x

عدلى حسين: إحالة رموز النظام للمحاكم العسكرية ستعرقل استرداد الأموال المهربة

الخميس 16-06-2011 18:38 | كتب: رانيا بدوي |
تصوير : محمد معروف

أكد المستشار عدلى حسين، محافظ القليوبية السابق، أن التصريحات التى أدلى بها اللواء منصور عيسوى، وزير الداخلية، للإعلامية منى الشاذلى، حول عدم التفريق بين شهداء الثورة، وضحايا الهجوم على أقسام الشرطة، بمثابة وثيقة يمكن الاستعانة بها لصالح الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين خلال أحداث 25 يناير وما بعدها، إذ يمكن لشهادته أن تلعب دورا مؤثرا فى سير المحاكمات.وأشار «حسين» فى حواره مع «المصرى اليوم» إلى قضية أخرى فى منتهى الخطورة، من وجهة نظره، تتعلق بقانون بناء دور العبادة الموحد، الذى يثير عددا من التساؤلات حول تعريف دور العبادة، وهل سيشمل القانون الأديان السماوية الثلاثة: الإسلام والمسيحية واليهودية فقط، أم من الممكن أن نشهد بناء دور عبادة للطوائف المختلفة داخل الدين الواحد، كبناء دار عبادة للبهائيين وأخرى للشيعة بخلاف أماكن عبادة طوائف المسيحية، والأديرة اليهودية، وإلى نص الحوار:

أوضح اللواء منصور عيسوى، وزير الداخلية، فى حواره مع الإعلامية منى الشاذلى، أنه فى فترة اندلاع أحداث الثورة، لم تحرر أى محاضر عن القتلى، لبيان ما إذا لقوا حتفهم فى الميدان، أم أثناء الهجوم على أقسام الشرطة، وبالتالى لم تعرض على النيابة العامة محاضر موثقة للأحداث، فما تعليقك؟

- وزير الداخلية ألقى الضوء على نقطة قانونية وإجرائية فى غاية الأهمية، أعتقد أنها فى صالح بعض المتهمين من رجال الشرطة الماثلين أمام القضاء الآن، بعدما كشف فى حديثه عن عدم التفرقة بين المتوفين فى المظاهرات السلمية، والذين توفوا داخل أقسام الشرطة أو أمامها، وهؤلاء كانوا يستهدفون سرقة السلاح وإخراج السجناء، وذكر أنه لم تحرر محاضر بشأن هذه الوقائع فى حينها نتيجة إحراق وتدمير مراكز الشرطة المختلفة، ولم تقدم للنيابة العامة، حسبما صرح الوزير، أى محاضر من هذا النوع، وأعتقد أن هذا الإيضاح من جانبه سيكون له أثر كبير فى المحاكمات الدائرة الآن.

بمناسبة التحقيقات التى تجرى الآن مع رموز النظام السابق فى انحرافات ومخالفات متنوعة، فقد لوحظ تكليف قضاة تحقيق، بخلاف النيابة العامة، لتولى قضايا معينة، فهل لذلك أصل فى القانون؟

- نعم له أصل فى قانون الإجراءات الجنائية على وجهين: الأول أنه للنائب العام أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية المختصة ندب قاض لإجراء تحقيق فى قضية معينة، أما الآخر فهو، لوزير العدل أن يندب أحد مستشارى «قضاة» محكمة الاستئناف بعد موافقة الجمعية العمومية للمحكمة للتحقيق فى جريمة معينة، وذلك حسب الظروف التى تحيط بكل واقعة، وقد يكون لدى النيابة العامة مانع يدفعها إلى الطلب، وفى كل الأحوال، يلتزم قاضى التحقيق بكل القواعد المنصوص عليها فى القانون السابق، سواء بضرورة وجود محام للتحقيق أو اختيار مكان محايد لإجراء هذه التحقيقات بعيدا عن تأثير أى سلطة فى الدولة.

من أهم مشروعات القوانين المطروحة الآن بعد الثورة، قانون دور العبادة الموحد، وهناك من يؤيده درءا للفتنة، وآخرون يتحفظون عليه، وأعتقد أنك منهم؟

- ليست لدىّ تحفظات، بل تساؤلات، وأرجو أن يكون المشروع الذى أعده مجلس الوزراء لعرضه على المجلس العسكرى لإصداره، رداً على التساؤلات الأساسية التى طرحتها ذات مرة فى محاضرة لى بكنيسة شبرا قبل أحداث ثورة يناير بشهور، وفى حضور قيادات دينية وكنسية، وأرى أن هذا القانون لابد أن يعرّف دار العبادة تعريفا دقيقا، ومن المفترض أن دار العبادة تشمل المسجد والكنيسة والمعبد أو أى تسميات أخرى مناظرة، فهل تحقق ذلك فى المشروع أم لا؟ هل أجاب عن الأشخاص المخاطبين بهذا القانون، أو بمعنى آخر، هل اقتصر على تنظيم دور العبادة للأديان السماوية الثلاثة: الإسلام والمسيحية واليهودية؟، فهنا قد يطالب بعض نشطاء حقوق الإنسان فى الداخل أو الخارج بمساواة أتباع الأديان الأخرى غير السماوية بغيرهم، وهناك تساؤل آخر: هل سيتم التصريح ببناء دور عبادة لأصحاب الطوائف داخل العقيدة الواحدة مثل الشيعة والبهائيين وغيرهم ممن يصرون على أنهم منتسبون للإسلام، إذا قدموا طلبات بذلك؟، فى المقابل، تضم الديانة المسيحية الأرثوذكس، والكاثوليك، والبروتستانت الإنجيليين، والإنجليكانيين، والأدفنتست، وهناك من ينازع الكنيسة الأرثوذكسية الآن، وله كنيسة فى المقطم، فما العمل إذا تقدم بطلب بناء دور عبادة له فى مدن مختلفة بدعوى أن له أتباعا؟، وكذلك اليهود بطوائفهم المتعددة، ماذا لو تقدموا بطلبات لإنشاء معابد جديدة، بدعوى أن لهم أتباعا فى هذه المناطق؟ وكما ذكرت سابقا، فليس فى المشروع تعريف محدد لدور العبادة، على حد ما قرأت فى الصحف، بل ذكر فقط عبارة الأديان المعترف بها فى مصر، وعلى حد علمى، فليس هناك قانون يحدد ما هى الأديان المعترف بها هنا، إلا إذا كان القانون يقصد الأديان الثلاثة السماوية، وحتى لو افترضنا ذلك، فالقانون لم يبين ما إذا كان النظام القانونى المصرى يعترف بالطوائف والملل المختلفة لأصحاب هذه الأديان. ونأتى لمواصفات دور العبادة، هل سيتجه القانون إلى توحيد المساحات أم سيعتمد معايير أخرى؟، وبالنسبة لبعض المنشآت المسيحية كالأديرة التى تتبعها مئات الأفدنة، هل سيسمح لباقى دور العبادة بأن تمتلك المساحات ذاتها الأفدنة ذاتها؟، وهل ستبنى دور العبادة وفقا للأعداد السكانية؟، فتحديد مساحة دار العبادة، واشتراط مسافة الألف متر بين كل مبنى وآخر قد يثيران أيضا بعض المشكلات، وأتساءل أيضا: هل عالج المشروع المساجد الموجودة فى المصالح والمنشآت المختلفة وبعض المدارس والجامعات؟، وما شأن الأشكال الأخرى لدور العبادة؟ وكلها تساؤلات لابد أن يجيب عنها القانون ويحسمها درءا للمشكلات التى قد تنجم بعد صدوره.

هل من مخرج أسهل وأسلم لهذه التساؤلات يرضى المسيحيين؟

- فى الظروف الراهنة، ونتيجة لما استقر عليه الأمر من بناء المساجد على وجه التحديد، يجب الاكتفاء بتنظيم ميسر دون تعقيد لبناء الكنائس وترميمها، ويمكن البدء بأن تحدد قيادة الكنيسة احتياجاتها من الكنائس الجديدة فى كل محافظات مصر لعشر سنوات مقبلة، والترخيص بها، والانتهاء من هذا الملف نهائيا.

لننتقل إلى ملف استرداد الأموال المهربة، ما الثغرات التى قد ينفذ منها البعض لعرقلة استرداد هذه الأموال؟

- من المتفق عليه أنه لابد من توافر شروط أساسية لاسترجاع هذه الأموال من الجهات الأجنبية المودعة لديها، أولا: أن يكون هناك حكم نهائى غير قابل للطعن صادر من محكمة مدنية وليست عسكرية باسترداد الأموال، ثانيا: أن تتوافر جميع ضمانات المحاكمة، وتتمثل فى القاضى الطبيعى وضمانات الدفاع، ثالثا: أن يكون قضاء الدولة مستقلا وفقا للمعايير الدولية، فى هذه الحالة تقبل الطلبات لاسترجاع أى أموال مهربة للخارج.

معنى ذلك أن الدعاوى التى تطالب بتحويل قضايا محاكمة النظام السابق للمحاكم العسكرية لضمان سرعة الفصل فيها، قد تخرج بنتائج عكسية فيما يخص استرداد هذه الأموال، لو تم الأخذ بها؟

- لا يمكن أن تعد الأحكام الصادرة فى هذا الشأن حال إحالة قضايا نهب الأموال وتهريبها للخارج والاستيلاء عليها أو اختلاسها، إلى القضاء العسكرى، سندا صحيحا ومقبولا لاسترداد الأموال من الخارج.

ما معنى استقلال القضاء وفقا للمعايير الدولية؟

- المعلوم عن معايير استقلال القضاء فى أى بلد أن تكون السلطة القضائية غير خاضعة لأى سلطة أخرى فى الدولة، كالسلطة التنفيذية أو التشريعية، وأن يكون تعيين القضاة فيها وفقا لقواعد موضوعية، وأن يكونوا مؤهلين لهذه المهمة دون رقابة عليهم، إلا ما يشترطه القانون من إجراءات التقاضى والطعون القانونية والقضائية المعروفة.

لكن البعض يرى أن هذه المعايير غير متوافرة فى القضاء المصرى ما قد يسهّل الطعن على استقلاله وعدم الاعتداد بأحكامه؟

- القضاء المصرى له سمعة عالمية دولية، ومشهود باستقلاله، والجميع يعرف حرية القضاة فى إصدار الأحكام دون رقيب عليهم سوى ضمائرهم، وأحكام القضاء المصرى مشهودة، ويتم تدريسها فى كليات الحقوق والمعاهد القانونية فى كثير من الدول، خصوصا البلاد الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وبلجيكا، لذا أرجو، مخلصا، أن يبتعد الناس والكتاب وغيرهم، عن الطعن فى أحكام أو قرارات القضاة على صفحات الصحف وفى وسائل الإعلام، أو التعرض لقضاة ينظرون قضايا معينة، أو وصف القضاء المصرى بعدم الاستقلالية.

طالب المستشار زكريا عبدالعزيز والمستشار هشام البسطويسى بإصلاح القضاء، وأكدا مرارا تدخل السلطة التنفيذية فى شؤون القضاء، وصرح المستشار الخضيرى من قبل بوجود قضاة غير مستقلين؟

- أرجو أن نفرق بين دعاوى الإصلاح وتعزيز استقلال القضاء، وبين الطعن فى القضاء المصرى، ووصفه بأنه غير مستقل، فكل هؤلاء الزملاء القضاة يستهدفون تعزيز استقلال القضاء وتقوية سلطاته بمثل هذه المقترحات والآراء، نتيجة للظروف المتغيرة فى المجتمع، والتى تستدعى تحقيق هذه المطالب.

أليس من الممكن أن تعطى هذه المطالب فرصة للبعض للادعاء بأن القضاء المصرى غير مستقل، لذا لا يجب الاعتداد بأحكامه، ومن ثم عدم رد الأموال المهربة؟

- نعم، ممكن جدا، وهنا ستنتقل المنازعات إلى المحاكم الدولية، لأن شرط نظر المنازعات أمام أى محكمة دولية هو ثبوت عدم استقلال القضاء فى الدولة المعنية، لذا أخشى فعلا من أن يلجأ أصحاب المصالح إلى هذا الأسلوب، مستشهدين بهذه الآراء والتصريحات فى وسائل الإعلام، لنقل هذه المنازعات إلى الخارج، وفى هذه الحالة سنكون أمام مأزق قانونى وقضائى كبير لا داعى له، وأفضل أن تكون المناقشات الرامية إلى الإصلاح داخل بيت القضاء، وليس خارجه، حتى لا تهتز صورة السلطة القضائية أمام المواطنين.

ما المنازعات التى يمكن أن تكون محلا لهذه التطبيقات، ويمكن نقل النزاع فيها إلى المحاكم الدولية؟

- المنازعات الخاصة بالاستثمار والعقود المبرمة بين الدولة ومستثمرين أجانب، والقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات العامة، مثل قضايا التعذيب وتكوين الأحزاب وبطلان الانتخابات، وكل ما يتعلق بعناصر الحكم الرشيد.

معنى ذلك أن قواعد القانون الدولى الآن امتد نطاقها إلى الشأن الداخلى للبلاد؟

- نعم، فالقانون الدولى التقليدى الذى درسناه فى كليات الحقوق، كان يحدد أطرافه بالدول والمنظمات الدولية والإقليمية، ولا يجوز التدخل فى الشؤون الداخلية للدول، أما الآن، وقد اتسع نطاق القانون الدولى بعد إنشاء المحاكم الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية ومحاكم حقوق الإنسان والمحكمة الأوروبية وغيرها، حيث امتد الاختصاص إلى الأفراد وحماية المواطنين فى كل دولة، بدعوى حماية حريات الحقوق العامة، ورأينا تطبيقات عديدة فى هذا الشأن مؤخرا، مثل القرار الذى صدر بحق الرئيس البشير فى السودان، والعقيد القذافى فى ليبيا، وقضية اغتيال الرئيس الحريرى فى لبنان، والمطالبة بالإفراج عن بعض المعتقلين فى عدد من الدول.

الوضع القانونى للاستثمار فى مصر بعد الثورة أصبح مقلقا للمستثمرين مما سينعكس على الاقتصاد المصرى، فما تقييمك لهذا الوضع؟

- الاستثمار يقوم على عناصر مهمة فى الأصل، أولها: تحقيق الأمن حتى يطمئن أصحاب رأس المال، ثانيا: لن يأتى استثمار خارجى دون استقرار الاستثمار الداخلى أولا، لأن رجل الأعمال الأجنبى لا يستثمر فى بلد إلا بعد أن يطمئن إلى أن رجل الأعمال الوطنى استثمر قبله داخل وطنه، ثالثا: أن يطمئن المستثمر إلى وفاء الدولة بالتعهدات والاتفاقات والعقود التى تم إبرامها معه، وآلية حل النزاع الذى قد يثور أثناء تنفيذ هذه الاتفاقيات، أقصد آلية القضاء أو التحكيم الداخلى أو الخارجى المتفق عليها، رابعا: أن يطمئن المستثمر إلى سهولة تحويل أرباحه للخارج وقتما يريد، هذه هى قواعد ضمانة الاستثمار، ودونها لن يقوم استثمار.

سيكون لمجلس الشعب القادم حق إسقاط الحكومة، فما ضمانة المستثمر الذى تعاقد مع حكومة أسقطت، وهو الوضع نفسه الذى يعانيه بعض المستثمرين الآن ممن تعاملوا مع النظام السابق؟

- هذه إشكالية كبيرة لابد من حسمها، وقد قرأنا أن مجلس الوزراء شكل لجنة على مستوى رفيع لحل هذه المنازعات، والخوف من أن يلجأ المستثمر المتضرر إلى التحكيم الخارجى، الذى سيكون فى صفه فى أغلب الأحوال، ولدينا مثال سابق وهو قضية سياج الشهيرة.

وما الحل إذن؟

- من المفترض أن العقود والاتفاقات لا يجوز إبطالها إلا إذا كان هناك غش وتدليس شارك فيه المستثمر، لذلك أعتقد أن بث الطمأنينة فى نفوس المستثمرين الوطنيين والأجانب يكون بنص فى قانون الاستثمار يبرز هذا المعنى ويؤكده ويضمنه، بمعنى النص على أن الاتفاقات المبرمة مع الجهات الحكومية المختلفة مصونة إلا إذا شابها غش وتدليس.

ماذا لو تم التعاقد مع مستثمر ما على أرض، قيل بعد ذلك إنها أقل من السعر الطبيعى؟

- لو لم يلجأ المستثمر إلى الغش والتدليس، تقع المسؤولية هنا على الحكومة، وإلا سيلجأ المستثمر وقتها إلى التحكيم الدولى مثلما قد يحدث الآن إذا لم تتدخل الحكومة لحل الأزمة، وهو ما يضعنا فى مأزق كبير.

وفقا للقانون الدولى، هل يمكن تعديل بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد، كما جاء فى البرامج الانتخابية لبعض مرشحى الرئاسة المحتملين، خاصة أن شركة غاز شرق المتوسط أخطرت مصر رسميا بلجوئها إلى التحكيم الدولى بسبب ملف تصدير الغاز؟

- بصرف النظر عن الأمور السياسية، فهذه التزامات واتفاقيات دولية يجب الالتزام بها، أما عن إمكانية التعديل، فمن الممكن تعديل بعض البنود، لكن لابد من موافقة طرفى المعاهدة على هذا الإجراء، ولا يجوز أن يجرى التعديل من جانب واحد.

وماذا إذا لم يوافق الطرف الآخر؟

- وقتها يمكن تقديم ما يثبت وقوع ضرر أشد من روح الاتفاقية، بمعنى أن أى اتفاقية لابد أن يكون بناؤها الأساسى التوازن بين الحقوق والالتزامات لدى الطرفين، وإذا ما تبين أن هناك خللا فى هذا التوازن بحيث أصبح التنفيذ من جانب أحد الأطراف عبئا شديدا، أو يضر ضررا جسيما بمصالحه، فيستطيع اللجوء إلى الجهة المتفق عليها فى الاتفاقية.

ما تعليقك على أزمة إحالة قضاة للتحقيق بقرار من وزير العدل بناء على مذكرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟

- كنت أرى طلب مذكرة من القضاة المعنيين دون التعرض لإجراء تحقيق، ونحن معتادون فى الهيئة القضائية على هذا الإجراء، وهو الاكتفاء بتقديم مذكرات لتوضيح موقف القاضى المشكو فى حقه، وأعتقد أن قرار التحقيق هو ما أثار القضاة، واعتبروه مساسا بحريتهم واستقلالهم، وعلى كل حال فإن وزير العدل ترك الأمر برمته لمجلس القضاء الأعلى، الذى أنهى هذه الأزمة بطريقة مناسبة جدا، تحفظ لجهتى القضاء العادى والعسكرى الاحترام والوقار.

هل تعتقد أن القرار كان سياسيا بهدف إرضاء المجلس العسكرى؟

- من حق أى جهة، سواء المجلس العسكرى أو غيره، التقدم بمذكرة ما دام يرى أن هناك من أخطأ فى حقه، وقد قدمت مذكرة من القضاء العسكرى، كان يتعين الرد عليها، لكن أسلوب الرد هو محل الخلاف، وأعتقد أن إحالة القضاة المعنيين للتحقيق لم يكن إجراء مناسبا.

هذه الأزمة أعادت إلى السطح معضلة وضع القضاء العسكرى، ففى الوقت الذى قال فيه بعض القضاة إنه قضاء استثنائى، رد اللواء ممدوح شاهين، أحد أعضاء المجلس العسكرى، بأنه قضاء طبيعى، فما رأيك؟

- هذه المسألة تثار دائما عندما يقدم مدنى للمحاكمة العسكرية، وتكون المشاكل المطروحة حول حماية المدنيين وتوفير الضمانات لهم فى المحاكمات أمام قاض طبيعى، مثل ضمانات الدفاع والحرص على قاعدة الطعن فى الأحكام أمام درجات التقاضى المختلفة، وأهم المشكلات التى أثيرت فى هذا الصدد ما تنص عليه المادة 179 من الدستور الملغى، وتعطى لرئيس الجمهورية الحق فى إحالة أى جريمة من جرائم الإرهاب إلى أى جهة قضاء منصوص عليها فى الدستور أو القانون، فكان المفهوم من ذلك بالضرورة تحويل المدنيين إلى محاكمات عسكرية، وهذا ما كان القضاة يرفضونه، ومعهم كل أعضاء منظمات حقوق الإنسان، لكن يجب التفرقة بين اختصاص القضاء العادى والقضاء العسكرى، فالقضاء العسكرى فى حدود اختصاصه يتصدى لمحاكمة العسكريين أو جرائم التعدى على القوات المسلحة، ومن هنا فهو قضاء طبيعى، ويغدو القضاء العسكرى استثنائيا فى غير هذه الأحوال، مثل محاكمة المدنيين، وهذه المادة أدخلت فى استفتاء مارس 2007، والحمد لله أنها ألغيت وعادت الأوضاع إلى طبيعتها.

لكن الواقع يؤكد إحالة البلطجية واللصوص ومثيرى الشغب كل يوم إلى محاكم عسكرية؟

- هذه فترة مؤقتة ستنتهى بانتهاء حالة الطوارئ.

أثيرت فى الأونة الأخيرة إشكالية حرية القاضى فى مناقشة الأمور العامة، وضرورة حصوله على إذن قبل الخروج على وسائل الإعلام، فإلى أى مدى تتاح للقاضى حرية التعبير عن رأيه؟

- الجميع يتفق على أن القضاة محظور عليهم العمل بالسياسة، والانضمام للأحزاب، أما إبداء الآراء فى الشؤون العامة، فهذا أمر غير محظور، وصدر من مجلس القضاء الأعلى توجيه بهذا الشأن للقضاة، بهدف حمايتهم من الانزلاق فى مأزق إبداء آرائهم بشأن قضايا منظورة أمام القضاء أو محل تحقيق، وهو ما يجب أن يبتعد عنه القضاة، أما ما يتعلق بالقضايا العامة التى تمس الوطن، فالقاضى مثل أى مواطن، والمعيار الذى أراه لأى قاض فى هذا الشأن، هو أن يفكر قبل الإدلاء برأيه فى أىمسألة للإعلام، فيما إذا كان الموضوع مطروحا أمام القضاء أم لا؟ فإذا كان الأمر كذلك، أرى الابتعاد عن مناقشته.

تحدثت عن الفرق بين إصلاح القضاء والحديث عن استقلاله، فإلى أى مدى ترى أنهما منفصلان؟

- لا شك أن إصلاح القضاء يدعم استقلاله، لكن يجب التفريق بينهما، فإصلاح القضاء يتم أولا بنقل تبعية التفتيش القضائى لمجلس القضاء الأعلى بدلا من وزير العدل، علما بأن هذه المسألة يجب ألا تأخذ أكبر من حجمها، لأن من هم فى درجة المستشارين، بصرف النظر عن تسميتهم بالقضاة، لا يخضعون للتفتيش الفنى على أعمالهم، وكذلك إلغاء ندب القضاة للمصالح الحكومية، والحل يكون بزيادة رواتبهم حتى لا يسعون للندب لتحسين أوضاعهم المعيشية، إضافة إلى العناية بالمصالح المعاونة مثل الطب الشرعى، وتطوير كل الآليات المساعدة للقضاة من إدخال عناصر التكنولوجيا فى كل المحاكم، وتطوير الأبنية وغيرها، وهو ما يحتاج دعما ماليا وفنيا، لكنه ليس بالأمر الصعب.

ما تقييمك لعلاقة وزير العدل بنوادى القضاة؟

- انقطعت بعد عهد المرحوم المستشار فاروق سيف النصر، وبالتالى صارت هناك فجوة بين الوزارة ونوادى القضاة يتعين علاجها، لصالح القضاة والقضاء حتى لا تحدث حالات سوء التفاهم التى تتزايد وتتراكم نتيجة هذه القطيعة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية