x

خبراء: «القوى العاملة» تعاني نقص المفتشين.. و40% فقط من المؤسسات تلتزم بالقانون

الثلاثاء 12-03-2019 23:43 | كتب: ولاء نبيل, عمرو التهامي |
عمال الصيانة عمال الصيانة تصوير : عمرو التهامي

منظومة قانونية محكمة تتضمن ما يقرب من 30 مادة متعلقة بالسلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل في نص قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، وتسرى أحكام هذا القانون على جميع المنشآت وفروعها، لتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية، وتأمين بيئة العمل، بما يكفل الوقاية من المخاطر وعوامل العدوى، حيث ينبغى على المؤسسة وضع بطاقات تعريف بجميع المواد الكيميائية المتداولة في العمل، وتركيبها ودرجة خطورتها، واحتياطات السلامة، وإجراءات الطوارئ المتعلقة بها.

وتنص القوانين واللوائح على أن يتم التفتيش بواسطة جهاز متخصص من أعضاء تتوافر فيهم المؤهلات العلمية والعملية، للتفتيش على المنشآت، ومراقبة تنفيذ أحكام السلامة والصحة المهنية وبيئة العمل، وأن يكون التفتيش على فترات دورية مناسبة.

وتلتزم كل منشآة، وفقاً لنص القانون، بالكشف الطبى على العامل قبل التحاقه بالعمل، للتأكد من سلامته، ولياقته الصحية طبقا لاحتياجات العمل، وتدريب العامل على الأسس السليمة لأداء مهنته، وإحاطة العامل بمخاطر مهنته، وإلزامه باستخدام وسائل الوقاية، وتدريبه على استخدامها، وفحص أي شكوى مرضية للعامل، ومعرفة علاقتها بنوع العمل، وتقديم الأدوية لهم اللازمة للعلاج بالمجان للعلاج.

وعن مدى تطبيق تلك المنظومة على أرض الواقع، قال الدكتور مهندس أسامة العدل، الخبير في السلامة والصحة المهنية، رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات العاملة بقطاع التدريب على السلامة المهنية: «إن المنظومة التي تحكم السلامة والصحة المهنية من الناحية الروتينية والإدارية محكومة ودقيقة جداً، وفعالة إذا ما تم تطبيقها، والالتزام بها، خاصة أنها لم تترك مجال إلا ووضعت له الاشتراطات الخاصة، لكون السلامة والصحة المهنية منظومة حياتية تفرض نفسها في الشوارع والمستشفيات والمدارس ومواقع العمل بشتى أنواعها».

وقدر حجم الالتزام بمعايير السلامة والصحة المهنية في مصر بنحو 40%، وذلك في أحسن تقدير، «لأننا لا يزال لدينا ضعف في ثقافتها، في الوقت الذي نجد في الخارج كليات متخصصة في الصحة والسلامة المهنية».

وأكد أن للسلامة والصحة المهنية بعدا اقتصاديا، يُقدر بحجم الخسائر التي تقع حين لا تلزم بها المؤسسات، فرصدت الإحصاءات ارتفاعا في معدلات الحرائق، التي بلغت 24 ألف حريق عام 2016، بخسائر 400 مليون جنيه، ناهيك عن الخسائر البشرية، التي لا تقدر بمال، ونسب العجز والإصابات، التي يخرج بها العمال، وتؤثر في النهاية على جودة المنتج، وقيمته التصديرية.

وأوضحت فاطمة رمضان، الباحثة في شؤون العمال، أن أكثر العوامل التي تتسبب في ضعف تطبيق القانون والمواد الخاصة بالسلامة والصحة المهنية هي نقص الكوادر العاملة في التفتيش، فمنذ عدة سنوات أعلنت وزارة القوى العاملة أن عدد مفتشى السلامة والصحة المهنية يعادل عشر المؤسسات التي تحتاج الرقابة عليها، وهو ما أقره وزير القوى العاملة ذاته حين أكد في افتتاح ملتقى السلامة والصحة المهنية الأخير في كفرالشيخ أن هناك فارقا كبيرا وفجوة بين عدد المنشآت التي تصل إلى 3 ملايين منشأة، وعدد مفتشى السلامة، الذين يصل عددهم لنحو 1400 مفتش فقط، واصفاً الفجوة بكونها «رهيبة».

وأوضحت أن مفتش السلامة قد يكون خريج طب أو علوم أو هندسة، بمعنى أن المهمة تحتاج أكثر من تخصص، وفى ظل ضعف الرواتب لا يقبل أحد عليها.

تبدأ منظومة التفتيش بتحرير محاضر للمخالفين، تُحال بعدها للنيابة، وفى أغلب الأحوال لا يتابع أحد الأمر، وبالتالى تتوه الشكوى، أو أن يتم فرض غرامات غير مجزية، ولا تطبق في النهاية، وبالتالى أصبح عدم تطبيق منظومة السلامة المهنية أمرا مرضيا لأصحاب الأعمال، خاصة أنها مكلفة.

أمر آخر يسهم في التراخى في تطبيق المنظومة وهو عدم جدية أصحاب الأعمال في احترام حقوق العمال، فأصبح إهدار حقوقهم الوسيلة الأسهل للتخلص منهم والاستعانة بغيرهم.

