الانتخابية».
وأكد «عبد المجيد» أن كل دولة تبحث عن مصالحها الخاصة فقط، ووفقاً لها سيتم التعامل مع الشرعيات المختلفة، عن طريق دعم بعضها على حساب الآخر، مشيرا إلى أن مواقف الدول فى هذا الشأن متفاوتة. وتابع: «إذا تابعنا على سبيل المثال الموقف الأمريكى من خلال التصريحات الرسمية، فسنجده متذبذبا، فهم يدعمون فى بعض الأحيان المجلس العسكرى، وفى أحيان أخرى يدعمون الثوار والميدان».
وأبدى «عبدالمجيد» ارتياحه لعملية التحول الديمقراطى، حتى ولو شكل التيار الإسلامى أغلبية برلمانية، وقال: «يمكننا القول إن معظم الدول ستدعم شرعية الصندوق، لأنها أتت بانتخابات نزيهة حرة تعبر عن إرادة الشعب، وستتوقف عن دعم أى شرعية أخري، خاصة مع بدء قنوات الاتصال بين قوى المجتمع الدولى وممثلى الأغلبية المتوقعين فى البرلمان».
ولفت إلى أن معظم دول العالم تسعى إلى نقل السلطة للمدنيين عن طريق انتخابات حرة نزيهة، تعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب، لهذا فإن دعمها لن يكون سوى لشرعية الصندوق التى تعبر بشكل واضح وصريح عن إرادة الشعب، سواء توافقت هذه الإرادة مع مصالح المجتمع الدولى أم لا.
وأكد الدكتور عمرو هاشم ربيع، رئيس وحدة الدراسات البرلمانية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن المجتمع الدولى يميل فى الوقت الحالى إلى شرعية الصندوق، ويرى أنها أكثر الشرعيات الثلاث أهمية، مؤكداً أن الدول لا تعترف بشرعية المجلس العسكرى، وترى أن شرعية الشارع فقدت قيمتها عقب الانتخابات، بل إن شرعية الانتخابات تحل محل شرعية المجلس العسكرى».
وأوضح «ربيع» أن شرعية المجلس بدأت تتآكل أمام الشارع والصندوق الانتخابى الذى انسحبت أمامه أيضاً شرعية الثوار، لكن بقدر أقل من المجلس العسكرى، فمن صنع الثورة ليس هو من يقطف ثمارها بالضرورة، وأضاف أن شرعية الصناديق تزداد قوة لأنها أتت عن طريق الشعب، وربما تتآكل حال عدم توافقها مع مطالب الثوار والشارع.
وقال بهى الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، إن الحكومات الأجنبية، خاصةً الأوروبية وحكومة الولايات المتحدة، تدعم شرعية المجلس العسكرى الحاكم، ليس فقط بحكم موقعه فى إدارة شؤون البلاد، لكن لأنه أفضل الشرعيات الموجودة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية والأمنية، إذ يوفر بديلاً آمناً لنظام الرئيس المخلوع، حسنى مبارك.
وأوضح أن الحكومات الأوروبية وأمريكا دعمت، ولآخر لحظة، نظام «مبارك»، وحين رأت أن عمره السياسى انتهى، عدلت موقفها، وجعلت رهانها الأكبر على المجلس العسكرى، الذى استمد شرعية وجوده من الثورة وميدان التحرير.
وأكد أن الحكومات الأجنبية أدركت منذ اللحظة الأولى لتنحى «مبارك» أن التوجهات السياسية للمجلس العسكرى لن تحيد عن نهج نظام «مبارك»، وستسير على خطاه، خاصةً فيما يتعلق بالمصالح الأمنية والاستراتيجية، وأمن إسرائيل.
وأشار «حسن» إلى أن منظمات حقوق الإنسان الدولية لا تقف عند سؤال الشرعية، بل تهتم بالانتهاكات التى تتم بحق المواطنين، بصرف النظر عن مرتكبيها، سواء كانوا من المجلس العسكرى، أو ممثلى الثورة، أو الحكومة. وقال: «طوال الوقت، استمرت المنظمات الدولية فى انتقاد نظام (مبارك) لارتكابه انتهاكات لا تعد ولا تحصى بحق المصريين، واستبدلت هذا النظام بالمجلس العسكرى، وصعّدت من حدة لهجتها ضده خلال الفترة الماضية لارتكابه جرائم بحق مدنيين سلميين».
وأوضح «حسن» أن المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة لا تتنكر للحاكم فى أى دولة، حتى مع أكثر الرؤساء توحشاً مثل الرئيس السورى، بشار الأسد، وعلى عبدالله صالح، رئيس الجمهورية اليمنية، لكن هذا لا يمنعها من انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان فى هذه الدول، وهو ما يحدث الآن مع المجلس العسكرى.
وأشار إلى أنها المفوضية صعّدت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بداية من أحداث ماسبيرو، من لهجتها ضد المجلس العسكرى، للحد الذى وصل إلى الإنذار، والتلويح بإمكانية محاسبته لارتكابه انتهاكات واضحة بحق الشعب، وهو تهديد لم يحدث حتى فى ظل حكم «مبارك».
ورأى «حسن» أن حكومات أوروبا «أكثر نعومة» فى خطابها السياسى تجاه المجلس العسكرى، واصفاً إياها بـ«شاهد ما شفش حاجة»، وهذا لا يعنى دعمها للقمع، لكنها تحافظ على مصالحها، وتحرص على أن تجعل من المجلس العسكرى حليفاً.
وفيما يخص «شرعية الميدان»، قال «حسن»: «الحكومات الأجنبية تحاول إدارة القضية بما لا يتناقض مع مصالحها، وتفتح قنوات اتصال مع جميع القوى السياسية، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، والجماعة السلفية، وليس لديها مانع فى وصول الإسلاميين إلى الحكم فى مصر، شريطة المحافظة على أمنها ومصالحها الاستراتيجية».
وأكد أن المنظمات الحقوقية الدولية ستنتقد أى انتهاكات بحق الشعب حال وصول الإسلاميين للحكم، لانطلاقها من مبادئ وقيم حقوق الإنسان، وقال إن المنظمات الدولية لم ترصد تزويراً من المجلس العسكرى للانتخابات، أو تغييراً فى إرادة الناخبين، وبصرف النظر عن التجاوزات الانتخابية، والقصور الشديد فى عمل اللجنة العليا، فإن شرعية نتائج الانتخابات صحيحة، وليست محل طعن من منظمات المجتمع المدنى المحلية، مشيراً إلى أن المؤسسات الدولية لا تتهم الحكومات بالتزوير، إلا بعد طعن المنظمات المحلية على النتائج.
وأكد جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن تقارير المؤسسات الدولية لا ترى تعارضاً بين مطالب التحرير والصندوق الانتخابى، لأنهما يكملان بعضهما البعض، وقال: «هناك شبه إجماع من هذه المؤسسات على عرقلة المجلس العسكرى للثورة، ومحاولته إجهاضها، فضلاً عن ارتكابه عدة انتهاكات وصفها بـ(الفظة)، وإجرائه محاكمات عسكرية بحق المواطنين».
وأشار إلى أن المؤسسات الحقوقية غير الحكومية تنحاز إلى رجل الشارع والمواطن البسيط، على اعتبار أن دعوته لوقف المحاكمات العكسرية للمدنيين، وإقرار مبادئ العدل والمساواة والعدالة الاجتماعية - مشروعة، وإقبال المصريين على الانتخابات ليس لترسيخ شرعية الصندوق، بل لإنهاء حكم العسكر.
واعتبر أن المنظمات الحقوقية المحلية لا تقف على مسافة واحدة فيما يتعلق بمطالب الجماهير، فمنها من يبحث عن المكاسب، ويتودد للمجلس العسكرى، ومنها من لم يغير مواقفه منذ أيام حكم «مبارك»، وما زال يدافع عن المواطنين وينحاز للبسطاء.
المصالح وأمن إسرائيل يحكمان علاقة واشنطن بـ«الشرعية فى مصر»
تبدلت المواقف الأمريكية خلال الـ12 شهرا الماضية، وفق متغيرات معادلة الصراع الداخلى فى مصر بين الشرعيات الجديدة التى فرضت نفسها على الساحة، وعينها على 3 أولويات هي: المصالح الثنائية المشتركة، وأمن اسرائيل، وإقامة علاقة جيدة مع أيا كان من سيأتى لرأس السلطة فى مصر.
فمع الأيام الأولى للثورة، أصدرت وزيرة الخارجية الأمريكية تصريحات مدعمة للرئيس السابق حسنى مبارك، وقالت إنها تثق فى استقرار الأوضاع فى مصر واستقرار نظام مبارك، بل أرسلت الإدارة الأمريكية سفيرها الأسبق إلى مصر، فرانك ويزنر، للتباحث مع القيادة السياسية، وخرج ويزنر بتصريحات مؤيدة لمبارك، مؤكدا ثقته فى قدرته على احتواء الغضب الشعبى.
هذه التصريحات سرعان ما تنصلت منها الإدارة الأمريكية، بعد أن فرض الثوار شرعيتهم، فراحت تعتبر حديث ويزنر لا يعبر إلا عن رأيه الخاص وليس عن الإدارة الأمريكية. ومع تصاعد الغضب الشعبى والمظاهرات فى ميدان التحرير ومع القمع «الوحشى» للثورة، بدأت الخارجية الأمريكية تتخذ سياسات تدعو إلى نبذ العنف واحترام الحقوق العالمية للإنسان، ومنها حق التعبير عن الرأى وحق التجمع.
شيئا فشيئاً اتجه البيت الأبيض لسحب اعترافه التقليدى بشرعية نظام مبارك، من خلال المطالبة التدريجية بالتغيير فى مصر. وألحت أمريكا فى سرعة التغيير، مستخدمة كلمة «الآن» عدة مرات، تنحى بعدها مبارك فورا.
ودافعت وزيرة الخارجية الأمريكية عن موقف بلادها، قائلة إنه ثابت فى دعم حقوق الإنسان ودعم تطلعات الشعب المصرى، وقالت إنه لا أحد توقع أننا سنتحدث عن نهاية حكم الرئيس مبارك عندما بدأت هذه الثورة.
بهذا الاتجاه الجديد، الذى انتهجته الإدارة الأمريكية، أعطت الثورة المصرية وميدان التحرير شرعية التحدث باسم الشعب المصرى، والتعبير عن آرائه واتجاهاته، وقامت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون بزيارة مصر وسارت بنفسها فى ميدان التحرير، تكريسا لفكرة الدعم الأمريكى لخيار الشارع المصرى.
فى الوقت نفسه، أعربت الولايات المتحدة عن ارتياحها لتولى المجلس العسكرى إدارة شؤون السلطة فى مصر، فمعظم قيادات المجلس من الشخصيات المعروفة لدى الولايات المتحدة، وهناك اتصالات ثنائية مستمرة بين الجانبين فى إطار المعونة العسكرية، والزيارات المتبادلة بين المسؤولين العسكريين والتدريبات المشتركة.
ونظرت الإدارة الأمريكية إلى المؤسسة العسكرية باعتبارها المؤسسة الوحيدة القادرة على قيادة مصر خلال المرحلة الانتقالية فى وقت انهارت فيه جميع مؤسسات الدولة الأخرى، وعلى رأسها الأمنية والشرطة، التى طالما بدت قوية وقمعية فى مواجهة أى بادرة للمعارضة.
وقال الخبير السياسى، ستيفن كوك، إن الاستراتيجية التى تبناها المجلس العسكرى هى احتواء المظاهرات والمعارضة، والعمل فى الوقت نفسه على تحقيق توازنات سياسية مع جميع الأطياف الناشطة فى مصر. ومع الإضرابات الكثيرة التى شهدتها مصر، وجه «كوك» اللوم إلى جميع القوى السياسية فى مصر، وعلى رأسها المجلس العسكرى والإسلاميين والثوار والليبراليين.
واعتبر «كوك» فى مقال نشرته مجلة «فورين بوليسى» أن ما وصفها بـ«لحظة التمكين والكرامة الوطنية.. قد تراجعت»، وقال إن عنف الشرطة العسكرية الطائش كان السبب المباشر للتشنج الذى تشهده القاهرة، فقد تراجعت البلاد عن لحظة التمكين والكرامة الوطنية التى ترمز لها الانتفاضة وتتصارع الآن مع سياسة قذرة لتطبيع العنف».
وبينما عبرت وزارة الخارجية الأمريكية عن مخاوفها من الصراع المتفاقم بين العسكر والثوار، أشار عدد من الخبراء إلى خطورة إسقاط المؤسسة العسكرية على إسقاط الدولة المصرية نفسها، وعلى اعتبارها دولة فاشلة تسودها الاضطرابات. وحذر مراقبون من أن سقوط المؤسسة العسكرية قد يؤدى إلى نشوب حرب أهلية فى مصر، خاصة فى ظل تكرار حوادث العنف الطائفى وإحراق الكنائس.
ورغم المساندة الأمريكية القوية للمجلس العسكرى، جاءت أحداث أجبرت إدارة أوباما على توجيه انتقادات مباشرة لها، أبرزها الهجوم على السفارة الإسرائيلية.
وخوفا من استمرار الاضطرابات والهجوم على المجلس العسكرى، ألحت الولايات المتحدة على المجلس العسكرى فى إجراء الانتخابات البرلمانية فى موعدها، وهو ما جاء متسقا مع أهداف المجلس، الذى رغب فى تسريع إجراء الانتخابات حتى تعطى الانتخابات الشرعية الكاملة للبرلمان وتسحبها من الميدان، بحسب الرؤية الأمريكية.
وخرجت تصريحات الدبلوماسيين الأمريكيين صريحة وواضحة باستعداد بلادهم التعامل مع الإخوان المسلميين، وقالت «كلينتون» فى خطاب أمام المعهد الديمقراطى إنها تثق فى قدرة الإسلاميين على تحقيق الديمقراطية، بينما أشار مستشار الرئيس الأمريكى لشؤون الشرق الأوسط، دينس روس، إلى أنه يجب التعامل مع القوى السياسية الجديدة فى مصر والتعامل مع الإسلاميين بيقظة وعيون مفتوحة.
وانتقد عدد من المحللين السياسيين الأمريكيين تأخر الإدارة الأمريكية فى التعليق على أحداث العنف فى ميدان التحرير، والتى أسفرت عن مقتل العشرات وإصابة المئات، وقالوا إن هذا التردد يعيد إلى الأذهان تأخر إدارة أوباما فى الضغط على مبارك، للرحيل عن الحكم، داعين إلى عدم تكرار الخطأ نفسه، ودعوة المجلس العسكرى لوضع جدول زمنى سريع، للانتقال إلى الديمقراطية.