في أول زيارة لاسطنبول، 2009، رأينا حدائق مُنتشرة، كما يقول السفير، عبدالرحمن صلاح الدين: «أسعدنا أن نسمع أذان الصلاة من مسجد (أورطا كوي على ساحل البوسفور وسط عشرات الأتراك الذين جلسوا على ضفاف البوسفور، مرتدين ثيابًا غربية متحررة تُلائم حر صيف إسطنبول، ويحتسون البيرة ويدخنون، ما ذكرنّي بالإسكندرية في الستينيات وقت طفولتي».
عمل السفير عبدالرحمن صلاح الدين، آخر سفير مصري في تركيا، في الفترة من 2010 وحتى نهاية 2013.
لا تمنَح المشاهِد التالية رؤية جديدة عن العلاقة بين مصر وتركيا، في ظلّ حكم 4 رؤساء، لكنها تمنح روايات مُتناثرة، شارك فيها السفير عبدالرحمن صلاح، بحُكم منصبه، لما حدث بين البلدين خلال السنوات الماضية، أو كما يقول كاتبه: «سيظهر للقارئ أنني مُتأثر برؤيتي، لكن حاولت ألا يؤثر ذلك على دقة الأحداث».
يكشِف آخر سفراء مصر لدى تركيا في مذكراته ، والتي صدرت قبل أيام عن دار نهضة مصر للطباعة والنشر، علاقة محمد مرسي بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ودور عصام الحداد، مساعد مرسي في رسم السياسة الخارجية المصرية لتصُب في القناة التركية.
1.
في أواخر نوفمبر 2013، غادر السفير عبدالرحمن صلاح وزوجته تركيا، ودَّعا الحدود، مُحاطين بالقرارات المصرية بـ:«تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع تركيا من درجة السفير إلى درجة القائم بالأعمال»، فيما كانت القاهرة «مُشتعلة، إذ طالبَ الرأي العام المصري بقطع العلاقات الدبلوماسية تمامًا مع تركيا، بدءً من قطع العلاقات الدبلوماسية، وحتى مقاطعة المنتجات التركية، وإلغاء اتفاقيات التعاون بين البلدين.
من الأشياء التي لاحظها السفير «عبدالرحمن» خلال 2013، أن مستشاري أردوغان، كانوا غير قادرين أو راغبين في تقديم النصح لهُ، حول التصريحات التي يُدلي بها حول مصر، وهو وضع مختلف عن «صورة أردوغان 2000»، عندما كان وشريكُه، عبدالله جول، يستمعان إلى كل الاتجاهات، قبل أن يقررا توجّهات حزبهما الناشئ، آنذاك.
لم يصمت «أردوغان» عن تصريحاته التي تُندد بمصر، إلا حين اتخذت مصر قرارها بتخفيض مستوى العلاقات وطرد السفير التركي، وما أعقب ذلك من الكشف عن فضائح الفساد في تركيا، وما واكبها من ظهور بوادر أزمة اقتصادية وسياسية هُناك.
2.
«لابد أن أسجل شعوري وزوجتي منذ وصولنا تركيا في مارس 2010، وحتى مغادرتنا في نوفمبر 2013، وجدنا العديد من التناقضات، مثل عمق التدين الأناضولي مع تطرف العلمانية، ومثل السعي لتطبيق المعايير الغربية في كل نواحي الحياة، مع الاتفاق الشعبي والرسمي أن الغرب يُحيك المؤامرات ضد تركيا لتفريقها وتقسيمها».
في أول زيارة لاسطنبول، 2009، رأينا حدائق مُنتشرة، كما يقول عبدالرحمن: «أسعدنا أن نسمع أذان الصلاة من مسجد (أورطا كوي على ساحل البوسفور وسط عشرات الأتراك الذين جلسوا على ضفاف البوسفور، مرتدين ثيابًا غربية متحررة تُلائم حر صيف إسطنبول، ويحتسون البيرة ويدخنون، ما ذكرنّي بالإسكندرية في الستينيات وقت طفولتي».
3.
يقول السفير «عبدالرحمن» في كتابه: «عند بداية علمي عند بدء عملي في تركيا أنها تؤوي بعض عناصر الإخوان المسلمين المحكوم عليهم في قضايا في مصر، فإنني لم أهتم بمعرفة من هُم، وماذا يفعلون، فقد كان ذلك اختصاص أجهزة الأمن وممثليها، وطالما عاهدتُ نفسي ونصحت زملائي الدبلوماسيين بأن مهمتنا ليست جمع المعلومات عن المصريين في الخارج، فكان اهتمامي الأكبر منذ وصولي أنقرة هو الاتصال بالجمعية الإسلامية قريبة الصلة بالحكومة»، والتي كانت تُنظم قوافل المساعدات لغزة.
كانت سياسة مبارك وقتها، تضييق استخدام معبر رفح البري في تمرير المساعدات، خوفًا من أن تتهمنا إسرائيل بتهريب أسلحة داخل تلك المساعدات، وكُنت قد قابلت وقتها، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، عمر سليمان، وسمعت منه ما يمُكن السماح بهِ من مساعدات عبر معبر رفح، ورجَوته أن يكون هناك تساهُل يسمح بكسب ثقة تلك المنظمات، وبالتالي حكومة أردوغان.
4.
أصر «أردوغان» على التعامي عن التهديدات الإسرائيلية، إذ انطلقت حينها السفينة «مرمرة الزرقاء»، نهاية مايو 2010، ودخلت المياه الإقليمية لغزة، فأوقفها سلاح البحرية الإسرائيلي، وهبط عليها الجنود الإسرائيليون لمواجهة المناضلين، فقتلوا عشرة مدنيين، بينهم 9 أتراك وواحد تركي أمريكي، ونقلوا جميعًا إلى إسرائيل، وبدءوا بالإفراج عن المصريين أولاً.
أطلق أردوغان حينها، تصريحات نارية عن التوعد للرد على إسرائيل، لكنه لم يفعل شيئًا سوى تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل لمستوى سكرتير ثاني.
كانت تلك أول أزمة دبلوماسية يواجهها السفير «عبدالرحمن» خلال عمله مع أنقرة.
5.
خلال فترة حكم محمد مرسي، زار تركيا ليناصر أردوغان انتخابيًا، لكن «عبدالرحمن» قرر أن يتصرف بما يُمليه عليه ضميره، فالدبلوماسي يجب أن يخدم مصالح بلده وليس حزبًا فيها؟