لعبت «صحافة المواطن» دوراً كبيراً فى أحداث مصر الأخيرة، فعن طريقها رأى الناس أحداث شارع محمد محمود، وانتظار الناس للجثث فى مشرحة زينهم، وجثث القتلى تلقى فى القمامة، وصحافة المواطن هى الوسائل الحديثة من مدونات ومواقع اليوتيوب، وصفحات على الفيس بوك، كما نقلت الانتهاكات التى حدثت فى انتخابات مجلس الشعب، وأخيراً ما حدث أمام مجلس الوزراء، حيث وثقت ما تعرض له المصريون من عنف من قبل القوات المسلحة، وبها تغيرت النظرة إلى الصحافة بل تغير مفهوم الأخيرة بصورة واضحة.
وقد اكتسبت المدونات بعد فترة قصيرة من ظهورها فى بداية القرن الحادى والعشرين أهمية كبيرة فى التعبير عن رأى قطاع كبير من الجمهور، الذى ظل لفترات طويلة متلقياً لوسائل الإعلام، وما لبث هذا التعبير عن الرأى أن تحول إلى تغطية خبرية لكثير من الأحداث التى لم تتناولها وسائل الإعلام، ومع تزايد مصداقية المدونات بدأت الصحف فى النقل من بعض المدونات بشكل جعلها منافسا فى بعض الأحيان لوسائل الإعلام التقليدية.
هذا التنافس أخذ العديد من الأشكال إلى أن وصل إلى الأفلام السينمائية الغربية، التى تناول العديد منها فى السنوات الماضية أهمية المدونات فى نقل أخبار وكشف أحداث لم تتناولها وسائل الإعلام التقليدية، سواء لارتباط تلك المؤسسات بالحكومات وصانعى القرار أو لتوجهات القائمين على تلك الوسائل.
يقول د. محمود خليل، الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن مصطلح الصحافة الشعبية ظهر فى الصحافة التقليدية المطبوعة مرتبطا بنمط معين من الأداء المهنى يعمل على جذب القارئ من خلال معادلة للإثارة من خلال خلطة مهنية تجمع بين الرياضة والجنس والفضائح وغير ذلك من الأمور التى لديها القدرة على مخاطبة غرائز القارئ أكثر من قدرها عى مخاطبة عقله.
ويشير د. محمود خليل إلى أن ما يطلق عليه «الصحافة الشعبية» على الإنترنت هو فى الواقع يسمى «صحافة المواطن» وهى فكرة تستند إلى ما أثارته تكنولوجيا المعلومات لكل فرد من أفراد المجتمع من أن يكون له نافذة إعلامية ينشر من خلالها ما يتوافر لديه من آراء أو وجهات نظر أو معلومات بشأن الموضوعات المختلفة، قائلا إن الشكل الأول فى إطار هذه التجربة المعاصرة ارتبط بالمدونات التى أتاحت لقرائها على الإنترنت الفرصة للتعليق والمشاركة حول ما تم طرحه على المدونة. مضيفا أن المدونات تجربة إليكترونية تستدعى صحف الحائط بشكلها التقليدى، حيث كان يترك فيها مساحات بيضاء تخصص لكتابة تعليقات قراء الصحيفة والفارق بينهما يتلخص فى التكنولوجيا المستخدمة وإمكانية استعادة الموضوعات السابقة على المدونات.
أخذت المدونات فى مصر موقعاً متميزاً فى المشهد الإعلامى عندما قامت بدور كبير فى كشف وقائع تعذيب مواطنين فى أقسام الشرطة وكشف التزوير فى انتخابات مجلس الشعب عام 2005، وهو ما أدى بعد ذلك إلى مطالبة بعض المدونين بحقهم فى الحصول على عضوية نقابة الصحفيين، وعن هذه المطالبات يقول د. محمود خليل إنه يتحفظ على إطلاق لفظ صحافة على المدونات، فالصحيفة تحدد فى إطار معيارين الأول هو معيار المؤسسة، حيث تعبر فى محتواها عن المؤسسة التابعة لها ولا تعبر عن فرد، والمعيار الثانى هو قيامها بأداء مجموعة من الوظائف، وهما المعياران اللذان لا يتوفران فى المدونة التى تعبر عن رأى فرد، كما أنها لا تقوم بوظيفة الصحيفة فى حياة القارئ ولا يشترط فيها أن تؤدى الوظائف التقليدية للصحيفة، حتى تلك المواقع التى تقوم بنشر محتوى إليكترونى للعديد من المدونات فيما يسمى «صحافة المواطن».
يضيف د. «خليل» أن المدونات أعطت للقارئ الفرصة فى ممارسة حقه فى التعبير عن رأيه ومكنت مستخدميها من ممارسة الحق فى المعرفة ولكن ذلك لا يبرر بحال من الأحوال أن ننظر إلى تلك التجارب على أنها جزء من المهنة تبرر لمن يقوم بها المطالبة بالانضمام إلى نقابة الصحفيين وهو أمر غير معقول لأننا بهذا المعنى يمكن أن نضم عدداً كبيراً من المدونين، الذين وصل عددهم فى مصر، بحسب إحدى الإحصائيات، إلى حوالى 160 ألف مدون، إلى النقابات المهنية للعاملين بالإعلام.
يقول المدون والناشط محمود عبدالقادر أن الفارق بين الصحفى والمدون فى دولة بها حجب للمعلومات مثل مصر يتلاشى نظراً لاختفاء الميزة الرئيسية للصحفى وهى الحصول على المعلومات من مصادرها. وأن تلاشى هذا الفارق يصب فى مصلحة المدون، سواء كان يقدم مادة الرأى أو يقدم معلومات لقرائه فى ظل أنه يعلن عن توجهه إلى جانب أنه يعمل فى ظل دعم تيارين قويين هما التيار اليسارى، باعتباره يقدم المعلومة مجانا لكل القراء، والتيار الليبرالى، باعتباره داعماً للحريات ومنها حرية التعبير.
عن الفارق بين «صحافة المواطن» والصحف الإلكترونية يقول د. «محمود» إن الصحيفة الإلكترونية هى مشروع مؤسسى يعتمد على تنوع المواد الصحفية وتعدد الوظائف التى تؤديها تجاه القارئ مثل تلك الوظائف التى تقوم بها الصحافة المطبوعة، وتنقسم إلى نوعين الأول هو مواقع إليكترونية قائمة فقط على الإنترنت والثانى هو عبارة عن نوافذ إليكترونية لصحف مطبوعة ولكنها تتميز عن صحيفتها المطبوعة بقدرتها على التحديث المستمر، بالإضافة إلى قدرتها على تقديم الوسائط المتعددة من مواد سمعية ومواد بصرية.