أكد اللواء حمدى عبد الله بخيت، المحلل الإستراتيجى، أن شرعية المجلس العسكرى فى تولى إدارة شؤون البلاد جاءت وفق ظروف دستورية وثورية، لافتا إلى الاختلاف بين ثورة 25 يناير، وثورة 23 يوليو، التى قام بها الجيش وساندها الشعب.
وقال «بخيت» فى حواره لـ«المصرى اليوم» إن صعود التيار الدينى للرئاسة فى مصر من رابع المستحيلات، رغم فوز التيار بأغلبية البرلمان، معربا عن اعتقاده بأن الظروف الراهنة لا تسمح بانتخاب أى شخص ذى مرجعية عسكرية، نتيجة الموروث السيئ الذى تركه الرئيس السابق، حسنى مبارك، فى هذا الشأن.. وإلى نص الحوار.
■ بعد مرور عام على ثورة 25 يناير وتولى المجلس العسكرى إدارة البلاد، ما تقييمكم لشرعية المجلس؟
- هذه الشرعية جاءت طبقا لظروف دستورية وثورية، بمعنى أنها شرعية مختلطة، فدستور 71 سقط بسقوط الرئيس السابق، ولا توجد مادة دستورية تقول إن المجلس هو الذى يحكم، لكن شرعيته جاءت باستفتاء شعبى، عندما رحب الشعب بنزول الجيش وقياداته إلى الشارع، وتعالت الأصوات بهتاف «الجيش والشعب إيد واحدة» فى جميع ميادين مصر، والقوات المسلحة راضية عن دورها فى هذه الفترة، أما الجزء الثورى فى هذه الشرعية فقد أتى بسقوط النظام السابق، وانتقال الشرعية للشعب والثوار، وكانت هناك مادة فى الدستور تقضى بأن القوات المسلحة على مدى التاريخ الطويل مسؤولة عن الشرعية الدستورية، فأصبحت مهمتها حماية هذه الشرعية المتمثلة فى الشعب والثورة.
■ لكن المجلس العسكرى واجه انتقادات كثيرة فى الفترة الماضية حول طريقة إدارته شؤون البلاد؟
- من الذى يقول هذا، وما حجمه وتوجهاته؟ هل يمثل الأمة، أم يمثل القلة؟ فقد أثبتت كل المواقف أنهم قلة، والشعب الذى سلم هذه الشرعية للقوات المسلحة رد بأن هذه الأصوات لا تمثله، بدليل المظاهرات التى خرجت فى ميدان العباسية، وغيره من الميادين فى محافظات مختلفة، والدليل الآخر أنه فى مقابل الأحاديث التليفزيونية التى تتحدث عن انسحاب المجلس العسكرى، نجد صوت العامة ينادى بعكس هذا، لأن القوات المسلحة هى الدرع الواقية التى لا بديل لها، ونحن نثق فى إدارتها شؤون البلاد، وإذا كانت القوات المسلحة ستسلم السلطة، فلمن تسلمها؟، وهل سيكون ذلك عن طريق توافق سياسى أم لا، ثم ماذا بعد عودة القوات المسلحة لثكناتها فى ظل هذا التدهور الأمنى، فألوان الطيف السياسى لا تتفق على بديل، وليس لها شرعية أو لديها إجماع على اختيار أحد بعينه، وبالتالى كان رد القوات المسلحة أكثر عنفا وحدة، عندما قالت إنها مستعدة لترك إدارة البلاد، بشرط إجراء استفتاء شعبى، لأنها متأكدة من أن الشعب لن يوافق.
■ ذكرت أن التاريخ يشهد على أن القوات المسلحة مسؤولة عن الشرعية، فهل يريد الجيش تطبيق تجربة 1952؟
- البعض يطلق على ثورة يوليو «انقلاب»، وآخرون يقولون إنها ثورة، لكن الثورة ليست مقصورة على فئة معينة، ولا تيار سياسى أو جماعة بعينها، بل تعبر عن كل أطياف الشعب، وبالتالى لا ينبغى أن تحكم فئة معينة على ما يتخذه المجلس العسكرى من إجراءات، ومن يقول إن الجيش يفعل مثلما فعل فى ثورة 1952 أنصحه بأن يقرأ التاريخ، فثورة 1952 قام بها الجيش وساندها الشعب، وثورة 25 يناير قام بها الشعب وحماها وساندها الجيش، فالمفهوم مختلف والمنطوق مختلف، وتصرف القوات المسلحة فى 1952 يختلف عما فعلته فى ثورة 25 يناير 2011، وبالتالى فالحكم على دور القوات المسلحة بأنه مشابه لدورها فى ثورة يوليو خال من الدقة والعمق والقراءة الصحيحة للأحداث.
■ لكن البعض يرى أن الجيش يحاول تطبيق تجربة يوليو 1952 ليبقى فى السلطة فترة أطول، فهل من مصلحة المجلس العسكرى البقاء فى الحكم؟
- الوضع مختلف، ففى 1952 كانت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية سليمة، أما فى ثورة 25 يناير فتدخل الجيش، ونزل الشارع بعد انهيار الأجهزة الأمنية على كل مستوى، وبالتالى فإن دور القوات المسلحة فيها كان أكثر تعقيدا، إذ عملت على محورين: القيام بدور الأجهزة الأمنية لأنها انتهت وانهارت، وفى الوقت ذاته، حماية مرافق الدولة وأهدافها، بالإضافة إلى حماية الحدود على الجبهات المختلفة الشرقية والغربية والجنوبية، ورأينا تدهورا فى الحالة الأمنية أدى إلى انفلات أمنى فى المناطق الحدودية، كاد يؤدى إلى وقوع حرب بين مصر ودول الجوار، وزادت الأضرار بانتشار حوادث تهريب الأسلحة والعملاء، ما يهدد الأمن القومى، ومع كل هذا تعددت مهام القوات المسلحة، واستدرجت إلى أمور أخرى غير المهام التى يمكن أن تسند إليها فى مثل هذه الظروف، ومنذ البداية أكدت القوات المسلحة أنها لا تسعى لخطف السلطة، ولو كانت تريد ذلك، لما حمت الثورة والثوار فى المراحل الحرجة، وكانت ردت على العبارات التى كتبها الثوار على الدبابات وطالبت بسقوط «مبارك»، ولما بذلت كل هذه الجهود لحماية مصر داخليا وخارجيا، وتحملت عبء حماية المنشآت الحيوية على مدار عام كامل، فعندما نقف عند هذه التعقيدات تظهر إخفاقات، لكنها ليست نتيجة إهمال القوات المسلحة فى تنفيذ مهامها، فلا يوجد تعاون من النخب السياسية والأحزاب والتكتلات فى نشر الأمن والاستقرار، لأنهما ليسا مسؤولية الأجهزة الأمنية فقط، بل مسؤولية المواطن والتجمعات والائتلافات والأحزاب والمنظمات أيضا.
■ أشرت إلى أن هناك إخفاقات ليست نتيجة إهمال القوات المسلحة، لكن هناك من يرى أن الجيش أخفق كثيرا وسمح بصعود الإخوان المسلمين؟
- التيارات الدينية كانت موجودة فى الشارع منذ أكثر من 80 عاما، وما حدث أن التحديات التى واجهتها هذه الجماعات أدت إلى ظهورها، ففى كل مرة كانت تحاول الظهور تقهر وتضطر للعمل تحت الأرض فى بعض الأحيان، وسمح لها بدخول الانتخابات فى 2005 و2010 وتم تزويرها، وبالتالى فهذه الجماعات ليست وليدة الساعة، لكنها لم تجد المناخ الديمقراطى لكى تعلو، ما يوضح لنا أن القوات المسلحة حريصة على الوقوف على مسافة متساوية من الجميع، والتيار الدينى أكثر التيارات تنظيما وتأهيلا لقيادة الحياة السياسية، وهذا ليس عيبا فى المناخ الذى ظهرت فيه هذه التيارات، ولا القوات المسلحة، ولا الإخوان، لكن التيارات الأخرى حديثة العهد بالسياسة، وغير منظمة، وهذه المرحلة أوضحت أن التيار الدينى قادر على قيادة الأغلبية فى مجلس الشعب.
■ هناك مخاوف من تأثير التيار الدينى على إعداد الدستور فما تعليقك؟
- ليس صحيحا أن تضع الأغلبية فى البرلمان الدستور، ويجب أن تشارك فى إعداده كل طوائف الشعب، والمشكلات التى سيواجهها التيار الدينى تحتاج إلى إمكانيات وقدرات كبيرة، فضلا عن الأزمة الراهنة التى تمر بها مصر من صعوبات اقتصادية، وتقلص حجم الاحتياطى النقدى، وكل هذه التعقيدات تحرم هذا التيار الدينى من تنفيذ ما يطمح إليه، وعندما لا يجد الشارع حلولا لمشكلاته سيرفض هذا التيار.
■ هل ترى أنه من المحتمل نشوب صدام بين التيار الدينى الذى سيطر على مجلس الشعب، والقوى السياسية الأخرى والمجلس العسكرى عند إعداد الدستور؟
- لن يكون هناك تصادم عند وضع الدستور، إذا لجأنا إلى منطق الدستور نفسه، وهو أنه لابد أن يعبر عن الأمة بجميع أطيافها، ولن يتحقق ذلك إلا باختيار لجنة تأسيسية لصياغة الدستور تعبر عن كل أطياف المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعلميا وعسكريا وأمنيا.
■ وماذا عن وضع مصر الإقليمى بعد ظهور التيار الدينى؟
- لا أريد ربط وضع مصر إقليميا بوجود تيار معين فى مجلس الشعب، فليس بالضرورة أن يؤدى التيار الدينى إلى نوع من الخلل فى وضع مصر إقليميا، بل من الممكن أن يخلق شبكات جديدة من العلاقات لمصر، بحيث تترسخ علاقاتها فى اتجاهات، وتقل فى اتجاهات أخرى، وسيبقى وضع مصر الإقليمى كما هو، وهذا يتوقف على فهم التيارات الدينية طبيعة إدارة البلاد فى المرحلة القادمة، فثقل مصر الإقليمى لا يتغير، لكن أداءها فى منظومة الإقليم هو الذى سيتغير، وهذا لا يتوقف على مصر فقط، بل على جيرانها أيضا والقوى الإقليمية والدولية حولها. نحن لا نريد أن نحكم على تيار دينى بأنه ضار قبل أن يمارس دوره، لأن ممارسة السياسة لها قواعد، والتوازن بين السلطات المختلفة للدولة هو الذى سيخلق التوازن السياسى.
■ كيف ترى رؤية المجلس العسكرى لمستقبل مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا؟
- المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليس منوطا به تحديد رؤية سياسية أو مستقبلية لمصر، ودوره إدارة البلاد خلال فترة انتقالية إلى أن يسلم السلطة إلى رئيس جمهورية منتخب، وقد بدأ فى تسليم السلطة التشريعية، وعلى المرشحين للرئاسة تحديد رؤيتهم لمستقبل مصر، وكيفية مواجهة التحديات التى تواجهها.
■ أكد المجلس العسكرى فى خطاباته أنه سيتم تسليم السلطة فى 30 يونيو 2012 فهل سيأتى الرئيس القادم من الجيش، أم التيار الدينى، أم سيكون رئيسا توافقيا؟
- من رابع المستحيلات أن يفوز تيار دينى بانتخابات الرئاسة، فالقوة الانتخابية للتيار الدينى لن تعلو على أصوات القوى الأخرى، والشعب يمتلك كل السلطات، فلماذا نريد الرجوع للخلف؟، ولماذا لا نريد أن نؤمن بأن حق التظاهر السلمى مكفول؟، والميادين موجودة، وكل هذه ضمانات بأن الرئيس القادم لن يعمل لصالح أى فئة سواء الإخوان أو السلفيين أو غيرهما، وسيكون رئيسا لمصر كلها.
■ هل ترى أنه من الأفضل لمصر أن يتولى السلطة رئيس عسكرى؟
- لا المجلس الأعلى للقوات المسلحة ولا العسكريون قالوا إنهم تواقون لشغل المنصب، وتم حسم هذا الأمر منذ البداية بقولهم: «لا نطمح ولا نطمع فى رئاسة الجمهورية، وإذا كان هناك مرشحون للرئاسة ذوو خلفية عسكرية، فأعتقد أن هذه الظروف لا تسمح بانتخاب شخص منهم، نتيجة للموروث السيئ الذى خلّفه الرئيس السابق، الذى كان ذا مرجعية عسكرية، رغم أن هذا الموروث يتنافى مع رصيد المؤسسة العسكرية لدى الشعب، حيث كان الجيش داعماً له فى أوقات الأزمات، وأثبتت القوات المسلحة مصداقيتها فى تلبية احتياجاته.