تعرض حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، والرئيس التركى رجب طيب أردوغان إلى انتكاسة غير مسبوقة في الانتخابات البلدية التي أجريت في البلاد الأحد، بخسارة مرشحي الحزب بلديات المدن الكبرى، وعلى رأسها أنقرة وأزمير، وتراجع مرشحه أمام مرشح المعارضة في إسطنبول ثانى كبرى مدن البلاد، في عقاب من الناخبين الأتراك لأردوغان على سياساته الاقتصادية وتدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع التضخم والبطالة وانهيار الليرة.
وحصل حزب العدالة والتنمية على نحو 51% من إجمالى الأصوات، بينما حصل حزب الشعب الجمهورى المعارض وحزب «الجيد» على 30.25٪، وفق وكالة «الأناضول» التركية، ولأول مرة منذ تأسيسه، عام 2001، فقد حزب العدالة والتنمية السيطرة على أنقرة، وفاز بمنصب بلدية العاصمة مرشح حزب الشعب الجمهورى المعارض، منصور يافاس محمد أوز هسكى بـ50.9% من الأصوات مقابل 47% لمرشح حزب العدالة والتنمية، بعد فرز 99% من صناديق الاقتراع، وفى مؤشر إلى عزمه على عدم التخلى عن أكبر مدينتين، أعلن حزب العدالة والتنمية أنه سيتقدم بطعون لإعادة النظر في صلاحية عشرات آلاف الأصوات التي اعتبرت لاغية. وأعلن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية فاتح شاهين: «سنستخدم الطعون القضائية التي هي في متناولنا بشكل تام، لن نسمح بحرف إرادة سكان أنقرة»، وذكرت وكالة الأناضول أن 290 ألف صوت في اسطنبول و90 ألف صوت في أنقرة اعتبرت لاغية. من جهتها، حضت المعارضة، التي تخشى التزوير، المراقبين على «عدم النوم خلال الساعات الـ48 الأخيرة» لمراقبة مكاتب فرز الأصوات.
وعرض رئيس اللجنة العليا للانتخابات، سعدى جوفن، نتائج الانتخابات غير النهائية في إسطنبول بعد فرز 31 ألفًا و102 من الصناديق الانتخابية، وقال إن مرشح حزب الشعب الجمهورى لبلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، حصل على 4 ملايين و159 ألفًا و650 صوتًا مقابل حصول مرشح حزب العدالة والتنمية، رئيس الوزراء السابق بن على يلدريم، على 4 ملايين و131 ألفًا و761 صوتًا، بعد فرز 31 ألفًا و102 من صناديق إسطنبول، بينما يتواصل 84 صندوقًا بسبب الاعتراض، وأضاف أن الاعتراض على النتائج بدأ، وأنه يمكن الاعتراض لدى لجان الانتخابات حتى يوم غد، وتدور المعركة على بضعة آلاف من الأصوات بين المرشحين الرئيسيين، بعد أن أعلن يلدريم ومنافسه فوزهما برئاسة بلدية إسطنبول، وبحسب مقولة حزب العدالة والتنمية: «إن من يكسب اسطنبول يكسب تركيا»، مما يشكل انتكاسة غير مسبوقة لأردوغان منذ توليه السلطة قبل 16 عاما.
وتمثل خسارة حزب أردوغان معاقله في المدن الكبرى التي تعد ثقلا سكانيا، وهى العاصمة أنقرة، وأزمير، وأنطاليا، وأضنة، وقرب خسارة إسطنبول، صفعة انتخابية لأردوغان، الذي أقر بأنه يتحتم عليه «معالجة مكامن الضعف»، وحرص أردوغان من مقر حزبه في أنقرة على إبراز إيجابيات النتائج، مشيرا إلى أن الائتلاف الذي شكله حزبه مع حزب الحركة القومية المتشدد تصدر النتائج على المستوى الوطنى بحصوله على 51% من الأصوات، وقال إن الناخبين «جعلونا الحزب الأول للمرة الـ15 في التصويت، وإنه سيبقى رئيساً لتركيا 4.5 سنوات إضافية، وإن حزب العدالة سيستمر في حكمه بنفس الطريقة التي أتى بها للسلطة». وأشار إلى أنه لا يوجد «ما يقلقنا، سنفكر في إخفاقاتنا بالانتخابات وتعويضها والمضى في طريقنا متفائلين بأعمال أخرى».
وما يزيد من أهمية فوز المعارضة في أنقرة، وقرب حسمها إسطنبول، أن حزب العدالة والتنمية حظى بتغطية وحضور كاسحين في وسائل الإعلام التي تسيطر السلطة على غالبيتها وسط تضييق على مرشحى المعارضة، التي دخلت السباق بمرشح واحد، وكانت إسطنبول المحطة الرئيسية التي فتحت الباب لأردوغان للصعود للسلطة بعدما فاز في الانتخابات البلدية عام 1994 وتولى رئاستها حتى 1998، وهى العاصمة الاقتصادية للبلاد، وصانعة الحكام التي تقلب الموازين في أي انتخابات، فيما تعد أزمير ثالث أكبر المدن التركية في تعداد السكان ومعقل حزب الشعب الجمهورى، والمدينة المتمردة دائما على حزب العدالة والتنمية. وفور النتائج الجزئية تراجعت الليرة التركية 1.2% مقابل الدولار في معاملات الإثنين، بعد أن تدهورت بنحو 30% منذ العام الماضى، وشهدت الأسهم والسندات عمليات خلال أسبوع الانتخابات، وانتقدت بعثة المراقبة التابعة للمجلس الأوروبى القيود المفروضة على حرية تعبير المواطنين والصحفيين، خوفا من انتقام الحكومة.