وأكدت أن الأمر يأخذ شكلا مختلفا في المنظومة الحكومية، حيث يُرجح عدم تطبيق معايير السلامة والصحة المهنية في القطاع العام إلى عدم توافر الميزانية اللازمة لشراء معداته، كما أن إجراءات تحرير المخالفات فيه أكثر إطالة، تبدأ بعمل مذكرة، تذهب لمدير مديرية القوى العاملة، التي يحيلها إلى مدير إدارة السلامة والصحة المهنية، ومنه إلى مكتب المحافظ، وفى الغالب ينتهى الشأن هناك.

وطالب أحمد عزب، خبير الصحة والسلامة المهنية، الدولة بإعادة النظر في مجال الصيانة للعاملين في مختلف الوظائف، موضحاً أن هناك مقترحا ينبغى إعادة طرحه من جديد وهو نقل تبعية ادارة السلامة والصحة المهنية من وزارة القوى العاملة، وأن تكون هيئة قومية مستقلة تتبع مجلس الوزراء، كوسيلة لإعادة تفعيل دورها أمام الكوارث التي تقع للعمال بشكل يومى.

وأضاف «عزب» أن هناك جهات حكومية منوطا بها هذا الدور في تدريب الموظفين على السلامة المهنية، وتشترط بعض الوظائف شهادة من هذه الجهات للعمل، مؤكداً أن هذه الجهات غير فاعلة، وأدوارها مجرد شكل بروتوكولى.

ربما لا يحمل الالتحاق بمهنة عامل الصيانة خطراً إذا ما تم اتخاذ تدابير السلامة، ومنح العاملين فيها دورات تدريبية مسبقة عن طبيعة المهنة، والإشراف عليهم أثناء العمل ممن هم أكثر خبرة، لكننا أمام واقع ترصد خلاله الصحف والمؤشرات حوادث عدة، تتنوع بين الصعق الكهربائى، والموت غرقاً، وسقوط أحمال ثقيلة، وموت آخرين خنقاً.

تنتهى بعدها مأساة الفنى بتصريح النيابة بدفن الجثة، لعدم وجود شبهة جنائية، لكن الخطر يظل قائما، وينتظر غيرهم، بسبب عدم اتخاذ تدابير الأمن والسلامة المهنية.

وهو ما علق عليه خبراء القانون ومنهم الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون العام، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، بأن أي إصابة تحدث لموظف قبل بدء العمل بساعة أو أثناء أو بعد انتهاء العمل بساعة تعد إصابة عمل، وتقدر له الدولة حجم التعويضات حسب الإصابة أو الضرر الواقع عليه.

وتحكم منظومة التعويض هنا آلية قانونية بحتة، قائمة على علاقة التبعية القانونية، لكونه عاملا على قوة مؤسسة، وأخرى اقتصادية لكونه يتقاضى أجرا من تلك المؤسسة، ويكون التعويض على قدر الإصابة أو نسبة العجز، التي ربما تحيله للمعاش بأجر كامل.

وأكد أن الإشكالية هنا تأتى من تكرار حوادث الإصابة أو الوفاة لعمال الصيانة، بسبب عدم التزام المؤسسات بتطبيق قواعده، أو التحايل على الأمر للتهرب من العقوبات المفروضة.

وأكد اللواء دكتور عادل عبدالعليم، المساعد الأسبق لوزير الداخلية، الأستاذ بالجامعة الأمريكية، أن استعدادات السلامة والصحة المهنية أمر تعادل أهميته قدر سلامة الأرواح من العمال، وجودة وسمعة المنتجات التي ينتجونها.

ويضيف أن السلامة المهنية لم تعد تتعلق فقط بمخاطر العمالة وقت وقوع الحوادث، بل تتعلق بالأمراض التي تلحق بهم، جراء العمل في أماكن تعانى تلوثا بيئيا، يلقى بصداه على سلامة المنتج، ويجعله يخرج عن نطاق التنافسية العالمية، التي تشترط تطبيق معايير السلامة.

وأوضح: «لدينا مفتشون بالفعل للسلامة المهنية، لكننا بحاجة إلى صرامة في تطبيق القانون، وتفعيل عقوبة الحبس مع الغرامة، وعدم الاكتفاء بالغرامة، حتى لا تفتح مجالا لتكرار المخالفة».

وعن مخاطر عدم الالتزام بمعايير السلامة المهنية على المجتمع قال: «أى مصنع بير سلم غير مرخص لا يلتزم بمعايير السلامة المهنية، ومن ثم يخرج منتجا غير مطابق للمواصفات. هذه المنتجات أغلبها غذائية، ويمكنها أن تلحق الضرر بمئات بل الآلاف من المواطنين، الذين يتناولونها دون أي معايير للأمان».

من جانبها حاولت الجريدة التواصل مع مسؤولى وزارة القوى العاملة من خلال المكتب الإعلامى، المنوط به الرد على وسائل الإعلام، لمعرفة رأى مسؤولى الوزارة فيما رصده التحقيق، إلا أنه رفض الرد.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية