«هنا جلس العمالقة.. أديب نوبل.. شاعر النيل.. أمير الشعراء.. نبلاء مصر المثقفين الذين غامروا بأرواحهم وضحوا بكل ما يملكون لـ«تعيش مصر.. ويسقط الاستعمار.. ويحيا الهلال مع الصليب.. وعاشت مصر حرة أبية».. إنهم مثقفو مصر الذين ارتبطت عشرات المقاهى بأسمائهم وجلساتهم، والتى ظلت شاهداً على عصر، تحولت خلاله إلى «منصات حرية» تجهز فيها المنشورات وتعقد فيها الجلسات التى تبحث طرق الخلاص من الاستعمار وتحرير «بهية من أسر الإنجليز».
نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وأمل دنقل، ويحيى الطاهر عبدالله، وصلاح جاهين، وثروت أباظة، ونجيب سرور، وكمال الملاخ، هؤلاء وغيرهم تركوا دفء أجسادهم على مقاعد مقهى «ريش» الذى يقع فى شارع طلعت حرب بوسط البلد، ويطل على ميدانه الشهير، وهو المقهى الذى أسسه ألمانى عام 1908، وقد كان المقهى محتضنًا أحداثا ثقافية وسياسية كبيرة، حيث كان المقهى تجمعًا لثوّار 1919، حيث وُجد به سرداب سرى وآلة لطبع المنشورات.
وعلى بعد خطوات من المقهى الأبرز «ريش»، يقع مقهى زهرة البستان، الذى تعرفه من رسم الجرافيتى على جدرانه لأم كلثوم والأبنودى، ونجيب محفوظ وحتى محمد صلاح، والذى يعد الآن التجمع الأكبر للمثقفين فى وسط البلد.
وكان آخر المقاهى المرخص له بتقديم الخمور فى القاهرة، مقهى «الحرية»، فى باب اللوق، والذى يتسع لـ350 مترًا بارتفاع 5 أمتار، ما يعطيك الكثير من «الحرية» كاسمه، والمزيد بالداخل، حيث ينقسم عن اليمين للجزء الخاص بتقديم الكحول وعن اليسار للجزء العادى، ويتميز المقهى بالأبواب الطويلة والكثيرة واللون الأبيض المكسور وملصقات المشروبات، وكان المقهى تجمعًا للمثقفين وسياسيى اليسار المصرى، وحتى أنه ظهر فى أفلام سينمائية عدة منها «فوزية البرجوازية- رومانتيكا- ملك وكتابة»، وارتاد المقهى أسماء بارزة منها الشيخ زكريا أحمد، وأحمد رمزى ورشدى أباظة، وشكرى سرحان، والدرملى باشا، والضباط الأحرار وبصفة خاصة الرئيس أنور السادات، وهو الآن ما زال قبلة للمثقفين والفنانين.
أما مقهى «التكعيبة» فمساحته مترين أو ثلاثة أمتار مربعة، والكثير من الزبائن التى تتشكّل كأنها انفجار يخرج من داخل مقهى التكعيبة بشارع النبراوى، الذى سمح هدوؤه وخلوه من السيارات بانتشار رواد المقهى أمامه، ويعد المقهى أكثر تجمعات وسط البلد حداثة إلى جانب أقرانه لكن موقعه سمح له بنصيب مساوٍ من الرواد حيث يقع المقهى بالقرب من مسرح روابط و«تاون هاوس» ونقابة الصحفيين وقاعتى المشربية وكريم فرنسيس للفن التشكيلى، لذلك فهو تجمّع للمثقفين والمسرحيين والصحفيين والتشكيليين، وهو المقر شبه الدائم للفنان الكبير جورج بهجورى الذى يقابلك هناك بابتسامته وبساطته المعهودة، وقد يحالفك الحظ برسم كاريكاتيرى بيده.