«أنا مهووس بكرة القدم، لكن في بعض الليالي شعرت بالوحدة والحزن الشديد، 636 يوما بدون لعب الكرة، كنت أتحدث إلى عائلتي وأقول لهم، حسم الأمر غدا سأستسلم، سأخبر خوانكار طبيب العلاج الطبيعي أنني لا يمكنني الاستمرار»
سانتي كازورلا- قائد أرسنال السابق وفيا ريال الحالي والمنتخب الإسباني متحدثاً عن إصابته.
1
في ملعب «المدريجال» معقل فيا ريال بإسبانيا يجلس إنزو الصغير في انتظار الأب قائد الفريق سانتي كازورلا
إنزو: أبي أكثر من عامين لم أشاهدك تلعب الكرة.
كازورلا: سأعود إلى اللعب يا صغيري.
كانت قدم الأب تبدو غريبة تماماً لعامين كاملين عانى خلالهم ما لم يعانيه لاعب حالته صارت تدرس في الجامعات وفي كل مكان كمعجزة طبية.
هل تعرف معنى الآلم؟ ذلك الشئ اللعين الذي يصاحبنا نفكر في كيفية التخلص منه، في حاضرنا وما نحلم به والذي قد ينتهي في أي وقت بسبب ذلك الآلم اللعين؟ حياتنا الصعبة التي نعيشها؟ أن تنتهي مسيرتك في أوج عطائك؟ أنت يخبرك الأطباء بأنك لن تكون قادراً على السير مجدداً؟ هي كرة القدم وعلينا تقبل كل هزائمها حتى لو كانت في الحياة.
منذ أكتوبر 2016 حتى نهاية 2017 بسبب عدوى بيكتيرية أصابت وتر أخيلس أجرى كازورلا 8 عمليات جراحية لكن جميعها فشل حتى أن الأطباء كانوا يطالبونه بأن يدعي فقط أن يتمكن من السير فربما يضطرون لبتر القدم.
في غرفة الأطباء باستاد الإمارات يجلس سانتي كازورلا يعاني من الألم يشعر بأن الشلل أصاب قدميه، يلوم نفسه على تجاهل الإصابات والألم من أجل الاستمرار في اللعب.
لماذا لم أخبر الأطباء، بإَصابتي في 2013 وأنا ألعب مع منتخب إسبانيا، أو عن عظمة الكاحل التي تحطمت في 2015 لماذا أصر على اللعب بألم كبير، لعبت 46 مباراة بكل البطولات، وفي 2015 أصبت بمزق في الرباط الخارجي للركبة لجأت للعمليات من جديد لكن ما حدث لم يكن طبيعيا.
كان القلق والتفكير ينهشون رأس الإسباني الذي أصبح قائد لأرسنال ومنتخب إسبانيا الجميع يتحدث عن قيمته الكبيرة لكن الأمر لم يكن بخير يقول سانتي :«كنت ألجأ دائما إلى الحصول على الدفئ حتى لا أشعر بالألم، لكن وسط المباراة إذا برد جسدي كنت أبكي من الألم في النهاية لجأت للجراحة».
بعد الجراحة لم يعد كازورلا إلى الملاعب، في كل مرة كان يغلق الطبيب الجرح بالغرز الطبية كان الجرح ينفتح مرة ثانية، وخضع بسبب ذلك إلى 12 عمليات جراحية أخرى، ولأن الجرح ظل مفتوحا انتشرت العودة والحمى في مكان الإصابة، ليصبح الوضع خطيرا، العدوى دمرت عظام كعب قدم كازورلا وتسببت في تآكل 8 سنتيمترات من وتر أكيليس.
2
في انتظار الأطباء للاستفسار عن فترة الغياب ولماذا يستمر الألم رغم كل العمليات لم تكن الإجابات مريحة للإسباني حتى أن أحد الأطباء أخبره بإمكانية بتر القدم.
«التقطت عدوى في إحدى العمليات خاصة وأن القطع كان يجب أن يظل مفتوحا، دخلت البكتريا في منطقة العملية، خرج سائل أصفر في الليل من قدمي، كل مرة كانوا يسيطرون عليه كان ينتشر مجددا ويخرج سائل أكثر، قرروا تطعيمي لكن ذلك لم يجد نفعا لأن العدوى كانت متوغلة للغاية، البكتريا كانت تأكل قدمي، لم يكتشفوا نوعها حتى».
سانتي كازورلا من حوار له مع «الجارديان».
بعد عام من الغياب الأول خرج أطباء الأرسنال ليخبروا اللاعب بأنه لن يكون قادراً على لعب كرة القدم من جديد، لم يكن يفكر الإسباني في شئ قدر ذلك الألم الذي يعاني منه قدمه المفتوحة دائماً لا يمكن إغلاقها جلدة الذي يأخذونه لترقيع الجزء المقطوع في وتر القدم.
«قالوا لي، لا تقلق حيال لعب كرة القدم، فقط فكر في العودة لحياتك الطبيعية مرة أخرى، أن تعود للعب مع ابنك أو المشي مرة أخرى، لكنني لم أعر ذلك انتباها، لأنني كنت قد قررت أن أعود إلى إسبانيا، والذين أخبروني وقتها أشياء مختلفة، الأطباء في أرسنال قالوا إنهم أعطوني المضادات الحيوية، لكنه لم يكن الدواء المناسب لعلاج حالتي، في إسبانيا قالوا إن حالتي تأخرت بشدة بسبب الدواء الخاطئ الذي حصلت عليه في لندن». سانتي كازورلا لـ«ديلي ميل».
3
23 شهراً ما يقرب من 700 يوماً دون ممارسة كرة القدم قائد أرسنال ومنتخب إسبانيا الذي حصل على أفضل لاعب في إسبانيا مرتين والأفضل في أرسنال مرة، لعب مع المنتخب منذ 2008 فاز بكأس الأمم الاوروبية وكأس العالم حقق كل شئ لكنه الأن لا يعرف شئ سوى الألم، يحاول الهروب من ذكريات الاعتزال أسئلة أبنته «هند» وابنه «إنزو» يريد أن يقاتل لكن الخوف يطارده بعد كل هذه السنوات هل أعود لممارسة الكرة.
»تعبت كثيرا، خضعت لعمليات كثيرة لمدة شهرين أو 3، ثم رحلت على فيتوريا في اليوم التالي ووجدوا نوع البكتريا واحدة في العظم واثنين في الوتر، ولم يعلموا كم تآكل جراء البكتريا، طبيبي قال لي، إنني سأخضع لعملية حتى يجد الوتر والتضرر به، ثم أخبروني أنهم مضرين لإجراء جراحات عديدة، وحينما فعلوا ذلك وجدت أنني خسرت 10 سم من الوتر، كنت محظوظا كان من الممكن أن يتآكل أكثر من ذلك، حينما اضطروا لإعادة بناء الوتر، لاحظوا أن عظامي كانت في حالة سيئة للغاية، والوضع كان خطيرا» سانتي كازورلا في حوار مع «ماركا» الإسبانية
4
كانت صفحات ممارسة كرة القدم توشك أن تكتب سطورها الأخيرة في مسيرة كازورلا بدأ في تجهيز نفسه للاعتزال كان سعيداً فقط بأنه عاد للسير يمكن أن يمارس حياته بشكل عادي هل يمكن أن يمارس كرة القدم، في أرسنال لم يكونوا واثقين من عودته وهو لم يكن راغباً في الاستمرار في إنجلترا.
لكن رغبات أبنائه كانت تدفعه للمحاولة :«في بعض الأوقات كنت أستعد للاستسلام، كان الوضع صعبا للغاية لأنك لا ترى أي تطور، تحدثت طيلة الوقت مع الطاقم الطبي، وكانوا يسألونني، هل ترغب في اللعب مرة أخرى؟ أقول لهم نعم، يقولون لي حسنا هذا هو الأمر، اليوم نعمل وغدا سنرى ما سيحدث، وكنت أبدأ في رؤية بعض التطورات الصغيرة، في يوم ما دخلت الملعب وذهنك خال وتعود للفندق بابتسامة كبيرة، طبيب العلاج الطبيعي كان ذكيا وقام بخداعي، منحني الكرة، وجعلني ذلك أشعر وكأنني لاعب كرة مرة أخرى، وقال لي، غدا ستلعب أكثر بالكرة، وتلك الحيل الصغير كانت تجعلني أقابل كل يوم بشوق كبير». من حواره مع «ماركا».
5
عقب جراحته الأخيرة، بدأ كازورلا طريق برنامج التعافي الطويل خلال الصيف، كان يترك بيته لفترات طويلة واضطر لتغيير مدرسة أبناءه أكثر من 3 مرات في عام واستقر في النهاية بمدينة سالامانكا بإسبانيا من أجل العمل مع الأخصائي البدني المفضل له، خوان كارلوس هيراريز.
استغرق البرنامج وقتًا أطول بسبب مشكلة العظام وتراكم السوائل في نخاع العظام، ولكن من المنتظر أن يكون كازورلا جاهزًا للعودة إلى التدريبات في يناير. ربما لن يكون من السهل معرفة الحالة التي سيكون عليها ابن ال32 عامًا بعد تعافيه. فلطالما كان لاعباً فنياً أكثر منه لاعباً يعتمد على النواحي البدنية، غير أن درجة معينة من الرشاقة كانت جزءً لا يتجزأ من حركاته السريعة مع الكرة.
«عائلتي كانت تتصل بي وأخبرهم بسعادة أنني لمست الكرة، ثم يسألونني عن شعوري، أقول لهم إنني أشعر بالألم لكن لا يهم لقد لمستها، وغير أطفالي المدرسة 3 مرات في عام واحد، ولم يعرفوا حتى إن كان الأمر يستحق العناء أم لا، كنت أصل المنزل ليلة واحدة وفي اليوم التالي كانوا يقولون لي، هل ستغادر مرة أخرى؟ كانوا يرون رحيلي أمرا طبيعيا وألمني ذلك كثيرا، لكنني فعلت ذلك من أجلهم أيضا، لأنهم مهووسين بكرة القدم مثلي».
6
في 2018 أصبحت الأمور أفضل أمام سانتي لكن حواره مع ابنه لا يزال عالقاً في ذهنه سأعود كان قراره مفاجئ ومقلق الجميع كان يحذره «لم نصدق أنك ستتمكن من السير مرة أخرى» يقولون له لكنه يشعر الأن بأنه الأفضل.
في يونيو 2018 بدأت مفاوضات بين فياريال وكازورلا لتجربة ما إن كان بإمكانه العودة، وبالفعل أنضم للفريق، لخوض فترة الإعداد التي تسبق الموسم المقبل، في محاولة جديدة للاعب الإسباني حتى يتعافى من الإصابات التي طاردته لسنوات.
سارت الأمور بشكل جيد والأن والموسم يوشك على النهاية ها هو كازورلا عاد ليلعب مع فياريال أساسي خلال الموسم الحالي يصنع الأهداف، ويمرر الكرة ببراعة كما كان يفعل دائماً،ويصنع الأهداف ثم يبكي حينما يتذكر كل المأساة التي عاشها، الأن فقط يمكن لسانتي أن يقول «الألم كاد يقتنلي لكنه أعادني للحياة وأجبرني على عدم الاستسلام».