x

نيوزيلندا.. من قبائل «الماوري» إلى جزيرة ترفع الأذان وترتدي الحجاب (تقرير)

السبت 23-03-2019 23:57 | كتب: أماني عبد الغني |
تشييع جثمان تشييع جثمان تصوير : آخرون

شهدت نيوزيلندا في الأيام الأخيرة حادثا مروعا نفذه مهاجر إرهابى أودى بحياة العشرات من المسلمين المهاجرين، وهو الحادث الذي نددت به حكومة نيوزيلندا وشعبها والعالم أجمع، ولكنه في الوقت نفسه قد يستثير بالذاكرة بعض الحقائق عن تاريخ نيوزيلندا التي تتألف من جزيرتين أساسيتين هما الجزيرة الجنوبية والجزيرة الشمالية وعدد من الجزر الصغيرة، منها جزيرة ستيوارت راكيورا، وجزيرة جريت باريير، وجزيرة وايهيكى، وجزر تشاتام.

زمان: سكانها الأصليون تحدوا الإبادة على أيدى المهاجرين الأوروبيين

غلاف كتاب «باول مون»

نيوزيلندا هي جزيرة واقعة في المحيط الهادئ، وتحديداً في الجهة الغربيّة منه، وليس لها حدود برية مع أي دولة، عاصمتها هي مدينة ويلينجتون، وأكبر مدنها هي مدينة أوكلاند، تبلغ مساحة أراضيها حوالى 103.483 ميل مربع، ونظام الحكم فيها ديمقراطى برلمانى ملكى دستورى، ومدنها هي أوكلاند، ودونيدين، ويلينجتون، وكرايستشيرش، وشمال بالمرستون، ونيلسون، وهاميلتون، وروتوروا، ومنطقة نابيير- هاستينج الحضرية، ونيوبليموث، وتاورانجا، ووانجارى.

تتألف جزيرة نيوزيلندا من جزيرتين أساسيتين هما الجزيرة الجنوبية والجزيرة الشمالية وعدد من الجزر الصغيرة منها جزيرة ستيوارت راكيورا، وجزيرة جريت باريير، وجزيرة وايهيكى، وجزر تشاتام، وهى تقع في الجهة الغربية من المحيط الهادئ أي في مياه نصف الكرة الشمالية، يفصل بين الجزيرتين مضيق يطلق عليه اسم «كوك»، ويسود فيها مناخان، مناخ شبه قاحل، ومناخ رطب. يبلغ عدد سكانها 4.751 مليون نسمة، حيث تبلغ الكثافة السكانية 16.1 لكل كيلومتر مربع، وذلك حسب إحصائيّات عام 2010، ولغة السكان الرسميّة هي اللغة الإنجليزية، واللغة الماورية، ويدين أغلب السكان بالديانة المسيحيّة. يعتمد اقتصاد نيوزيلندا على قطاع الخدمات، وقطاع الصناعة التحويليّة والبناء، والقطاع الزراعى ومن أهم محاصيله الفواكه، وقطاع التجارة، وصيد الأسماك، ومنتجات الألبان واللحوم، والقطاع السياحى، والغاز والفحم والنفط، وعملتها هي الدولار النيوزيلندى.

المسجد الذى شهد الحادث الإرهابى

الماورى هم السكان الأصليون لنيوزيلندا وجزر كوك، وتعنى كلمة «ماورى» في اللغة الماورية «العادى» أو «المألوف»، وتوافد أسلاف الماورى البولينيزيين على الجزيرة بين عامى 800 و1300، من الجزر البولينيزية الأخرى، وانخرطوا في حروب ضد الاحتلال الأوروبى انتهت في بداية القرن 19، ومع انتهاء حروبهم قُدر عددهم بحوالى 100 ألف نسمة. لاحقاً تضاءل عددهم إلى 40 ألف نسمة، ويعيش اليوم حوالى 600 ألف نسمة من الماورى في نيوزيلندا، محافظين على عاداتهم وتقاليدهم القديمة، مما يميزهم عن عامة سكان نيوزيلندا، ولكن في نفس الوقت لديهم ممثلون في البرلمان، كما يشاركون (بدرجة أقل) في معظم قضايا البلاد.

تم اكتشاف نيوزيلندا من جانب البحارة في القرن 17، حيث وصل إليها المستكشف أبل تسمان يانسزونفى الهولندى في العام 1642 وجذبت الجزيرة اهتمام صائدى الحيتان، ولكنها لم تُعرف إلا على يد جيمس كوك، الذي مرّ بها عدة مرات بين عامى 1749 و1776، وكان مجىء البيض إلى نيوزيلندا سببا في إشاعة الاضطراب في القبيلة وقد ترتب على ذلك قيام عدة مناوشات تطورت إلى حرب بين الماورى والأوروبيين، وكان لاكتشاف الذهب عام 1860 في هضبة أوتاكو وفى مناطق أخرى أثره الكبير في توالى ازدياد الهجرات الأوربية إلى هذه البلاد الجديدة، ضمت بريطانيا الجزيرة إليها عام 1840، حين بدأ إعمارها، إلى أن نالت استقلالها عام 1947، وأعلنت نيوزيلندا نفسها بأنها دومينيون داخل الإمبراطوريّة البريطانيّة، وصارت عضواً في عالم الكومنولث.

برع الماورى في صناعة النسيج ودفعهم الطقس البارد إلى بناء أكواخ مخروطية الشكل من الخشب المحفور بزخارف جميلة، واستخدموا في حفرها أدوات من الصخر، أشبه بتلك التي كانت تستعمل في العصر الحجرى، واعتادوا تزيين واجهات أكواخهم بعناية بالغة وكانوا يصنعون تماثيل خشبية يرمزون بها إلى أسلافهم وكان كبار رجال القبائل أو الزعماء يخضعون لقانون ينص على أن أشخاصهم وكل ممتلكاتهم تعتبر مقدسة وقد بلغ من احترامهم لرأس الإنسان أن هذا القانون لم يكن يسمح للرجل أن يلمس رأسه.

المسجد الذى شهد الحادث الإرهابى

وكان رجال الماورى قبل الخروج للقتال يرقصون الهاكا في ساحة القبيلة وهى رقصة حربية وكانوا يطلون وجوههم وأجسادهم باللون الأحمر ويمسكون في أيديهم بحراب طويلة ثم يأخذون في الرقص إلى أن يبلغوا درجة التحمس اللازمة لبدء القتال.

رغم تجاهل العديد من الكتب التاريخية أي إشارة إلى أن السكان الأصليين لنيوزيلندا «الماوريين» كانوا من آكلى لحوم البشر، فإن كتاباً من تأليف باول مون (The Horrid Practice)، يعد مصدرا لهذه المعلومة، حيث يوضح الكتاب أن هذه الممارسة كانت واحدة من الممارسات التقليدية المتبعة من جانب الماورى قبل وصول الأوروبيين إلى الجزيرة، وانتهت ممارسة هذا التقليد عام 1830، رغم وجود بعض الحالات التي مارسته في حدود ضيقة للغاية بعد هذا التاريخ.

ويشير الكتاب إلى أن هذا التقليد كان يمارس كنوع من الانتقام من أسرى المعارك بعد انتهائها، والمثير أن هذه القبائل (الماورى) التي كانت تتغذى على لحوم البشر هي نفسها التي تحدت الإبادة بعد توافد المهاجرين إليها، ولعل الجانب الأكثر إخافة ورعبا في ثقافة الماورى الاعتقاد بأن أكل لحوم أعدائهم سيجعلهم أكثر قوة ومهارة قتالية، فقد اعتادوا ممارسة أكل لحوم البشر خلال الحروب والمعارك التي خاضوها على مدار تاريخهم، وكانوا يفخرون بأكل جثث أعدائهم، ومن بينهم البريطانيون والاسكتلنديون، وأشهر تلك المرات عندما اعتدت تلك القبيلة على سفينة حربية بريطانية حاولت احتلال أرضهم، ولكن القبيلة تغلبت على طاقم تلك السفينة الذين بلغ عددهم 66 شخصاً، وتم التهام جثثهم بالكامل.

ومارست تلك القبيلة وأد المواليد من النساء لأنها كانت ترغب دائماً في إنجاب الذكور من أجل أن يصبحوا محاربين، بحسب الكتاب، ولهذا كانت الأمهات تقتل المواليد الإناث بخنقهن أو غرس أصابعهن نحو الغشاء الرخو للمخ ليقتلن على الفور.

الأوروبيون الأوائل الذين رست سفنهم على شواطئ نيوزيلندا وصفوا قبائل الماورى سكان تلك الجزر بأنهم قوم متوحشون يعشقون الاستقلال ويضحون في سبيله بالأرواح عن طيب خاطر ولقد ساعدهم على احتفاظهم بروح الاستقلال تحررهم من الاحتياج بفضل قناعتهم وبفضل توفر نبات البطاطا وجودة محاصيله واعتمادهم عليه في حياتهم. وعلى الرغم من تكرار الحروب فيما بينها إلا أنها استطاعت بحضارتها الخاصة تنظيم حياة قبيلة لها قواعدها وأعرافها التي تضبط العلاقات بين جماعاتها وأفرادها.

ومع مرور الأيام ظهر أفراد يجيدون تصريف أمور البلاد، واقتحموا حقول العلم والمعرفة، ونتيجة لذلك تطورت إلى حد كبير حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، إلا أنهم مازالوا يحتفطون بأفضل جوانب الحياة القبلية للماورى، في محاولة وفاء للقديم، ومواكبة الحديث، بعد عمليات مواءمة اجتماعية بين الماضى ومقتضيات العصر.

يُعرف سكان نيوزيلندا بالكيويين، ومفردها كيوى، واختار النيوزيلنديون اسم الكيوى، تيمناً بطائر نيوزيلندى يُدعى كيوى، ويعتبر الرمز الوطنى للبلاد، وهو موجود على عملتها، حيث إنه على ما يبدو لا يتواجد في فى مكان آخر غير نيوزيلندا، والمثير أن كلمة الكيوى تعود في أصولها إلى اللغة الماورية، لغة شعب سكان نيوزيلندا الأصليين.

وتمكن شعب الماورى حتى اليوم من الحفاظ على وجوده وبسط نفوذ ثقافة هذا الوجود، ففى مدن نيوزيلندا وعلى رأسها أوكلاند، أدفأ مدن نيوزيلندا وأكبرها وأكثرها كثافة من حيث عدد السكان، يجد الأفراد كل اللوحات الإرشادية من المطار إلى الشارع والجامعات النيوزيلندية مكتوبة بلغتين هي الإنجليزية والماورية. والعديد من المدارس النيوزيلندية تقوم الآن بتدريس اللغة والثقافة الماورية. ويبدو أن الماوريين قد نجحوا بالفعل في جعل لغتهم وثقافتهم ممارسة عادية في وسط مدينة تتميز بأنها واحدة من أكثر مدن العالم تنوعا سكانيًا.

ومنحت المعاهدة المبرمة بين الشعب الماورى والحكومه النيوزيلندية أهل الجزيرة الأصليين كافة الحقوق السياسية والثقافية والدينية والاجتماعية، وأضافت عليها حقوقا وامتيازات أخرى، ومنها المخصصات المالية والرعاية الاجتماعية، الأمر الذي مهد لهم تأسيس الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى والمنظمات المختلفة والمتخصصة في كافة حقول المعرفة الإنسانية، وذلك بغية المحافظه عليهم، وكاعتراف رسمى بأهل الأرض الأصليين أصحاب الحق الشرعى، حتى صار لهم تمثيل في الوزارات المتعاقبة واحتل بعضهم كراسى كنواب في البرلمان، بطريقة الانتخاب الديمقراطى من بين صفوفهم على وجه التخصيص (بطريقة الكوتة) رغم أنهم يؤلفون الأقلية.

الآن: رجال ونساء غير مسلمين يرتدون الحجاب يحيطون المسجد بباقات الزهور.. وتركيا تستغل الحادث في الانتخابات

المئات يضعون باقات الزهور خلال تأبين ضحايا الحادث الإرهابى

مؤخراً شهدت نيوزيلندا حادثا مروعا نفذه إرهابى استرالى يؤمن بتفوّق العرق الأبيض، في مسجدين في مدينة كرايست تشيرش، أكبر مدينة ضمن جزيرة الجنوب، ساوث آيلاند، على الساحل الشرقى، وقتل 50 شخصا الجمعة قبل الماضى، ووثق الاعتداء الإرهابى من خلال مقطع فيديو قام بتسجيله وبثه على مواقع السوشيال ميديا، ودوى صداه في أرجاء العالم وتوالت اللفتات التضامنية مع المسلمين وضحايا الحادث، والمُدينة للاعتداء والتطرف.

وسرعان ما دشن النيوزيلنديون حملة شعبية تدعو لارتداء الحجاب لإظهار تضامنهم مع المسلمين، وواصل نشطاء في الجمعيات والمواقع الاجتماعية حشد الدعم لهذه الحملة التضامنية، من أجل تشجيع كل القاطنين في نيوزيلندا على القيام بهذه اللفتة الإنسانية، وقرروا أن يكون اليوم الذي يُنفذ فيه هذه اللفتة هو يوم الجمعة الماضى، وتم اختيار يوم الجمعة نظراً لأهميته الدينية للمسلمين في كل بقاع العالم.

وقالت ثايا أشمان، إحدى منظمات هذه الحملة، إنها «دعوة بسيطة لكل سكان نيوزيلندا بهدف التعبير عن حزننا لما وقع وإظهار تعاطفنا مع المسلمين». وأشارت إلى أن الحملة تستهدف الذكور والإناث والصغار والكبار، مضيفة: «سواء كنتم في المنازل أو العمل أو المدارس، ندعوكم جميعاً إلى ارتداء الحجاب باللون الذي تفضلونه ووضعه سواء على الرأس بالنسبة للنساء أو على الكتفين بالنسبة للرجال»، ولقيت الحملة استجابة عدد كبير من الناس، الذين وافقوا على القيام بهذه البادرة. ودعا المنظمون إلى نشر صور الحجاب على المواقع الاجتماعية.

رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن

وكانت رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن وعدت مباشرة بعد المجزرة بتشديد قانون حيازة السلاح الذي سمح للقاتل بشراء أسلحته بصورة قانونية، وأعلنت بعد أقل من أسبوع على المجزرة أن «كل الأسلحة نصف الآلية التي استخدمت في الهجوم الإرهابى سوف يتم منعها في البلاد»، وعرضت مجموعة كاملة من التدابير الكفيلة بتحويل أقوالها إلى أفعال.

ورُفع الأذان في أرجاء نيوزيلندا في إجراء استثنائى أعقبه الوقوف دقيقتى صمت في ذكرى مرور أسبوع على مجزرة المسجدين ومع إذاعة الأذان في أرجاء البلاد وقف الآلاف، من بينهم رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن والناجون المصابون، في حديقة قبالة المسجد الذي بدأت فيه المذبحة المروعة.

ورفع مؤذن يعتمر غطاء أبيض للرأس، الأذان الساعة 1:30 ظهرا بالتوقيت المحلى، فيما كان آلاف المحتشدين في حديقة هاجلى أمام مسجد النور ينصتون لكلمة «الله أكبر» التي تدوى في المكان.

أعقب ذلك دقيقتا صمت في أنحاء البلاد، مع تنظيم تجمعات عامة في مدن أوكلاند وويلنجتون ومدن أخرى، وبعد إقامة الصلاة اقترب غير المسلمين من المسجد ووضعوا باقات الزهور والتقطوا صور سيلفى مع المسلمين، وارتدت العديد من النساء في أرجاء البلاد غطاء للرأس تضامنا مع المسلمات، كما ظهرت رئيسة الوزراء النيوزيلندية وسط الجموع الذين شاركوا المسلمين في صلاة الجمعة الأولى بعد المجزرة بالحجاب، وفى أستراليا المجاورة وقف الناس في الشوارع والمحال تكريما لضحايا الاعتداء.

ولم يكن الحادث الإرهابى الذي شهدته الجزيرة الهادئة بمأمن من استغلال سياسى من جانب بعض الأطراف التي وجدت فيه فرصة لخدمة أهداف سياسية أو انتخابية، وكانت تركيا من أكثر الدول التي تفاعلت مع الاعتداء على المسجدين، وغطى إعلامها من محطات تليفزيونية ومواقع إخبارية الحادث بشكل مكثف للغاية، حتى إن الرئيس التركى أطلق تصريحات شديدة اللهجة بحق أستراليا التي ينتمى إليها منفذ الحادث، وحذر الأستراليين «المعادين للإسلام» من أنهم إذا زاروا تركيا «سيعودون في توابيت كما تم مع أجدادهم» ما أشعل أزمة دبلوماسية بين البلدين.

ونقلت إذاعة صوت ألمانيا «دويتشه فيله» عن وليد عباس، المحلل السياسى بفرنسا في مقابلة، قوله إن تركيا «لا تنفك تحاول أن تجعل نفسها المدافع الأول عن الإسلام السنى في العالم»، مضيفاً أن أردوغان لايزال يراوده الحلم القديم بأن يكون زعيما لكل المسلمين، وأنه «استغل الحادث بشكل إعلامى لصالحه تماماً، خاصة أن البلاد ستشهد خلال الفترة المقبلة الانتخابات البلدية».

لكن على الجانب الآخر، هناك من رأى أن رد الفعل التركى السياسى والإعلامى طبيعى، خاصة أن تركيا تترأس الدورة الحالية لمنظمة التعاون الإسلامى، إلى جانب أن الإرهابى منفذ الهجوم زار تركيا التي قالت إنه كان يخطط لتنفيذ عمليات مشابهة داخل البلاد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية