الأربعاء الماضى استيقظت مبكرا وأدرت مؤشر محطة الأغانى الرسمية التى عادة ما تصاحبنى فى بيتى وفى السيارة، قرأت الصحف، فأنا لا أزال أنتمى للفصيلة الورقية المنقرضة، لا أنكر أننى أصبح كائنا رقميا عند الضرورة، مع اكتشافى لمقال أو خبر أو فيلم لا يمكن متابعته إلا على (النت)، عندما أشرع فى الكتابة لا أسرح فى الأغانى إلا قليلا، وهذا القليل يعنى أن هناك أغنية سرقت اهتمامى، أو أن ما أكتبه لا يستحق.
قررت أن أكتب عن هامش الحرية الذى بدأ يتقلص، إلا أننى توقفت لأن الهامش المتاح حاليا، لن يكفى للحديث بصراحة عن الهامش المتاح حاليا!.
«ما لا يُدرك كله لا يُترك كله» هكذا واسيت نفسى، اخترت الهامش الاجتماعى موضوع «كيوت» ولا يثير توجس أحد، أتناول الحرية المتاحة للشخصيات العامة، والتقطت زواج المطربة أنغام من الموزع الموسيقى أحمد إبراهيم، تلك المسافة الشائكة بين حق الناس فى المعرفة، وحق الشخصية العامة فى اختيار توقيت الإعلان.
وواصلت الاستماع للإذاعة، وفجأة تغير المذاق، المذيع يقدم قصيدة محمد فوزى «بلدى أحببتك يا بلدى»، الكلمات تذوب عشقا فى الوطن، عندما نستشعر خطرا ما أو مصابا، أو يعجز الإعلام المصرى عن التصرف، نستجير بتلك القصيدة، اكتشفت بعدها أن الوطن يعيش فى مأساة حريق فى محطة مصر، وامتلأ (النت) بفيديو المأساة، الإعلام فى حالة ذهول للدقة (دهولة)، أجرى الإعلامى الكبير وائل الإبراشى حوارا مع السائق لتفريغ شحنة الغضب، وتقدم وزير النقل باستقالته، لتهدئة الخواطر، رغم أننا نعلم أن الوزير الحالى وكل السابقين واللاحقين، لن يستطيعوا شىء، أمام تردى حال البنية التحتية لخطوط السكة الحديد (الحضيض)، فهى بحاجة لضخ مليارات، بينما أقصى ما نفعله هو توجيه بضعة ملايين، تتبخر فى لا شىء.
تحديث النقل البرى يجب أن يصبح هو مشروعنا القومى، فلا تزال النيران تحت الرماد تتحين الفرصة للاشتعال، سواء أكان سائق القطار مخدورا أو لا تعرف حتى السيجارة الطريق إلى فمه.
إذاعة الأغانى بجوارى والخطة الإعلامية كما يبدو هى التخفيف، وعدم الاستغراق فى الحزن، مضت ساعات بعدها بدأ صوت عبد الغنى السيد يلعلع (البيض الأمارة كانوا ظلمونى/ والسمر العذارى يا ريت ينصفونى).
من الذى يدير التوجه الإعلامى، مؤكد لا علاقة له بفلسفة الإعلام، يا ليته يتعلم الدرس من (بلدى أحببتك يا بلدى)، إنها القصيدة التى أنقذت مصر من الاستغراق فى الحزن وفى نفس الوقت أشعلت ومضة حب الوطن.
بعد هزيمة 67، كان القرار يقضى بأن تنضم كل القنوات إذاعة وتليفزيون لتبث القرآن الكريم، أثناء الاجتماع اقترحت أصغر المشاركات الإذاعية الراحلة نادية توفيق إذاعة قصيدة فوزى، التى طبطبت على المصريين، غم أن فوزى سجلها عام 66 قبل رحيله مباشرة، تأملوا الكلمات، الكل تحت مظلة حب الوطن، نختلف بعدها على أى شىء، هذا هو الهامش الذى علينا أن نناضل للحفاظ عليه، بينما من يدير منظومة الإعلام مشغول، بتوجيه الصوت الواحد، واحتكار كل التفاصيل له، واحتقار كل من له رأى آخر.
كان (التريند) الأول على (النت) أجساد المصريين التى احترقت، بينما هناك من سرب فيديو جنسيا، ليحتل المركز الأول، وهناك أم لا تزال تقف على باب المشرحة تنتظر جثمان ابنها!!.