أكد الدكتور مصطفى الفقي مديرمكتبة الإسكندرية أهمية دور الأزهر الشريف في الوقت الراهن بوصفه أحد أهم مصادر قوي مصر الناعمة والأكثر تأثيرا في الداخل والخارج، حيث يمثل الوجهة التي يقصدها الملايين حول العالم لطلب العلم وأصول الشريعة. وأضاف أنه لابد من تنمية تلك القوة الناعمة، والإفادة منها في مواجهة التطرف في إطار خطاب ديني يقوم علي العقلانية والوسطية لا التعصب أو التطرف وأشار إلى أهمية الحفاظ علي استقلالية الأزهر حتي يقوم بدوره علي أتم وجه كمؤسسة دينية تعليمية في مجابهة التطرف الديني والفكري، بنشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة والوسطية، ومواجهة الجماعات الدينية المتطرفة والإرهاب الغاشم الذي يمثل خطرا داهما علي الوطن وعلي الدين الإسلامي ذاته، والذي يلحق بنا الضرر مرتين الأولي بوقوعه علي أرضنا والثانية بالصورة المشوهة التي يتم تصديرها عن الدين الإسلامي إلي الغرب.
جاء ذلك في المحاضرة التثقيفية التي ألقاها الدكتور مصطفى الفقي لشباب الدعاة الأزهريين ضمن فعاليات برنامج تأهيل الدعاة الذي تنظمه الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب، وذلك بحضور كل من الدكتور أسامة الأزهري؛ مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، والدكتورة رشا راغب؛ مدير الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب، والدكتور عبد الرحيم البيومي؛ عميد كلية أصول الدين بجامعة الزقازيق، وبحضور ما يزيد عن سبعين شابا من الدعاة الأزهريين وطلبة كلية أصول الدين والشريعة والقانون.
كما أكد الدكتور مصطفى الفقي مدير مكتبة الاسكندرية علي أهمية دور الدعاة الأزهريين تجاه مواجهة الفكر المتطرف ونبذ العنف، وعلي مدي أهمية رسالتهم في تصحيح الأفكار والمفاهيم المغلوطة مثل الأحاديث المغلوطة والشائعات المغرضة والفكر المتطرف، وإنشاء جيل جديد من أبناء الوطن يمثل المستقبل ذو وعي سليم بدينهم وفهم وسطي معتدل لا شطط فيه ولا تطرف أو تعصب، وأكد أيضا علي أن رجل الدين في مصر له تأثيره القوي علي المواطنين مسلما كان أم مسيحيا وتلك مسئولية كبري، إذ تعد خطبة الجمعة في أحيان كثيرة أهم من خطبة زعيم أو قائد، وفكرة الدين متأصلة في قلوب وعقول المصريين منذ قدم التاريخ. هنا يأتي دور الدعاة في تنقية العقول من تعصب أو تطرف أو انسياق وراء أفكار وآراء مغلوطة وتوجيهها لما هو وسطي وصحيح ومعتدل، متبعين في ذلك البساطة والسماحة وإظهار الوجه البشوش والأسلوب الحسن في خطاباتهم أثناء الدعوة، والابتعاد عن أسلوب الترهيب التشدد والتجهم والانتقاء التحكمي واستخدام الآيات القرآنية في غير سياقها، وأن يبشروا ولا ينفروا كما أمر الدين الإسلامي، بالإضافة إلي ضرورة تعلم اللغات الأجنبية المختلفة وذلك من أجل مخاطبة الأجانب بمختلف لغاتهم مخاطبة صحيحة وإيصال أفكارهم وآرائهم بكل سهولة ويسر، فالداعية بدون لغة كالفقيه بدون لسان لا وجود له بالخارج.
وأكد أيضا علي ضرورة انفتاح الدعاة علي العالم الخارجي بما يتناسب مع الشريعة والعادات والتقاليد وضرورة القراءة والتثقيف في شتي مجالات العلوم والمعرفة والتاريخ وليس علوم الدين فقط، فالشخص الموسوعي المثقف الذي يضرب بسهمه في كل اتجاهات المعرفة هو الأجدر بإيصال أفكاره وآرائه للآخرين، فالطبيب الشاعر خير من الطبيب فقط، والمهندس الروائي خير من المهندس فقط، داعيا إياهم بقراءة كل ما يمكن أن تصل إليه أيديهم.
ودعا الفقي الدعاة إلي أدراك أن مصر دولة ذات وضع خاص ومنفرد، فهي ليست بالكبيرة ولا الصغيرة وليست بالغنية ولا الفقيرة فهي ذات نسيج خاص بها، فهي مهد الحضارات وملتقي الثقافات وحاضنة الأفكار والرموز وبلد اللجوء عبر التاريخ وأول لاجئ بالتاريخ كان السيد المسيح عليه السلام، بالإضافة إلي أنها تعتبر مستقبلة الديانات، وعلي الرغم من أنها ليست بمهبط الديانة ولا منزل الرسالة ولكن إذا تم النظر إلي العالم الإسلامي فلابد من التوجه إلي مصر، فعندما قرر الرئيس الأمريكي باراك أوباما مخاطبة العالم الإسلامي بعد أزمة غزو العراق تم الاختلاف علي البلد التي سيتم مخاطبة العالم الإسلامي منها حتي تم التصويت لصالح مصر باكتساح داخل البيت الأمريكي والتأكيد علي أنه لا يخاطب العالم الإسلامي إلا من مكان واحد فقط وهو مصر الأزهر، ذلك بخلاف أنها بلد الديانات والتعايش والتسامح علي مدي العصور منذ عبق التاريخ.
وشدد على أن هناك العديد من الدول يضيق صدرها بدور مصر القيادي وريادتها في المنطقة وتاريخها العريق وكونها دولة الرموز في كل المجالات زعماء وعلماء وفقهاء ودعاة وأئمة ومفكرين وأدباء وشعراء وخلافه، وهناك حرب ضروس ضد الدور المصري وضد المكانة المصرية داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها، إلا وأن الإدارة المصرية حريصة كل الحرص علي إعادة الدور المصري والريادة المصرية إلي مكانتها الطبيعة كرائدة في منطقة الشرق الأوسط في شتي المجالات السياسية والعلمية والاقتصادية ومواجهة كل ما يحاك بها من مكائد وتطرف وإرهاب بقواها الناعمة وقيادتها الرشيدة.
في ختام المحاضرة قام الدكتور مصطفى الفقي بتقديم إهداء مقدم من مكتبة الإسكندرية إلي الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب يتمثل في مجموعة من أحدث وأبرز إصدارات مكتبة الإسكندرية مثل موسوعة "المزارات الإسلامية والآثار العربية في مصر والقاهرة المعزية" وموسوعة "جمهرة أعلام الأزهر الشريف" ليتم
إيداعها في المكتبة الخاصة بالأكاديمية، كدعم من مكتبة الإسكندرية إلي الأكاديمية وتأصيل التعاون المشترك بين المؤسستين.
جدير بالذكر أن برنامج تأهيل الدعاة يستند إلى توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بضرورة حصول الدعاة علي دورة تأهيلية بالأكاديمية الوطنية للتدريب، وذلك في إطار وضع أسس موحدة لموظفي الدولة المصرية علي أسس علمية ووفقا للمعايير العالمية، حيث يستهدف البرنامج تأهيل الدعاة لنشر الصورة الذهنية الصحيحة عن الإسلام الوسطي في الداخل والخارج، وتقريب وجهة النظر بين الشرق والغرب نحو التعايش ورفض العنف ومواجهة التطرف، وتذليل العقبات أمام التواصل والتعايش قبل تصحيح الفكر المغلوط، حيث يأتي ذلك من خلال التعرف علي قواعد البروتوكول وأدوات التسويق والدعاية لتحسين الصورة الذهنية عن مصر والإسلام الوسطي في الداخل والخارج، مستعينين بآليات التواصل الفعالة والقيادة الحديثة والذكاء الانفعالي والاجتماعي ومهارات التفاوض والتحليل والتقييم والحوار، وكذلك التعرف علي المجالات المختلفة من اقتصاد وأمن قومي ومفهوم الدولة واستخدام التكنولوجيا في العرض.