«صعود الإسلاميين من التجارب التى يجب أن تخوضها الشعوب»، هكذا قال الأديب العالمى الراحل نجيب محفوظ، عندما سأله أصدقاؤه عن صعود التيار الدينى فى المجتمع، ويحكى الأديب بهاء طاهر أن أصدقاء «محفوظ»، عندما كانوا يسمعون هذه الجملة، كانوا يندهشون ويتساءلون فيما بينهم: هل يعنى هذا أن «الأستاذ» موافق على هذا الصعود؟!
أجاب بهاء طاهر بأن «محفوظ» كان يختلف مع التيار الدينى فى وجهات النظر، لكنه كان مؤمنا بأن صعوده أو انحساره مجرد تجارب يجب أن تخوضها الشعوب.
وروى «طاهر»، فى حواره مع «المصرى اليوم»، تاريخ الحكم الدينى فى مصر وتطور جماعة الإخوان المسلمين، وقال إن الحكم الدينى «خرب مصر» والإخوان من المستحيل أن يقيموا نظاما ديمقراطيا، وإن وعى الشعب مضلل.
وشدد الروائى العالمى على أن الجيش يضرب شباب الثورة فى مقتل ويمنح مساحات من الحرية لشباب «إحنا آسفين ياريس».. وإلى نص الحوار:
■ فى البداية.. هل تعرضت مدنية الدولة للسرقة؟
- حدث انقلاب فى ثقافة ووجدان المواطن المصرى، تم تحقيقه على امتداد ثلاثة عقود على الأقل، بحنكة وتأن، لصالح التيار الدينى الذى كان يكسب أرضا جديدة كل يوم، ولم تفلح أصوات الإنذار المبكر ولا حشد القوى فى وقف مساره أو التصدى لزحفه.
■ من ساهم فى هذا الزحف؟
- ساهمت فى ذلك سياسات داخلية وخارجية وأموال دولية طائلة وقفزات فى الاتصال غير مسبوقة.
■ لماذا القلق من تجربة الحكم الدينى فى مصر؟
- لأنه حتى الستينيات من القرن الماضى كان فى مصر مجتمع مدنى قوى ينخرط فى كفاح تحررى للتخلص من تخلف قرون طويلة فى ظل الدولة العثمانية التى وصفها المفكر الكبير جمال حمدان بأنها «استعمار دينى» من نوع باطش يتستر بمفهوم الخلافة، ليستنزف آخر قطرة من عرق المصريين ودمائهم.
وطوال عمر هذا الاستعمار تأسست الأسس النظرية والفكرية للحكم العثمانى فى التسليم بحق الخليفة (السلطان فيما بعد) فى الحكم المطلق والأمر والنهى دون أى حقوق للرعية غير الطاعة العمياء لهذا القائد الدينى.
ويصف لنا جمال حمدان بعبارات موجعة حال الأمة فى ذلك العصر بقوله «كما يفصل الراعى بين أنواع القطعان، فصل الأتراك بين الأمم والأجناس المختلفة عملا بمبدأ فرق تسد، وكما يسوس الراعى قطيعه بالكلاب، كانت الانكشارية كلاب صيد الدولة العثمانية، وكما يحلب الراعى ماشيته كانت الإمبراطورية بقرة كبرى عند العثمانيين للحلب فقط».
وفى ظل ذلك الحكم المهلك، المستند إلى مرجعية دينية زائفة يتبرأ منها إسلامنا الحنيف، «عم الخراب إقليم مصر» على حد قول الجبرتى، وكاد المصريون يندثرون فعلا لا مجازا بسبب المجاعات المتكررة والمجازر والأوبئة، وبارت الأرض الزراعية بسبب إهمال الحاكم لأعمال الرى والصرف وهروب الفلاحين من أرضهم فرارا من جباة الضرائب الفاحشة، وانتشر الجهل الشامل والخرافة والشعوذة، فتجربة الحكم الدينى فى مصر كانت مدمرة.
■ كيف خرجت مصر من هذه الحالة المتردية؟
- الفضل فى ذلك يرجع إلى جهود أجيال متتابعة من المثقفين عملت على إلغاء مفاهيم البطش العثمانى وتشييد منظومة فكرية عصرية ومدنية تدريجيا، ظللنا نعيش فى نطاقها قرنا ونصف القرن، وأبرز ملامح هذه المنظومة هو إحياء فكرة الوطن «مصر» التى كانت غائبة تماما فى ظل فكرة الأممية العثمانية التى تجعل كل سكان الإمبراطورية رعايا على قدم المساواة فى العبودية أمام الأستانة، وإدخال مبدأ الوحدة الوطنية والمساواة بين المسلمين والمسيحيين فى الحقوق والواجبات، وهكذا تم نفى المبدأ العثمانى للفصل بين الملل وسياسة فرق تسد، ونفى وجود السلطة الدينية.
ويقول الإمام محمد عبده بوضوح: إن قلب السلطة الدينية والإتيان عليها من أساسها هو أصل من أصول الإسلام، وبالتالى تم نزع أى قداسة أو صفة دينية عن أى حاكم بشرى مهما كان لقبه، ونزعها، بالمثل، عن أى جماعة ومؤسسة تدعى أن لها سلطة دينية من أى نوع، إلى جانب أنه تم تحرير المرأة التى كانت فى وضع أسوأ من الرقيق والإماء، وأذكر فى ذلك دور قاسم أمين، ثم انتشار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهى حق للجميع.
وبالطبع لم تطبق تلك المبادئ العصرية من تلقاء نفسها بل عبر صراع دفع المثقفون خلاله أثمانا فادحة، وقد أثبت الشعب المصرى فى النهاية انحيازه لهذه القيم الجديدة المستمدة من صحيح الدين خلال ثورتيه الكبيرتين فى 1919 و1952.
■ قلت من قبل إن الزحف الإخوانى بدأ منذ عهد عبد الناصر فكيف ذلك، وهو من انقلب عليهم بعد الثورة وحاربهم كثيرا؟
- نكسة 67 لعبت دورا كبيرا فى المد الدينى، فطوال الخمسينيات كان هناك زهو بالدولة المدنية وما حققته من إنجازات، ورغم أن الإخوان حاولوا جاهدين العمل فى هذه الفترة إلا أنه لم يكن من السهل ضرب الدولة المدنية فى مقتل، لأنه كان هناك نوع من الانحياز إلى الفكر التحررى، لكن نكسة 67 قضت على هذا وكان رد الفعل الطبيعى أن يتجه الناس إلى الله ليطلبوا منه العون، وقد لاقى هذا صدى لدى أنصار الدولة الدينية.
■ لكن الآلاف من التيارات الدينية خرجوا من مصر فى الخمسينيات والستينيات بعد صدام متكرر مع نظام عبدالناصر.. كيف كانت العودة؟
- الإخوان المسلمون تعجلوا واعتبروا أن ثورة 52 هى ثورتهم التى قام بها أولادهم وأشقاؤهم من الضباط، واعتقدوا أنه آن الأوان للوصول إلى الحكم، فبدأ الصراع مع عبدالناصر الذى كان فى جوهره صراع بين رؤيتين لنظام الحكم فى مصر، إما الدولة الدينية أو الدولة المدنية، وقد انحاز المجتمع فى هذا الصراع للدولة المدنية، وخاض صراعا مع الاستعمار مكسبه الرئيسى استرداد قناة السويس، وصراعا مع قوى الإقطاع فى الداخل لتحقيق العدالة الاجتماعية ومكاسب التنمية وعلى رأسها السد العالى، ثم جاءت بعد الانتصارات انكسارات عام 67، وفى أثناء الانتصارات والهزائم كان الإخوان المهاجرون يحققون ثروات طائلة فى المنافى الخليجية والأوروبية ويحكمون أطراف تنظيم دولى يكاد يكون إمبراطوريا، وسبق أن تحدث يوسف ندا أمين صندوق التنظيم الدولى على شاشة إحدى الفضائيات عن استثمارات بمليارات الدولارات، وبهذا السند القوى دخل الإخوان المسلمون مصر فى عهد السادات.
