سيطر الارتباك على سوق الحديد، الأسبوع الماضى، بعد قرار وزارة التجارة فرض رسوم وقائية بنسبة 25% على واردات الحديد، وبحد أقصى 15% على واردات البليت، من كل دول العالم، لمدة 180 يومًا، وحتى انتهاء التحقيقات التى يجريها قطاع المعالجات التجارية بالوزارة.
وتباينت مواقف الأطراف الرئيسية فى السوق، ورحبت المصانع المنتجة للبليت والحديد بنظام الدورة المتكاملة، والمعتمدة على استيراد أكسيد الحديد الخام وتنفيذ 4 مراحل تصنيعية عليه، فيما أعلنت مصانع الدرفلة تضررها الشديد من القرار، نظرًا لاعتمادها على استيراد البليت وتحويله إلى حديد تسليح، ولجأ بعض التجار إلى زيادة أسعار البيع للمستهلك 500 جنيه فى الطن، رغم عدم إعلان المصانع بيانات رسمية تفيد بزيادة الأسعار.
وبدأت الأزمة مع تقدم مصنعى المراكبى للصلب والسويس للصلب بشكوى مؤيدة مستنديًا إلى قطاع المعالجات التجارية، بإصابة الصناعة بضرر شديد من البليت المستورد، بأسعار أقل من تكلفته الحقيقية، ما أدى إلى تكدس مخازن المصانع المحلية بأكثر من 500 ألف طن من البليت لا يمكن تصريفه، نظرًا لارتفاع الفارق بين المستورد والمحلى لأكثر من 80 دولارًا فى الطن، وفى 28 مارس الماضى، وافق وزير الصناعة على بدء التحقيقات فى إجراءات وقاية على واردات البليت وحديد التسليح، والأسبوع الماضى وافق على توصية اللجنة الاستشارية بقطاع المعالجات التجارية بفرض رسوم مؤقتة على واردات الأصناف محل التحقيق، لمنع التوسع العشوائى فى استيراد الحديد والبليت وتخزينه فى الأسواق خلال فترة التحقيق.
وأشار الإخطار الذى رفعته وزارة التجارة إلى منظمة التجارة العالمية إلى عزمها فرض رسوم، نظرًا لوجود زيادة كبيرة وغير مبررة أو متوقعة فى الواردات، بما يسبب ضررا جسيما للصناعة المحلية، حيث ارتفعت الواردات خلال النصف الثانى من 2018 بنسبة 31%، مقارنة بالنصف الأول من عام 2017، لتسجل فوق 900 ألف طن، خلال النصف الثانى من عام 2018، مقارنة بـ69 ألف طن خلال النصف الأول من عام 2017، كما تبين لجهات التحقيق تضرر الصناعة الوطنية من ارتفاع الواردات ممثلا فى تراجع حصتها السوقية، بنسبة 6%، و10% على التوالى خلال النصفين الأول والثانى لعام 2018، كما ارتفعت خسائر الصناعة المحلية بنسبة 119% خلال النصف الثانى من 2018، مقارنة بالنصف الأول من عام 2017، وارتفع المخزون فى المصانع بنسبة 400% خلال نفس فترة المقارنة.
وأوضح الجهاز فى إخطاره للمنظمة أنه للتأكد من أن الضرر الخطير لا يعزى إلى عوامل أخرى غير الزيادة فى الواردات، أجرت هيئة التحقيق تحليلًا أوليًا لعدة عوامل، منها تقلص الطلب وتغيير أنماط الاستهلاك والتقدم التكنولوجى والمنافسة المحلية والصادرات والتغيرات فى أسعار الصرف، ووجدت هيئة التحقيق أن هذه العوامل ليست سببًا لإصابة خطيرة فى الصناعة المصرية.
من جانبه، قال مسؤول بوزارة التجارة إنه يحق للشركات المتضررة التقدم بالمستندات والدفوع المعبرة عن موقفها إلى اللجنة الاستشارية خلال شهر من صدور قرار بدء التحقيق، فى 31 مارس الماضى، موضحًا أن القرار لا يهدف إلى منع استيراد البليت أو تعطيل مصانع محلية، ولكن هذه الرسوم تضمن دخول المنتج بسعر عادل، لذلك جاء قرار الرسوم على خام البليت متدرجا وفقا لأسعاره فى البورصات العالمية، ويشير القرار إلى تطبيق حد أقصى 15% عند وصول سعر البليت لأقل من 450 دولارا للطن، وصولا إلى «صفر» رسوم فى حالة بلوغه أعلى من 550 دولارا للطن، وسيتم إدراج هذا المبلغ فى حساب صندوق تنمية الصادرات.
وقدرت المصادر العائد من فرض رسوم على واردات البليت، خلال فترة الستة أشهر المقبلة، بما لا يقل عن 550 مليون جنيه، باحتساب متوسط رسوم 50 دولارًا عن كل طن، حيث تستورد مصر 1.5 مليون طن سنويًا من البليت.
من جانبه، قال محمد الجارحى، نائب رئيس شركة حديد الجارحى للدرفلة، أحد المصانع المتضررة، إن القرار الأخير قد يجبرها على التوقف حالة عدم قدرتها على زيادة الأسعار، منتقدًا القرار قائلا إن حصة مصانع الدرفلة فى سوق حديد التسليح لا تتجاوز 15%، فكيف يمكن لها الإضرار بمبيعات الشركات التى تستحوذ على 85% من السوق.
وأشار إلى أن فرض رسوم حماية على واردات البليت سيؤدى إلى أحد أمرين، إما أن تتوقف مصانع الدرفلة عن الإنتاج لأنها ستصبح غير قادرة على المنافسة فى ظل فرض هذه الرسوم، وبالتالى تضيع المليارات من الاستثمارات، أو أن يتم تمرير هذه الزيادة إلى المستهلك ولكن هذا يتطلب قيام المصانع الكبيرة ذات الحصة السوقية الأكبر برفع الأسعار بما يوازى قيمة الرسوم المفروضة، وهو ما يتخطى الألف جنيه فى الوقت الراهن، حتى تتمكن مصانع الدرفلة من الاستمرار فى نشاطها، لافتًا إلى أن إرتفاع تكلفة إنتاج البليت محليًا نتيجة لعوامل أخرى، منها ارتفاع تكلفة الطاقة، وتكاليف التمويلات البنكية، ويجب ألا تتحملها المصانع الصغيرة.
وأشار الجارحى إلى أن سوق البليت تعانى عجزا فى الإنتاج مقابل الطلب، وقامت المصانع الكبرى باستيراد البليت من الخارج خلال 2018، مؤكدا أن المصانع المنتجة للبليت محليا لا يمكنها الوفاء باحتياجات مصانع الدرفلة، داعيا إلى ضرورة وقف القرار لحين انتهاء التحقيقات لحماية الصناعة والحفاظ على العمال.
وقال مسؤول بإحدى شركات إنتاج حديد التسليح والبليت إن تكاليف الطاقة موحدة على كل الصناعات، وإنه رغم ارتفاع التكاليف مع زيادة الكهرباء فإن المصانع خفضت أسعارها خلال 2018 مقارنة بعام 2017، لافتًا إلى أن العالم كله اتبع نهجًا جديدًا فى حماية صناعته المحلية، مع الاضطرابات التى تشهدها سوق الصلب بعد قرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فرض رسوم على واردات الصلب للسوق الأمريكية، واتبعته فى فرض رسوم وقاية دول الاتحاد الأوروبى وتركيا وكندا ودول عربية مثل تونس والجزائر، لحماية صناعتها الوطنية، وأشار المصدر إلى أن الإنتاج العالمى من الصلب بلغ ٤٥٠ مليون طن، منها 150 مليون طن حصة الدول التى أغلقت أسواقها، وهذه الكميات تبحث عن أسواق مفتوحة لتصريف منتجاتها، وكان من بينها السوق المصرية التى كانت تفرض حماية محدودة من خلال رسوم إغراق على حديد التسليح فقط من ٣ دول، هى الصين وتركيا وأوكرانيا.
وأشار المصدر إلى أن هذا الأمر انعكس على خريطة الواردات للسوق المصرية على جانبين، الأول زيادة فى واردات حديد التسليح من دول غير تقليدية، على رأسها السعودية وروسيا، فيما اتجهت الدول المفروضة عليها رسوم إغراق، مثل الصين وتركيا، إلى إدخال كميات كبيرة من واردات البليت، بديلا عن حديد التسليح، لافتًا إلى أن متوسط أسعار البليت سجل تراجعًا بنحو ١٨٪، رغم أن سعر أكسيد الحديد الخام ارتفع بنسبة 3.5%، بهدف تصريف المخزون العالمى.
وأضاف المصدر أن لدينا 8 مصانع تعمل بنظام الإنتاج المتكامل باستثمارات بلغت 150 مليار جنيه، وتقدم منتجات ذات قيمة مضافة تتعدى 75%، تتماشى مع خطة الدولة لتعميق التصنيع المحلى، مقارنة بقيمة مضافة فى مرحلة الدرفلة لا تتجاوز 12%، وأى ارتفاعات فى أسعار البيع للمستهلك حاليا هى تحركات فردية من التجار وغير حقيقية، نظرا لوجود مخزون كبير يتعدى المليون طن من حديد التسليح فى المصانع، فى وقت يشهد فيه الطلب على الحديد تباطؤا مع قدوم شهر رمضان والإجازات الصيفية.
وأوضح أن المصانع المعتمدة على البليت المستورد ستضطر لخفض هوامش أرباحها، والتى تضاعفت كثيرًا الفترة الماضية حسب قوله، لتصل إلى المعدلات المعتادة، مشيرًا إلى أنه بعد تطبيق الرسوم الجديدة بواقع 50 دولارًا على كل طن بليت، سترتفع تكلفة إنتاج طن حديد التسليح فى مصانع الدرفلة إلى 11 ألفا و177 جنيها، فى وقت تصل متوسطات أسعار البيع إلى 11 ألفا و450 جنيها كحد أدنى، أى أن متوسط هامش ربح المصنع سيصل إلى 300 جنيه.