عزيزتى المحررة:
أنا امرأة على أعتاب مرحلة الخمسين من العمر. نشأت وعشت في محافظة ريفية. من أصل طيب والحمد لله. فأبى رحمه الله كان حافظا للقرآن الكريم. كان موظفا بسيطا، لأنه لم ينل أي قسط من التعليم، لكنها البركة، وحسن تدبير أمى، كانت الجنيهات القليلة تكفى. أما والدتى فكانت امرأة ريفية في غاية البساطة. كانت تعيش على الفطرة، التي لا تحتاج إلى منهج تعليمى أو تربوى. بل كانت تعتمد على القيم والعادات الموروثة ممن سبقوها. حسن العشرة والوفاء والإخلاص، كانت أهم سمات العلاقة بين أبى وأمى. حسن التعامل مع عائلة زوجها، وكأنها عائلتها الثانية، دون الحاجة لأن تأتمر بذلك من زوجها. فجدتى لأمى سبقته في ذلك، بتوصيتها بشدة على معاملة كل أفراد عائلة زوجها، معاملة حسنة. تلك هي الظروف التي نشأت فيها يا عزيزتى.
وأنا في الثانوية العامة، بدأ العرسان يطرقون باب منزل أبى. حتى جاء عريس مناسب في كل شىء. كان من الإسكندرية، ويعمل محاسبا، ومن عائلة، ومستواه المادى معقول. لديه شقة وسيارة، ووحيد أمه وأبيه. الصدفة جمعته بى، في إحدى الدروس الخصوصية. فقد كان صديقا لمدرس الرياضيات. وكان في زيارة له. وأخذ كل المعلومات التي يريديها عنى من خلاله. لمّح لى المدرس في إحدى المرات، شارحا لى كل مميزات العريس اللُّقطة من وجهة نظره، ونظر أي فتاة ستسمع ما سرده عنه. فخفضت رأسى وبصرى خجلا، واحمرت وجنتاى، فقال المدرس مبتسما على خيرة الله. أبلغى والدك بأن يحدد لنا موعدا لزيارتكم. وبالفعل أخبرت أبى وأمى بكل ما دار، وفرحا وقالا ما المانع؟ «خلينا نشوف العريس وأهله، وبعدين نشوف نقرر إيه» وحددا الموعد، الذي أخبرته للمدرس.
حضر العريس برفقة والديه، وكانت والدته لبقة جدا، وهى المتحدثة طوال الوقت. ووالده رجل حسن الهيئة، قليل الكلام، وقور. أما العريس فقد رأيته من قبل تلك المرة، ولا أنكر أنه حسن المظهر، شاب تظهر عليه ملامح وهيئة المدينة، التي تجعله مختلفا عن شباب القرية، من حيث اللهجة، المظهر، اهتمامه بأدق التفاصيل الشخصية، التي تجعله يبدو أنيقا. كاختيار الألوان بعناية شديدة، تصفيف شعره بالسيشوار ونوع العطر... إلخ. وافق الجميع وتمت قراءة الفاتحة، وكان شديد الاستعجال في إتمام الزواج. لكن أبى رفض وقال عندما أنهى تعليمى. فقالوا له كيف تستمر خطوبة مدة أربع سنوات؟ فتعهدوا له بأن أكمل تعليمى في منزله. على أن يكون الزواج بعد الانتهاء من امتحانات الثانوية العامة. وبالفعل تزوجنا، وظهرت النتيجة لكن للأسف لم يؤهلنى مجموعى إلا لمعهد سنتين. وهما بالفعل المدة التي قضيتها مع زوجى. حيث تم الطلاق بعدهما. فالعشرة أظهرت أنه لا كلمة له أمام والدته، وهى الآمرة الناهية في منزلى قبل منزلها. حتى والده كان لاحيلة له، سوى أن يطيب خاطرى بكلمتين وكفى.
وزاد الأمر سوءا أننا لم ننجب، فاعتقدت والدته أننى السبب، وصممت على تزويجه بأخرى، لتفرح بأحفادها. فصممت وأهلى على الطلاق، وقد كان. قررت بعدها استكمال تعليمى، وبحثت عن عمل بجانب دراستى. خاصة أن أبى توفى في ذلك الوقت، فشعرت بأننى بلا سند، ولكن حمدت ربنا على وجود أمى، فقد كانت خير سند لى. مرت ثلاث سنوات، ورآنى شخص من قرية مجاورة لنا. سبحان الله، كان مختلفا عن طليقى 360 درجة. فقد كان طيبا جدا، وسبق له الزواج أيضا. له من الإخوة خمسة أشقاء غيره. جميعم متزوجون. والده ووالدته بسطاء جدا. تمت الخطبة، وكان المشهد مختلفا، عن الخطبة الأولى. فقد كان هو المتحدث الرسمى. ولكننى لاحظت غياب إحدى إخوته البنات. وعندما سألنا عليها، أخبرنا بأنها مريضة. لم تدم الخطبة سوى شهور قليلة، بحكم ظروفنا. وتزوجنا بشقة بمنزل العائلة، الذي يتكون من طابقين، بكل طابق شقتان.
الحمد لله كان الزوج به كل الصفات الجميلة. يجمع بين المودة والحنية، وحسن العشرة. كان يبحث عن أي شىء يسعدنى به. رزقنا الله بطفلين جميلين، لتكتمل سعادتنا.