■ إذن من الظلم القول إن السادات هو سبب المد الدينى؟
- نعم لأن المد الدينى بدأ من قبل عهده فى أعقاب النكسة كنوع من التطلع إلى الخلاص من الهزيمة، ومنذ أوائل السبعينيات بدأ السادات عهده بحملة شاملة على الثقافة، فأغلق المجلات الثقافية والمسارح الجادة والمؤسسة الوطنية للسينما وطرد المثقفين الحقيقيين من كل منابر الإعلام والثقافة، وبينما حسب البعض أن هذه ضربة لخصومه من الناصريين واليساريين، اتضح أن مشروعه أكبر من ذلك بكثير فالضربة كانت موجهة فى الواقع إلى قيم النهضة العصرية.
وكان لابد من إخلاء الساحة من عناصر الممانعة والمقاومة للمشروع الفكرى الجديد، وهكذا نجح السادات فى تشتيت مثقفى النهضة والتطوير فى منافى الأرض وإسكات وإضعاف من بقى منهم فى مصر، وجلب بدلا منهم مجموعة من الوعاظ المهاجرين منذ العهد الناصرى إلى دول الخليج، الذين لم يكونوا استمرارا بأى شكل لشيوخ مصر العظام أمثال الإمام محمد عبده والشيخ شلتوت ممن كرسوا جهودهم لجلاء مواءمة الإسلام لكل العصور وعدم معارضته النهضة والتطور الاجتماعى.
وفتح أمام هؤلاء الوعاظ المنابر التى أغلقت تماما أمام المدنيين المثقفين حتى انفردوا بساحة الرأى العام، فرد هؤلاء الجميل لصاحب الفضل، فأضفوا عليه بدورهم هالة دينية ثم جعلوه إماما، ألم يقل قائلهم تحت قبة البرلمان إن السادات «لا يسأل عما يفعل، أوَلِم ينته الأمر باقتراح تسميته سادس الخلفاء الراشدين»؟ خطوة أخرى نحو إعادة دولة السلطة الدينية.
■ هل خلو الساحة من أنصار الدولة المدنية جعل مهمة الإخوان أسهل؟
- بكل تأكيد غياب أنصار الدولة المدنية نتيجة نفيهم وإبعادهم سهّل المهمة على الإخوان، وعلى الجانب الآخر عندما فتح لهم السادات الباب قرروا ألا يراهنوا على العسكر مرة ثانية، وأن يعملوا على الناس فبدأوا بمنتهى الذكاء من النظام التعليمى، حيث جندوا آلافا من المدرسين الحكوميين ومولوا إنشاء مدارس خاصة إسلامية التوجه والمناهج، وفى حقبة السبعينيات بدأوا تكثيف جرعة التلقين الدينى للأبناء فى المدارس والتى تنصب على تلقين الشعائر والعبادات دون التطرق إلى المعاملات أو المنهج الإسلامى لتقدم المجتمع وتغييره نحو الأفضل، بالتوازى مع دور الدعاة والوعاظ الذين استغلوا الإعلام فى نشر ثقافة الطاعة لسلطة الدعاة، وخطوة وراء الأخرى سيطروا على الريف والأحياء الشعبية، حتى سيطروا على المجتمع.
وقد قلت وقتها إن من حكم المجتمع ليس من الصعب عليه أن يحكم الدولة، فقد تغلغلوا فى الجامعات واتحادات الطلاب والمدارس وأئمة المساجد والنقابات والمستشفيات وكانت أولى بشائر النصر بالنسبة لهم حصولهم على 88 مقعداً فى البرلمان عام 2005 وربما لو كانت تركت لهم الفرصة لحصلوا على 70% من المقاعد لولا تدخل النظام السابق فى المرحلتين الثانية والثالثة بالتزوير.
■ لماذا حدث الصدام فى النهاية مع السادات؟
- جزء من التيار الدينى تعجل تحقيق أهدافه ودخل فى صدام مباشر مع نظام السادات، أما الإخوان فكانوا أذكى من ذلك بكثير، لم يختاروا الصدام بل المسايرة وحاولوا إرضاء السادات بكل طريق، حتى بالامتناع عن نقد سياساته نحو إسرائيل التى أغضبت كثيرا من القوى الوطنية، بل إن كثيراً من أفرع الإخوان خارج مصر اشتروا الوقت ليحققوا على مهل مشروعهم الخاص بالسيطرة على العقول، ومن ثم على المجتمع.
ومن الحكمة أنهم لم يتعجلوا وعملوا فى هدوء، وشاء الله أن تقوم ثورة يناير، ولن أدخل فى جدل هل ساهموا فى الثورة أم لا، ولكن كل من كان فى الطليعة الثورية يؤكد أن الإخوان لم يكونوا موجودين بل كانوا معارضين للثورة إلا أنهم استفادوا منها فى الانتخابات.
■ لكن شباب الإخوان شاركوا فى الثورة.
- نعم لكن كل من شارك فُصِل من الجماعة لأنهم خرجوا عن المبدأ الأساسى للجماعة وهو السمع والطاعة والانضباط الديكتاتورى.
■ هل يمكن القول إن فساد النظام السياسى سهل المهمة على الإخوان فى تنفيذ مشروعهم فى السيطرة على المجتمع؟
- بكل تأكيد، فالفساد والظلم جعلا الناس يبحثون عمن يتحدثون بالقرآن والسنة ظنا منهم أن هؤلاء هم من يتقون الله وسيصلحون أوضاعهم، إضافة إلى أن الدعاية المضادة التى مورست على مدى 50 عاما ضد مدنية الدولة، كانت سببا فى رفض الشارع لهذه الفكرة.
■ ماذا عن صعود السلفيين؟
- الأموال الخليجية لعبت دورا مهما بكل تأكيد فى صعودهم، واستغلوا أن الرأى العام مهيأ جدا للفكر الدينى وضد الدولة المدنية، كما أن السلفيين كانوا يكررون نهج الإخوان ولكن بشكل منفصل عنهم فى العمل فى المجتمع خاصة فى المساجد، لكننى اندهشت من أنهم فازوا بعدد لا بأس به من الدوائر فى المرحلتين الأولى والثانية.
■ لماذا ذهبت أموال الخليج إلى السلفيين وليس الإخوان؟
- لأنهم أكثر وهابية من الإخوان.
■ رغم انتشار تيار الإسلام السياسى فى كل أنحاء الجمهورية إلا أنه بدا واضحا بشدة فى الإسكندرية؟
- لا أعرف كيف تحولت من المدينة الكوزمبوليتانية إلى المدينة السلفية ولكن أغلب الظن أن ذلك نتج عن ازدياد الفقر، وبكل أمانة أدهشتنى سيطرة السلفيين على الإسكندرية رغم علمى بازدياد التيار الدينى هناك.
■ هناك رأى يتوقع تحالف التيار الدينى تحت القبة وآخر يتنبأ بصدام بين الإخوان والسلفيين.
- بالطبع ستتحالف التيارات الدينية مع بعضها البعض ولن يتحالف أحد منهم مع الليبراليين على الاطلاق «أنا وأخويا على ابن عمى وأنا وابن عمى على الغريب».
■ هل باع بعض المثقفين أنفسهم للتيارات الدينية كما فعل البعض مع الحزب الوطنى؟
- نعم ومازالوا، فهناك مثقفون كانوا يؤمنون بالفكر الليبرالى ثم تحولوا إلى فكر الإسلام السياسى عن قناعة أو لتحقيق مصلحة ما.. الله أعلم.
■ ما المصالح التى تجنى من وراء تبنى فكر الإسلام السياسى؟
- أحد أقطاب الفكر الماركسى ذكر لى من قبل أنه عندما كان يتحدث بالفكر الماركسى كان يقتنع به العشرات والآن حين يقول نفس الأفكار لكن بمفهوم الإسلام السياسى يقتنع ملايين، فهناك عدد من المثقفين وجدوا أن فكر الإسلام السياسى يحقق لهم ما لم يكن يحققه الفكر اليسارى من شهرة وأتباع، وأن الرسائل تصل للناس أسرع.
ولمؤرخنا العظيم ابن خلدون رأى جدير بالنظر فيما نحن فيه الآن، فقد لاحظ أن الفتن التى تتخفى وراء قناع الدين تجارة رائجة جدا فى عصور التراجع الفكرى للمجتمعات، إذ يتواتر ظهور الجماعات التى تدعو إلى إقامة شرع الله والعمل بسنة نبيه، ولكن أكثر المنتحلين لمثل هذه الدعوة يطلبون بها رئاسة امتلأت بها جوانحهم وعجزوا عن التوصل إليها بشىء آخر، فيحسبون أن هذا من الأسباب البالغة إلى ما يأملونه.
■ هل أنت من المؤمنين بتحالف المجلس العسكرى مع تيارات الإسلام السياسى بعد الثورة؟
- المجلس العسكرى مسؤول عن طفرة التيار الدينى منذ الثورة، فبدأ الأمر بالإعلان الدستورى واللجنة التى اختيرت لإعداده وعلى رأسها المستشار طارق البشرى، الذى نكن له كل الاحترام، لكننا نعرف ميوله الإسلامية، وزاد على الأمر شخص لم يعرف عنه سابقة فكر قانونى، أن تم جعله المتحدث الرسمى باسم اللجنة، وكان يوميا على شاشات الفضائيات، ثم تم الإفراج عن المتطرفين عشية الاستفتاء وهذا أتاح لهم حشد الناس والمساهمة فى الدعوة للتصويت فى الاستفتاء بـ«نعم»، عملا بأن من يقول نعم فى الجنة، ومن يقول لا فى النار، ثم ما حدث بعد ذلك فى كنيسة أطفيح وقنا، ومعالجة الأمر بإرسال قادة السلفيين للتوسط فى الأزمة، وغيرها من التصرفات التى سمحت بتمدده، وإما أن يقولوا هم ما سر هذه التصرفات أو أن التاريخ هو من سيقول ما إذا كان ذلك مجرد مصادفة أم بناء على خطة.
■ هل تعتقد أن التعاون سيمتد بعد وصول التيار الإسلامى للأغلبية فى البرلمان؟
- الفترة القادمة ستشهد صراعاً قوياً بين المجلس العسكرى والإخوان وليس تعاونا.
■ هل تعتقد أن الرئيس القادم سيكون من نفس التيار وأن يتم الحشد لصالح مرشح من تيار الإسلام السياسى؟
- فى فرنسا رئيس الجمهورية فى مرحلة ما كان اشتراكيا ورئيس الوزراء يمينى، وهذه الحالة تحتاج وعى الناس وهو غير موجود فى حالتنا، وإلا ما كنا لنرى هذه النتائج.
■ هل تعتقد أن من ذاق الظلم والاضطهاد من الممكن أن يكون ديكتاتورا.. هذا منطق الإخوان فى التأكيد على أنهم سيلتزمون بالديمقراطية؟
- استحالة أن يكون الإخوان المسلمون ديمقراطيين فى يوم ما، فلا توجد ديمقراطية داخل التنظيم نفسه، من يخرج عن السمع والطاعة يفصل فورا حتى ولو كان زعيما مثل عبدالمنعم أبوالفتوح، كما أن لديهم مركزية شديدة فى القرار، حتى إن أصدقائى يقولون لى إنه أثناء التحاور مع أحد مندوبى الإخوان كان يتصل تليفونيا ليأخذ الإذن يوافق أم يرفض، فمن غير المتوقع أنه بين ليلة وضحاها يتحول الإسلاميون إلى تنظيم ديمقراطى.. استحالة استحالة استحالة.
■ أين الثوار بعد أن تشرذموا وتركوا الساحة لتيارات الإسلام السياسى؟
- المجلس العسكرى هو الذى شرذم الشباب، فالمعاملة القاسية التى تعرضوا لها جعلتهم شيعا، بعضهم يتقرب من المجلس العسكرى، والبعض الآخر يعاديه، ولم يُمنحوا أى فرصة لكى يتجمعوا بهدوء حتى تنبع منهم قيادات وفعاليات سياسية، مساحة الحرية المتاحة لأنصار النظام السابق مثل جماعة «إحنا آسفين يا ريس» أكبر بل مصونة أكثر من شباب الثورة، الذين يحظر عليهم التجمع ويضربونهم فى مقتل من حين لآخر، عدد ضخم منهم فى السجون العسكرية والباقون يرسلون لهم البلطجية ليضربوهم ويسحلوهم.
■ هل اتصل بك المجلس العسكرى فى إطار مشاوراته مع القوى السياسية؟
- عمرهم والحمد لله لا طلبوا يستشيرونى ولا طلبونى للمحاكمة. أنا لست نجم سياسة. يمكن أن أكون نجماً فى الأدب، وهذا أمر لا يهمهم على الإطلاق.
■ لكن الأديب على اتصال بنبض الشارع ورأيه يعكس الواقع.
- ليذهب أحد ويقل للمجلس العسكرى. يا جماعة حتى تعرفوا ما مشكلات المجتمع الحقيقية استدعوا صنع الله إبراهيم وإبراهيم أصلان وأدباء هذا البلد.
■ فى رأيك لماذا تم تهميش الأدباء بعد الثورة؟
- استمرارا لنهج مبارك الذى همشهم تماما، كان فقط يتقابل معهم فى معرض الكتاب لتلتقط له بعض الصور فيظهر بصورة راعى الثقافة لا أكثر، لكن أن يستفيد منهم لا.
■ ما المطلوب من المجلس العسكرى الآن؟
- موقف حاسم من نظام مبارك الذى مازال يحكم مصر حتى الآن، وأن يقترب المجلس العسكرى من الناس العاديين، لا نريد النخب بل اتصلوا بالناس الذين وثقوا فيكم وبصفة خاصة الثوار الذين اتهمتموهم وحولتوهم إلى المحاكمات العسكرية، كما أطالبهم بتنفيذ مبادئ الثورة، ومحاكمة مبارك ورموز نظامه.
ولو أنهم يتحججون بأن المحاكمات يجب أن تأخذ وقتها حتى يتم الاعتراف بهذه الأحكام فى الخارج، لنستطيع أن نسترد أموالنا المنهوبة فى الخارج، فأود هنا أن أنقل لهم ماذا يقول الناس فى الشارع: «فى ستين داهية الفلوس إحنا عايزين حق الشهدا»، فبعد أن كان كل مواطن يسير بآلة حاسبة ليحسب نصيبه من الفلوس المنهوبة الآن يقولون لا نريدها لكن حاكموا مبارك واقتصوا للشهداء.
■ ما آليات استرداد الدولة المدنية فى نظرك؟
- على دعاة وأنصار الدولة المدنية أن يتعاونوا مع شباب الثورة الذين هم أنبل ما فى مصر، وننطلق فى العمل من التراث الدينى لهذه الأمة المصرية سواء الإسلامى أو المسيحى الذى يتصف بالسماحة والوسطية، فدعاة التنوير من قبل كانوا من خريجى الأزهر، وقادة ثورة 19 كانوا من الشيوخ والقساوسة، وأن نكف عن التفكير فى أن العمل فى إطار النخبة سيأتى بنتائج، ولابد من العمل من المجتمع والتفكير فى طرق مبتكرة للوصول إلى الناس.
ويجب التوجه للتعليم والقضاء على الأمية، هذا كان جهد الرواد مثل رفاعة الطهطاوى وطه حسين وعبدالله النديم، ونحن لدينا شخصيات بالفعل تعمل فى مجالات الصحة والتعليم ولكن دون دعاية كما يفعل الإخوان كالدكتور محمد أبوالغار الذى أقام عيادات على نفقته الخاصة لعلاج مصابى الثورة، ومثله كثيرون يقومون بأعمال وطنية دون الإعلان عن ذلك ودون استغلاله سياسيا، ووقتها سيسترد الناس بالتدريج فكرة الدولة المدنية التى اندثرت تماما، ولو افترضنا أن سعد باشا زغلول بعث للحياة من جديد فلن يجد شعبا مدنيا يحكمه.