أعلنت الحكومة البريطانية، الثلاثاء، أنها ستخفض الرسوم الجمركية على 87% من وارداتها فى حال خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى «بريكست» دون اتفاق، مؤكدة أنها لن تقوم بعمليات تفتيش جمركى عند الحدود مع جمهورية أيرلندا العضو فى الاتحاد الأوروبى، وذلك قبل ساعات من التصويت الذى كان مقررا فى السابعة مساء الثلاثاء بتوقيت «جرينتش»، على «الطلاق النهائى» مع بروكسل دون اتفاق، وهو السيناريو الأسوأ، لنتائجه الكارثية، وفى حال رفض مجلس العموم البريطانى ذلك، كما هو متوقع بشكل كبير، فإنه سيصوت اليوم، الخميس، على وقف تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، التى تحدد شروط مغادرة أى دولة عضو الاتحاد، لتأجيل الخروج، بشرط موافقة باقى أعضاء الدول الأوروبية خلال 3 أيام، ويأتى بعد ضربة ثانية وجهها مجلس العموم البريطانى برفضه اتفاق «بريكست» بأغلبية ساحقة.
وبموجب نظام الرسوم الجديد الذى سيدخل حيز التنفيذ إن غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبى فى 29 مارس دون اتفاق، ستبقى الرسوم لكن سيتم خفضها لبعض المنتجات الزراعية لحماية المنتجين البريطانيين، بهدف تجنب ارتفاع أسعار الواردات الأوروبية فجأة بالنسبة للمستهلكين وحدوث خلل فى سلاسل الإمداد، ومن المقرر أن يكون هذا النظام لمدة تصل إلى 12 شهرا بانتظار التفاوض على نظام دائم.
وقال وزير السياسة التجارية البريطانى، جورج هولينجبيرى: «إن غادرنا دون اتفاق فسنلغى معظم الرسوم الجمركية على وارداتنا مع المحافظة على الرسوم بالنسبة للصناعات الأكثر حساسية»، موضحا أن «هذا النهج المتوازن سيساعد على دعم الوظائف البريطانية وتجنب الارتفاع المحتمل للأسعار الذى قد يؤثر بشكل أكبر على الفقراء»، وسيتم خفض الرسوم على لحوم الأبقار والغنم والخنزير وبعض منتجات الألبان مع الحفاظ عليها فى معظم الحالات، وقالت الحكومة إن صانعى السيارات الذين يعتمدون على سلاسل الإمداد التابعة للاتحاد الأوروبى لن يواجهوا رسوما إضافية على قطع السيارات المستوردة من التكتل، بينما سيتم فرض رسوم على السيارات المستوردة، ولن يطبق النظام الجديد على الدول التى تحافظ بريطانيا على اتفاقيات للتجارة الحرة معها وعلى نحو 70 دولة نامية لديها حقوق تفضيلية فى الوصول إلى الأسواق البريطانية، وأكدت الحكومة أنها لن تطبق نظام الرسوم أو عمليات تفتيش جمركى على السلع التى يتم نقلها برا عبر الحدود من أيرلندا إلى أيرلندا الشمالية لكنها أقرت بأن ذلك قد يفسح المجال «لاستغلال محتمل» فى حال نقلت هذه البضائع لاحقا إلى الأراضى البريطانية ليتم بيعها، وأفاد بيان الحكومة بأنها «ملتزمة بالدخول فى محادثات مع المفوضية الأوروبية والحكومة الأيرلندية بشكل عاجل».
وللمرة الثانية، صوت أعضاء مجلس العموم البريطانى، بأغلبية 391 نائبا ضد «بريكست»، بينما دعمها 242 نائبا، مساء الإثنين، وقالت «ماى» بعد ثانى هزيمة قاسية لها: «دعونى أتحدث بوضوح، التصويت ضد الخروج دون اتفاق ولصالح تمديد فترة المفاوضات لا يحل المشكلة»، وأضافت أن البرلمان يواجه مأزقا، فهل يرغب فى إلغاء المادة 50 التى تعلن النية فى مغادرة الاتحاد؟ هل يريد إجراء استفتاء ثان أم يريد الخروج باتفاق، ولكن ليس هذا الاتفاق؟»، وأضافت أن نواب المحافظين سيكون لهم التصويت بحرية بشأن الخروج دون اتفاق، ولن يكونوا ملزمين باتباع خط الحزب، موضحة أن الخيارات التى تواجهها البلاد «لا تحسد عليها» لكنها أكدت أنه «يجب مواجهتها».
وحول إمكانية تأجيل خروج بريطانيا، قال وزير شؤون «بريكست» البريطانى ستيفن باركلى: «لا نعلم إلى متى سيكون هذا التأجيل، فهو قرار يعود إليهم، ولا نعلم الشروط الملحقة به»، وقال زعيم حزب العمال المعارض، جيريمى كوربن، إن على رئيسة الوزراء الدعوة لانتخابات مبكرة، موضحا أن اتفاق «بريكست» أصبح ميتا. ويضع مأزق «بريكست» خامس أكبر اقتصاد فى العالم فى حالة غموض دون سبيل واضح للمضى قدما، حيث بات الخروج دون اتفاق أو تأجيل موعد الانفصال المقرر فى 29 من مارس أو إجراء انتخابات مبكرة أو حتى إجراء استفتاء آخر كلها أمور محتملة، وقد تحاول «ماى» الحصول على دعم البرلمان لكى يغير المشرعون المناهضون للاتحاد الأوروبى داخل حزب المحافظين الذى تتزعمه رأيهم إذا بات احتمال البقاء فى الاتحاد أكثر ترجيحا، ويشكل الخروج دون اتفاق أو ما يطلق عليه «هارد بريكست»، سيناريو مرعبا للاقتصاد البريطانى والأوروبى والعالمى على حد سواء، وهو خيار حذرت الشركات من أنه سيشيع الفوضى فى الأسواق وسلاسل التوريد، ويقول معارضون إنه قد يسبب نقصا فى الغذاء والدواء، وقال كبير مفاوضى الاتحاد الأوروبى ميشيل بارنييه: «لقد فعل الاتحاد الأوروبى كل شىء ممكن لتمرير الاتفاق، تحضيراتنا من أجل احتمال خروج بريطانيا دون اتفاق ملحة أكثر من أى وقت»، وقال متحدث باسم رئيس المجلس الأوروبى، دونالد توسك، إن رفض مجلس العموم البريطانى الاتفاق زاد بشكل كبير من خطر الخروج دون اتفاق، وقال إذا قدمت المملكة المتحدة طلبا منطقيا للتمديد فإن دول الاتحاد الـ27 ستدرس ذلك وتقرره بالإجماع، وأبدت الرئاسة الفرنسية «أسفها» لنتيجة تصويت البرلمان البريطانى، مو ضحة أن باريس لا يمكنها قبول إرجاء بريكست دون استراتيجية بريطانية بديلة ذات مصداقية. وتريد بروكسل حسم معضلة «بريكست» قبل انتخابات أوروبا مايو المقبل.