بداية أعود إلى أخته التي لم تحضر الخطبة، ولا حتى الفرح. فقد عشت مع زوجى 10 سنوات. كنت حريصة على تقوية علاقتى بجميع إخوته، ومعاملتهم كما تعلمت من أمى معاملة حسنة. وبالفعل كانت علاقتنا جيدة وطيبة ما عدا تلك الأخت. فاكتشفت أنها مقاطعة لجميع إخوتها، بل تعتدى على أبويها بالسب والضرب كذلك. وللأسف تحتل شقة من المنزل دون وجه حق، وتقيم فيها هي وزوجها وأبنائها. وحررت محاضر ضد جميع إخوتها. ولاهم لها سوى تنغيص عيشتهم، وتكدير حياتهم.
وللأسف لم يستطع والدها أن يفعل لها شيئا. فالكل يتحاشى التعامل معها، حتى أصبحت أقرب إلى بلطجية.. كل ذلك كان لا علاقة لى به، إلا بعض الأذى البسيط، من خلال مناوشات بسيطة معى أو مع زوجى. لكن للأسف استفحل الأمر بعد ذلك. في البداية، وفاة والد زوجى، ثم لحقت به حماتى. وبعد قترة وجيزة توفيت والدتى، التي كانت تصبرنى. وإذا سافر زوجى كانت تقيم معى حتى يعود. وكأن الكل ينسحب، لأبقى بمفردى في مواجهتها. تحملت وتجاوزت موت الجميع، حتى كانت الطامة الكبرى. وهى وفاة زوجى. فقد مات من كنت أرتضى معه كل ذلك، بل على استعداد لتحمل المزيد، طالما هو معى. لكنها إرادة الله. مرض زوجى بالكبد، الذي تطور سريعا خلال أقل من شهر، حتى مات. هنا كشرت لى الدنيا عن أنيابها، وكأنها تقول لى، كفاك عشر سنوات هناء وسعادة.
فشقيق زوجى لا حيلة له، بل ضعيف الشخصية لدرجة «الندالة» عفوا من اللفظ، لكنها الحقيقة. فلم يقف معى ولا حتى مع أبناء أخيه الأيتام في أي موقف لكن إحدى شقيقاته اختلقت معى جميع المشاكل بكل أنواعها. حتى سيرتى خاضت فيها افتراء وكذبا. حاولنا تقسيم المنزل وفقا للشرع. لكنها منعتنا من ذلك، وإخوتها كما ذكرت لا يفعلون شيئا. حاولت عرض شقتى للإيجار، لأتمكن من استئجار غيرها، فمنعت أي مستأجر حتى من مجرد الدخول للمنزل. لكن المرض أصابنى. وأصاب الإحباط أبنائى، ولم يعد لديهما الرغبة في البقاء بهذا المنزل. وأخشى عليهم من التعرض لتلك السيدة، التي من المفترض أنها عمتهم، خاصة أنها تحاول الاشتباك معهم في كل وقت. فماذا أفعل؟
«م. ع»
المحررة:
أيتها الزوجة والأم الفاضلة. أنت طيبة الأصل، وترعرعت في بيئة صالحة، تحرص كل الحرص على صلة الرحم. وسلكتِ أنت أيضا نفس الدرب. فاستمرى على معاملتك الطيبة وأسلوبك الحسن، مع أهل زوجك رحمه الله، وحتى مع أخته تلك، عملا بقول الله تعالى «وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ».
صدقينى ليس ما أدعوك إليه مثالية، فأنا أقدر ما تعانينه أنت وولداك، لكنه كلام الله، ومن أصدق من الله حديثا. فكل يوم الإنسان في شأن، وعسى أن يهديها الله لك بل لإخوتها على يديك، من خلال معاملتك الحسنة لها، وصبرك على أذاها. فهذا ابتلاء من الله.
فاصبرى واحتسبى. وحصنى نفسك وأبناءك بذكر الله دوما وقراءة القرآن، وإخراج الصدقات بنية هدايتها، ودفع آذاها عنك وعن أبنائك.
والحل الثانى هو أن تجتمعى بكل أخوات زوجك والاتفاق على قرار حاسم بتقسيم البيت وفقا للشرع، والاستعانة بالحكماء وكبار السن من رجال العائلة، لمساعدتكم في تنفيذ تقسيم المنزل، تزامنا مع عرض المنزل للبيع، بأكثر من طريقة في آن واحد.
فلن تستطيع التصدى كل يوم لمن يريدون الشراء. كما أنها استفحل أمرها، لشعورها بتفرقكم وتلاشيكم التعامل معها، أو حتى الاعتراض على أفعالها. فبمجرد شعورها بتوحدكم وتمسككم بحقوقكم، ستبدأ في التراجع.
أما الحل الثالث والأخير، ففى حال فشل الحلين السابقين- لا قدر الله- فلا يوجد أمامك، سوى ترك المنزل وغلق شقتك، واستئجار غيرها. لتنجى بنفس وبأبنائك. واجعلى أبناءك يعملون خلال الإجازات ليساعدوك على الإيجار الجديد، فهذا ليس عيبا، بل سيخلق منهم رجالا يتحملون المسؤولية.