x

عندما يحرن التاريخ (شعر)

الثلاثاء 02-04-2019 17:39 | كتب: اخبار |
كاريكاتير كاريكاتير تصوير : اخبار

حلق التاريخ لحيته الكثة،

ومضى يبحث عن ركن خرافى صَموت..

هذه اللحية لم يعد يحتاجها،

والملفات التى دونها فى غابر الأيام

والحاضر..

سوف يلقيها إلى ريح السموم الآتية

من صبر فلسطين ومن جرح العراق،

من صمود الشام ومن نزف اليمن،

قبل أن يأخذها تاجر العنف،

الذى يُقبل من أقصى بلاد الغرب

على حاملات الموت والرعب

إلى الشرق المدمّى،

فتلاقيه بتهليل وتكبيرٍ أصناف الموالى..

هو من أدمن تزويرَ التفاصيل،

وتدويرَ التوابعْ..

فى زمان تسبق الأخبار والأحداث فيه،

رمشة الجفن، وتهتاجُ المواجعْ..

حلق التاريخ لحيته الكثة واختار التلطى

فى زواريب الحكايا،

وتكايا مدن الشام العتيقةِ، والزوايا

# #

ألمًا تنثره الريح غلالا للعصافير،

وألعاباً لأطفالٍ صغارٍ فى مخيمْ،

طاف فى الليل على جنْد الخلايا

فاغتاظت ملوك القبّرات..

وصحا مَن نام قيلولة ليل متقطع

استدرْ يا ساكنا جرح السبايا

قد تنادى عسكرُ الألفة،

ورجانا سائسُ الصمت

بأن نركب متنَ الحزن والشوقِ

نغزو عالما يعبره نهرُ الجراح

نُقصى الخوف،

عن واقعنا المسكونِ بالحلم

بين دهريْن من الغربة والوعد

نعيد الروحَ

للوهج الذى قد كان فينا

ونمد الكف للشاطيء بالنار،

ينتَضى الشاطيء سيف الرعد

يصير الرمل نواحاً وضجر

تهتف النخوة فى من يتصدى للحصار:

ها زمان الرجْم قد جاء،

والفراشات تسابقْن برمى الراجمات..

# #

أزهر الليل وردة شوق

فامتطى المغنّون ظهر السكون

إنه القهر يولَد فى الأعماق،

ينمو صاخبا...

يرسم خارطة التمرد والغزو،

يَرْمى على خاصرة الفجر،

أشلاء أغنية لم يكتمل لحنُها،

فاحتُبِست فى حناجر المواعيد

قبل أن يؤدّى نشيد الصباح..

المدى غارق بالنشيج والخوفِ،

متخمٌ بالمواويل والصهيل،

جامدٌ بين نزيف الروحِ والشكوى

مهزومٌ من الداخل،

مطعونٌ بسيف الزيفِ،

يغتال ثوانى عمره ثغاءُ الترهاتْ..

والملايين التى كانت تهز العرشَ والكرسيّ

سرقوها برغيف الخبزِ من أحلامها،

ورشوها بأمانٍ زاهياتْ،

ووعود برفاهٍ فى عجافِ السنواتْ،

آه.. يا عالمَنا المنزوعَ من أرواحنا

آه.. يا حمانا المستباحْ

يا بلادا تعبت من رتق أفواه الجراحْ

واستكانت بين أحضان بغيّ الأغنياتْ..

# #

هو ذا المر الذى يخنقنا

إنه طعم مزاميرِ الوطن..

ساكنٌ حلماً قديماً فى هوانا

منذ أن صيغَت حكايات المحنْ..

يولد الجرحُ من الجرح،

وتنمو المقصلةْ..

فى دياجير اللهاثِ الحر نحو الجلجلةْ..

والقطيعُ الذاهل المذعورُ،

من قعقعةِ الأحداثِ،

يستجدى هوامَ الغرب أن تُنجده،

بطيّ المرحلةْ..

والبشاراتُ على أعمدة الصدفة تاهتْ،

وبكتها المدن البلهاء زوراً،

فصارت زلزلةْ..

وحدها دمشقُ الفيحاء لم تبكِ،

ولم تُرهِبها زحوف النائباتْ..

# #

يقول سفر الحضارة:

إن الذين يجيئون على مَرَج البحر،

من شَتات البقاع،

يسبقهم حلمهم بالتكاثرِ،

والانتشار السريعِ..

سوف يعودون إلى البحر،

من الطرف الآخر للنهرِ،

حين يسقط وهمُ الخرافة من يدهمْ،

وأهازيجهم يغلّفها السامعون بالنواحْ

حين يضُوع البنفسجُ فى الشام،

ورائحة الياسمين والبيْلسان والأقاحْ

وترجع كل الحكايات إلى البدءِ

بـ«كان يا ما كان»

فالديار التى أدمنت سرقة الوقت

بالهتاف والدعاءِ لمعجزة تدمّر العدوّ

ما خرجت من قمقم التبعيةِ،

ولا استعادت بعض كرامتها،

وحدها الشام التى أسرجَتْ خيلها

وانتضّتْ سيفها،

ودعتْ كل من يحملون الرماحَ

لملاقاة غزوِ الجهالة والتوحشِ،

إنها البلادُ التى تملأ الروح بهجةً،

وتضىءُ حاضر تاريخنا بالشموخْ

# #

لبلاد تخرج فى ملابس النوم

تستقبل صباحاتِ الرصاص والحليبْ

تُلقى أناشيدها الوطنية،

عند أحذيةٍ مبللة بالمسافاتِ والتعبْ

أكتبُ للشام..

لتلك السكينةِ فى الروحِ..

توقظ أروقةَ الصمت والبأسِ،

تدندنُ أهزوجة للسلاحِ البهى،

تُغوى سوسن القدس،

أن يبيّضَ صبح الأحبة،

حين يعودون إلى حضنها العاشقِ

وحدها الشامُ، والحليفُ، الصديقُ، الرديف

يتصدون لزحف العالمِ حامى القتلة..

اعتمرَت تاريخها الناصعَ،

كيما تنثرَ وردها الجورىّ،

على الدنيا بيوم الانتصارْ..

# #

حلق التاريخ لحيته الكثة،

وارتاح على مقعده الباردِ

يشرب قهوته المرّةَ،

فى إناء معدنى صدئت قبضته

والرصيف المدمنُ المرهفُ،

يقرأ البختَ لفجرٍ جاء من غير بطاقة،

وتخطّى حاجز التفتيشِ،

فيما كان الحارس يسعلُ،

بعد أن أشعلَ سيجارتَه الأخرى

من الأولى..

قال للفجر الحزينْ:

ابقَ فى الشامِ وذقْ طعمَ الأمانْ..

لا تسافرْ لبلاد جاهَرت بالخيانة..

شعر حاتم صادق خربيط - سوريا:

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية